جويل بويونس - الديار
اخيرا، وبعد انتظار طال 10 سنوات ، وعلى مشارف انتهاء عهد حوصر على الجبهات كافة وفُتحت عليه نيران الداخل والخارج ، ها هو رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يختم العهد، الذي وصفه كثر باسوأ العهود في تاريخ لبنان، بتوقيع اقوى انتصار سيسجله التاريخ مسطّرا انجازا مدويا، مسلما لبنان بلدا نفطيا ليس في الكلام والشعارات، بل بمراسيم وورقة مكتوبة خطّت سطور اتفاق تاريخي مع "اسرائيل" حول ترسيم الحدود البحرية برعاية اميركية!
بالمراسيم افتتح العهد وانهاه بالترسيم، مدعوما بفريق عمل ووسيط لبناني اثبت انه مفاوض اقليمي من الطراز الاول، لم يخيب ظنّ "الجنرال" ، ولم تجعله ساعات التفاوض الصعبة والثقيلة يستسلم بل اكمل حتى النهاية ، فخصّه الاميركيون بتصريحاتهم بالشكر من اعلى القيادة الاميركية بدءا من الرئيس جو بايدن الى الوسيط الاميركي فالسفيرة الاميركية الذين اجمعوا على توجيه الشكر لجميع من عمل في سبيل التوصل لهذا الاتفاق التاريخي، مع تعمّد ذكر اسم نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب في تصاريحهم او بياناتهم نظرا للجهود المضنية والمفاوضات الماراتونية التي خاضها مع الوسيط اموس هوكستين توصلا الى منتصف ليل 10 تشرين الاول 2022 ، والذي سيسجل في صفحات التاريخ يوم تسلم بوصعب الصغية النهائية للاتفاق من هوكستين، وسلمها في اليوم التالي للرؤساء الثلاثة والتي باتت اليوم بمتناول الجميع بعدما سرّبت صفحاتها امس.
وراء هذا الفريق الذي عمل ليل نهار، والذي اشاد الوسيط الاميركي بادارته الحكيمة للملف، وقفت مقاومة صلبة ، لا يهزها لا تهديد ولا وعيد، مقاومة لولا قوتها ومسيّراتها التحذيرية لما كان لبنان اليوم يحصل على كامل حقوقه ويرسي معادلة "لا غاز من كاريش بلا غاز من قانا"، تلك المعادلة التي تحدث عنها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وأرساها امين عام حزب الله السيد نصر الله الذي تسجل له اوساط بارزة متابعة لملف الترسيم، كيفية تعاطي حزب الله الحكيمة بادق ملف واكثره حساسية، وهو الذي لم ينفذ سوى ما قاله : "نحن خلف الدولة اللبنانية بالترسيم ولكن بالتنقيب لا غاز من كاريش بلا غاز من قانا"، وهذا ما حصل، فعلها حزب الله فاجبر "اسرائيل" على وقف التنقيب، وسرّع عودة الوسيط الاميركي وفعّل التفاوض الذي كاد ان يُختم على اطاحة بالاتفاق باكمله.
وتسجل الاوساط في هذا الاطار للسيد نصر الله كيف انه ابى في كلمته الاخيرة ان يسجل الانتصار للمقاومة فحسب، علما انه هو من جعل "اسرائيل" تقف على "اجر ونص"، واصر على التريث حتى اللحظات الاخيرة، واصفا ما تم التوصل له بالانجاز للبنان باكمله.
وتضيف الأوساط، قد يكون الموقف اللبناني الموحد للرؤساء الثلاثة ابرز عناصر القوة التي تسلح بها لبنان، وهنا لا يمكن الحديث عن اتفاق الترسيم دون اغفال الدور الاساس الذي اضصلع به رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي ارسى اتفاق اطار ورد في نص الصيغة النهائية التي تسلمها لبنان.
وتشير الأوساط، قد يكون من الظلم عند الحديث عن النفط والغاز عدم الاقرار بالدور البارز لجبران باسيل الذي كان اول من وضع نصب عينه وجوب استخراج النفط والغاز، ولعل ما قاله هوكستين نفسه منذ اشهر في احد لقاءاته التفاوضية في بعبدا، اكبر دليل على ذلك، اذ قال يومذاك هوكستين امام الحاضرين : "لو قبلتم وسرتم بالملف منذ 11 سنة واقررتم المراسيم التي عمل عليها باسيل لكنتم اليوم تصدرون الغاز لاوروبا باغلى الاسعار".
على اي حال، قد يكون فريق ما قد نجح في تسطير اهم انجاز تاريخي يوم خرج آخرون وقبل ايام قليلة ليعلنوا : لا ترسيم، فالمسألة معقدة اكثر مما تتخيلون تماما، كرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع وآخرون يشككون بلبنان بلدا نفطيا ، لكن لا يمكن الا الاقرار بان ما سرّع الملف هو جملة عوامل خارجية ابرزها الحرب الروسية - الاوكرانية وحاجة اوروبا "المخنوقة" للغاز وعدم قدرة اميركا "المحشورة " بالغاز الروسي على الاستمرار ، والضغط الكبير الذي مارسه الاميركيون على المسؤوولين "الاسرائليين"، لكن الاهم اليوم : ماذا عن التوقيع ؟ ومتى سيحصل؟ وهل يكون في الناقورة؟ وما هي التعديلات التي اصر لبنان على ادخالها في لحظات تفاوض ربع الساعة الاخيرة؟
على هذه الاسئلة ، تكشف اوساط بارزة بان نقطتين بقيتا عالقتين حتى آخر ساعات التفاوض ، ابرزها خط الطفافات وهو المنطقة التي تمتد 5 كلم من البر اللبناني بعمق البحر وبعرض 500 متر ، والتي اصر العدو الاسرائيلي في البداية على وجوب اعتراف لبنان بان هذه حدودها، ما رفضه مطلقا لبنان الذي يعتبر ذلك احتلالا ولا يعترف به اساسا، وبالتالي كان الحل الوسط الاتفاق على ان يتم تأجيل البت بهذه النقطة "خط الطفافات" لحين ترسيم الحدود البرية، وتمت اضافة عبارة " بوقت لاحق "، كما عبارة "ابقاء الوضع الراهن "، فاتى في الاتفاقية ان الامور تبقى على حالها مع الاخذ الاعتبار الاختلاف القانوني لكلا الطرفين من دون تحديدها فادخلت عبارة "ابقاء الوضع الراهن " الستاتيكو" كما هو، ما يعني عمليا ان لبنان نجح بعدم المساس بحدوده البرية.
