المصدر: "النهار"
رولان خاطر
على عكس المراحل والعهود السابقة، تألّق نجم جهاز أمن الدولة في عهد الرئيس ميشال عون، فرأيناه يرافق القاضية غادة عون في كلّ مداهمة "تقرّرها". يلاحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من الرابية إلى الحمرا من دون نتيجة. يرافق وزير الاقتصاد "النشط" لتنفيذ مهامه في الأسواق والسوبرماكت. يداهم محطات المحروقات، يقاصص أصحاب المولّدات ويسطّر محاضر ضبط في حقّ الأفران المخالِفة، يلاحق مهرّبي المخدرات ويضبطهم. بمعنى آخر هو جهاز لكلّ شيء ولكلّ الأوقات والظروف.
الجهاز يديره اليوم اللواء طوني صليبا، المحسوب سياسيّاً وحالياً على الرئيس ميشال عون، بعدما كان في الماضي محسوباً على النائب الراحل ميشال المرّ. في لقاءٍ جمع العديد من الصحافيين والإعلاميين في وسائل إعلامية مختلفة، تحت عنوان "التكامل بين الأمن والإعلام"، حَمَل كلامُ المدير العام لأمن الدولة عدّة رسائل، خصوصاً أنّ اللقاء كان تزامن مع الموقف الإسرائيلي الذي رفض التعديلات اللبنانية على المقترح الأميركي للترسيم البحري للحدود. تناول اللواء صليبا الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردّي الذي ينعكس على المدنيين والعسكر. كما تناول موضوع اللاجئين وحادثة وفاة الداعشي السوري تحت التعذيب، الرئاسة والأمن، وصولاً إلى الحرب.
في السياسة، لواء الكلام كان إعلان "اللواء" أن لا شيء اسمه فراغ بعد انتهاء المهلة الدستورية لرئيس الجمهورية ورحيله، إنّما "شغور"، وهو أمرٌ لا يُستساغ لا من رئيس الجمهورية ولا من صهره ولم يقله مستشارُ البلاط. أمّا في موضوع الحرب، فـ"تمريرة" لـ"حزب الله"، تمسّك بثلاثية "الدولة والشعب والمقاومة". هي ثلاثية، مصنّفة ذهبية لدى فريق وخشبية لدى آخر، بمعنى معادلة تفرز اللبنانيين بين فريقين.
رسالة مزدوجة
اعتبر اللواء صليبا خلال الدردشة، أنّ خطوة رئيس الوزراء الاسرائيلي يائير لابيد رَفْض التعديلات اللبنانية على مقترح الترسيم البحري غيرُ مطمْئنة وقد تكون الأمور مفتوحة على الخيارات كافة بما فيها الحرب. وهو يرى أنّ الأميركي لا يريد الحرب. لكنّه شدد على أنّه في أيّ حرب، اسرائيل ستكون في موقع الردّ، لأنّ الحرب "رح نبلّش فيا نحنا"، فلن نسمح بالتنقيب من جهة واحدة أي فقط لإسرائيل تحت أيّ ظرف، وهذا قرار استراتيجي متّخذ. نرفض أن نكون في موقع المتفرّج، وسنقول لهم ممنوع التنقيب".
ورداً على سؤال لـ"النهار"، "مين نحنا رح نبلّش بالحرب"، قال: "نحنا يعني الدولة اللبنانية مع شعبِها ومقاومتِها".
ورداً على سؤال آخر، من سيَتّخذ قرار الحرب، اذا كانت الحكومة في وضع تصريف أعمال ولا تستطيع كما تقول اتّخاذ هكذا قرار، هل "حزب الله" يتّخذ القرار؟ يجيب صليبا: "نحنا، الأجهزة العسكرية"...
الرئاسة والشغور
يعبّر عن خوفه من انقضاء المهلة الدستورية لرئيس الجمهورية من دون تشكيل حكومة أصيلة، والدخول في الشغور، فلا شيء اسمه فراغ، هناك "شغور"، يؤكد اللواء صليبا، والمؤسف أن يتمّ ملؤه بسلطة سياسية غير كاملة المواصفات، أيّ اذا كانت الحكومة حكومة تصريف أعمال. ويحاول أن يعكس نفحة اطمئنان، بأنّه ولو كان هناك شغور سياسي، فلن ينعكس شغوراً أمنياً، لكن، "هذا يتطلّب تعاوناً وتكاتفاً منّا جميعاً كأمنيين وإعلاميين ونخبة لتمرير هذه المرحلة الخطرة".