الى جانب خط الطفافات، كان موضوع عمل شركة "توتال" بالبلوك رقم 9 ، وتحديدا التعويض الذي تطالب به "اسرائيل"، كون جزءا من حقل قانا يقع بجزء "اسرائيلي"، وهذه كانت محطة نقاش مطول استغرق ساعات طويلة بين هوكستين وبوصعب، الى ان توصل الوسيط الاميركي بحسب المعلومات مع قطر وفرنسا لحل وسط نصت عليه الصيغة النهائية ومفاده ان "توتال" هي التي تعوض على "اسرائيل" فتبرم اتفاقا معها من دون ان يؤثر اطلاقا في حصة لبنان، وبالتالي نص الاتفاق على ان "اسرائيل" ستحصل على تعويض من المشغل للبلوك رقم 9 اي شركة "توتال"، على ان لا يكون لبنان مسؤولا عن اي امر يترتب عليه ل "توتال". وبالتالي لا تعديل يحصل على نسبة الارباح التي كان اتفق عليه سابقا والمحددة بنسبة 35 الى 40 في المئة للشركة المشغلة اي "توتال"، مقابل 60 بالمئة للدولة اللبنانية، وبالتالي لا تؤثر في حصة لبنان كاملة تماما كما اتى بنص الاتفاقية.
وبموضوع الشركات المشغلة، كان هناك خلاف على كلمتي عقوبات اميركية او دولية، اذ توضح الاوساط بان ما كان منصوص عليه هو الا تكون اية شركة خاضعة لعقوبات اميركية، فطلب الجانب اللبناني استبدال كلمة "اميركية" ب "دولية" لتصبح العبارة الا تكون الشركات محكومة بعقوبات دولية، ليطلب بعدها الطرف الاميركي من الجانب اللبناني اضافة عبارة "شرط الا تخرب هذه الشركات الوساطة الاميركية القائمة بهذا الاتفاق" وهكذا حصل.
وعليه، يكون لبنان فعلا قد حصّل حقوقه كاملة، كما تؤكد مصادر موثوق بها، بدءا من الخط 23 الى حقل قانا كاملا، وعدم المس بالحدود البرية، وارجاء البحث بخط الطفافات، وابعاد نفسه عن اي تعويض مادي مباشر او غير مباشر لـ "اسرائيل". والسؤال الاهم متى التوقيع والاعلان ؟ وهل ستكون الناقورة هي الشاهدة على الحدث توقيعا واعلانا؟
صحيح ان نص الصيغة النهائية استند في مقدمته على اتفاق الاطار الذي توصل له بري في 9 ايلول 2020 والذي ينص بالمادة 2 بان المفاوضات ستكون بالناقورة وستكون الخطوة النهائية في الناقورة، لكن المعلومات تفيد بان ما يحصل اليوم هو ان رئيس الجمهورية يضغط لان يتم التوقيع في بيروت، فيما بري يصر على ان تكون الناقورة هي نجمة الحدث توقيعا واعلانا، في رغبة ضمنية بعدم اهداء التوقيع لرئيس الجمهورية ميشال عون والنزول عند رغبته بان يتم ذلك في بيروت لا الناقورة ، لاسيما انه يعتبر نفسه راع لاتفاق الاطار الذي ينص على ان يتم ذلك تحت اشراف الامم المتحدة. فهل يكون الحل وسطا بتوقيع في بيروت وتسليم فاعلان في الناقورة؟
تجزم مصادر موثوق بها انه حتى اللحظة ان هذه المسألة لم تحسم بعد، لا سيما ان مستوى تمثيل الموقعين من الطرفين اي الجانب اللبناني و"الاسرائيلي" يجب ان يكون بالمستوى نفسه، اذ لا يمكن لوزير ان يوقع الاتفاق من قبل "اسرائيل"، فيما يوقع موظف عادي الاتفاق من قبل الجانب اللبناني، ومن غير المحسوم بعد ما اذا كان التوقيع سيتم كحل وسط في بيروت على ان يذهب وفد مكلف الى الناقورة لتسليم الرسالة للجانب الاميركي فيتم بعدها الاعلان هناك.
على اي حال فلننتظر كلمة رئيس الجمهورية التي يبدو ان موعدها ينتظر اصدار الموقف "الاسرائيلي" الحاسم والرسمي، ليخرج بعدها الرئيس عون ويعلن عن الموقف اللبناني الموحد الذي ستتصمنه سطور كلمته، لتتوجه الانظار بعدها الى توقيت التوقيع والاعلان ، علما ان اوساطا موثوق بها ترجح ان يُتوَج هذا الحدث التاريخي توقيعا واعلانا كحد اقصى في الاسبوع الاخير من الشهر الحالي !