وقال: "سأقترح على زملائي في المؤسسات الأمنية اذا وصلنا إلى موعد الاستحقاق الرئاسي ولم يتمّ انتخابُ رئيسٍ جديد للجمهورية والحكومة غير كاملة المواصفات، أن تكون هناك خطة أمنية، لضبط أيّ تفلّت يمكن أن يعكسه غياب السلطة السياسية، ومرجعية هذه الخطة قائد الجيش. أمّا في حال تمّ تشكيل حكومة جديدة، فهي باستطاعتها، وواجبها، أن تدعو المجلس الأعلى للدفاع وتطرح عليه خطتها، ونكون كأجهزة أمنية ملزمين بتنفيذها. والحكومة لها الحقّ في أن تدعو المجلس الأعلى للدفاع إلى الانعقاد بغياب رئيس الجمهورية لأنّها تكون حكومة كاملة المواصفات ومجتمعة، وتضمّ وزيري الداخلية والدفاع. لكنّ المشكلة في تصريف الأعمال".
وعمّا اذا كانت الخطة الأمنية تعني إعلان حالة الطوارئ، أجاب صليبا "النهار": "ليس نحن من نعلن حالة الطوارئ لكن فعلياً يمكن أن ننفّذها بعد عقد اجتماع أمني والاتفاق على ذلك. لأنّ اعلان حالة الطوارئ يتطلّب وجود مجلس وزراء وحكومة كاملة المواصفات. حتى من جهة المجلس الأعلى للدفاع هو يقترح إعلان حالة الطوارئ على الحكومة، والأخيرة تقرّر".
الأمن الاجتماعي
لا يخفي اللواء صليبا وجودَ خوف من الفوضى، في إشارةٍ إلى اقتحامات المصارف المتكرّرة وتداعياتها، خصوصاً أن العدوى يمكن أن تصيب غير قطاعات ومؤسسات. وفي السياق، استذكر أحد الصحافيين الكبار، الذي كان حاضراً، مرحلة انقلاب الأحدب في الـ76، والفلتان الذي حصل نتيجة دخول المواطنين إلى الثكنات العسكرية، وفقدان المرجعية السياسية والأمنية آنذاك، وصولاً إلى الفوضى، وتَخوّفَ من تكرار المشهد اليوم، بمعنى الوصول إلى الفراغ الأمني الذي سيكون أكثر أذية من الفراغ الرئاسي أو الحكومي.
وعلى رغم تقديره لخطورة ما يُطرح، حاول اللواء صليبا أن يعكس حالةً من الارتياح بأنّ الأجهزة العسكرية والأمنية لن تسمح بالتفلّت وترك الأمور تنزلق إلى الفوضى الشاملة وسقوط الدولة. وقال: "كنا نتوقع أن تكون الأمور أسوأ. مع العلم أنها قد تزيد سوءاً، لأنّ القصة ليست فقط بين مودع وبنك، بل تتمثل بضغط اقتصادي لا يوفر أحداً بمن فيهم العسكر. فالمؤسسات العسكرية اليوم تعاني من شحّ في المازوت والمحروقات والآليات ومن شحّ في الموازنة. "العسكر اليوم باقي مِن عقيدتو"، يشدّد صليبا، وليس أيّ دافع آخر يبقيه في مؤسسته العسكرية، ونحن نعمل بكلّ جهد لرفع معنوياته".
وفي السياق، اعتبر صليبا أنّ هناك حاجة يعاني منها القضاة أيضاً وموظفي الفئة الأولى والضباط. وأضاف: "على سبيل المثال، سَمَحت الأجهزةُ الأمنية والعسكرية لعناصرها بعملٍ إضافي موازٍ لعملهم في المؤسسة العسكرية، وهذا القرار خفّف نسبياً من حجم الضغط على الأجهزة، لكنّ العقبة تكمن في أيّ عمل يمكن إيجاده للضباط أو القضاة وغيرهم"؟
لا خطط للوزارات
في الأمن الاجتماعي والغذائي، يشدّد صليبا على أنّ "عمل السلطة يجب أن يكون متكاملاً، وليس وحدها مديرية أمن الدولة مسؤولة عن متابعة موضوع المحروقات والسوبرماركت والصيدليات والافران والمولدات وغيره. الجيش لديه مهمات أخرى، هو موجود على الحدود وفي نقاط حساسة في الداخل وجاهز لمؤازرة القوى الأمنية بكلّ مهمّاتها. قوى الامن الداخلي من جهتها لديها أزمة كبيرة في العديد والعتاد، ونحن كذلك، لكن ما يميّزنا أننا أكثر ليونة، لذلك خلال اجتماع مجلس الأعلى للدفاع طلبت الوزارات المختصة مؤازرة من مديرية أمن الدولة في مهامها. نعم، من واجب الوزارات أن تضع الخطط لننفذها إلاّ أنّ هذا لا يحصل، لكن هذا لا يمنعنا من القيام بواجبنا وأن نكون إلى جانب الناس وخدمة الناس".
معنويات الأجهزة
غياب الخطط السياسية، لا يعني أنّ الأجهزة الأمنية والعسكرية يافعة، فأوّلًا، هي تملك من الخبرة والقدرة للمحافظة على أمن البلد واستقراره، وثانياً، تملك ثقة اللبنانيين، وتوقهم إلى قيام هذه المؤسسات العسكرية والأمنية، وحدها، بمهمة الحفاظ على الأمن بدءاً من ساحة الشهداء في بيروت إلى كلّ شبر من مناطق لبنان الحدودية، يبقى الأهم ايمان المسؤولين بقدرة جيشنا وقوانا على المواجهة.
والحديث عن عمليات فرار كبيرة تحصل، يدخل في صلب المعنويات قليلًا لكن لا ولن يؤثر على الواجب الأمني، كما قال سابقاً مصدر قيادي في الجيش لـ"النهار". وفي الإطار، يتماهى موقف جهاز أمن الدولة مع ما يؤكده الجيش، وقد تقدّم اللواء صليبا للسلطة السياسية باقتراح استدعاء عدد معيّن من الاحتياط إلى الجهاز وتمّت الموافقة على 200 شخص فقط لتغطية نسبة فرار لا تتجاوز الـ7 في المئة، وهؤلاء يستفيدون من الامتيازات المقدّمة للجهاز في ما خصّ التغطية الطبابية والمدرسية إلى تقاضيهم راتبهم كاملًا.
قضية النازحين
في أكبر مشكلة تواجه لبنان، يشدّد اللواء صليبا على "أهمية الوصول إلى حلول لملفّ النازحين السوريين، ولو عَبْر فتح قنوات سياسية مباشرة مع الدولة السورية، فما الذي يمنع ذلك؟ التنسيق الأمني لم يتوقف، وأنا زرت سوريا في إطار التنسيق الأمني، وكانت لي زيارة أمنية مؤخراً التقيت فيها 6 مسؤولين أمنيين سوريين من أعلى المستويات، وبالتالي التنسيق الأمني موجود ومتواصل على كلّ المستويات، لكن لا تنسيق سياسياً، فالسياسيون لديهم أجندات سياسية واعتبارات وضغوطات خارجية تمنعهم من إقامة تواصل مباشر مع سوريا، لكن هذه الاعتبارات لا تؤثر علينا كأمنيين، فنحن لدينا مصلحة البلد في الدرجة الأولى".
ويشير إلى أنّ "الجانب السوري لديه علامات استفهام، إذ كيف نريد حلّ هذه القضية والتواصل معه مفقود. وإذ أيّد مبدأ التواصل مع السوريين لحلّ أزمة النازحين، اعتبر صليبا أنّ "العبء الاقتصادي كبير. اقتصاد لبنان يحمل عبء شعبين إضافة الى عبء اللاجئ الفلسطيني. لذلك يجب أن نتكاتف للوصول الى مرحلة الحلّ، والمطلوب قرار سياسي".
وفيما تمّ خلال اللقاء عرضُ مشكلة بطالة اليد العاملة التي يساهم بها النازحون السوريون، والتي لم تعد تقتصر على مهن محدّدة، لفت المدير العام لأمن الدولة إلى أنّ "البيئات التي استوعبت النازحين السوريين في المرحلة الأولى هي أوّل وأكثر من تعاني اليوم وتعترض وتواجه مشاكل معهم. فيما المجتمع الدولي لا يعرف ما نعانيه جراء وجود النازحين في مجتمعنا".
وتخوّف من أن يكون للمجتمع الدولي غاية لاستخدام هذا الوجود إمّا في الداخل اللبناني أو في الداخل السوري مستقبلًا، لممارسة ضغط معيّن، اذ إنّه من غير المفهوم منح المنظمات الدولية اللاجئ السوري نحو 400 دولار في لبنان في بطاقات مصرفية وتمتنع عن إعطائه نفس المبلغ وهو موجود في سوريا.
وروى أنّ أحد اللاجئين كان يجمع نحو 500 بطاقة مصرفية لأفراد وعائلات ليست موجودة على الأرض اللبنانية بل مقيمة في سوريا فيقوم بسحب الأموال لصالحهم. وهنا السؤال للمنظمات الدولية: "كيف يمنحون هؤلاء كلّ هذا المال فيما لا يتأكّدون من صفاتهم أكانوا نازحين في لبنان أو مقيمين في سوريا"؟.
موت أو قتل
اللواء صليبا حكى قصّة "أمن الدولة" عمّا حصل في قضية الشاب السوري الذي "توفّي ولم يُقتل على يد عناصر من جهاز أمن الدولة، وهو كان أميراً داعشيّاً يبعد سكنه عن البغدادي 50 مترًا. وهناك وثائق موجودة وسننشرها". ولم يخفِ اللواء صليبا وجود خلايا داعشية وإرهابية عبارة عن "ذئاب منفردة" قد تتحرّك على الأرض اللبنانية.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا