تكرار المشهديّة
تكرار المشهديّة

خاص - Sunday, October 9, 2022 7:06:00 AM

النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس

 

عندما التأمت طاولة الحِوار العام 2015، مازحني الزميل الكريم زغلول عطية، العضو في المجلس الدستوري سابقاً، وسألني: أهو حِوارٌ أم خُوار؟ وأردف ضاحكاً: بأن أحد حراس الليل ضبط رجلاً وامرأة يتناجيان على شاطىء البحر، فسأل: أهي حليلة (أي زوجة) أم خليلة؟ فأجاب الرجل لا تجعلنَّ من نقطة زائدة على حرف الحاء سببباً للخلاف بيني وبينك! وصدف أنني كنت مشاركاً في تلك الطاولة بمعيّة رئيس الحكومة الاستاذ تمام سلام، فلمّا طال الكلام، وتوالت الأيام، ومللت من التدوين وعصاني القلم، انصرفت إلى تأليف قصيدة أسمتيها (الحاء واختها الخاء) قلت فيها:

كأنَّ الحاءَ نَقَّطَــــــــــــــــــها خُوارٌ

فـصار حِــــوارُنا.. لـــغْواً وبـَـــهْتا

وأذكر أنني وجهتها إلى الرئيس بري الذي دعا لعقد الطاولة فكانت بدايتها:

رَئِسْتهَمُ وهُمْ مِنْ كُـــــــــــلِّ صِنْفٍ

قُلوبُهمُ عـــلى الأَهْــــواءِ شــــتَّى

رُتوتٌ (والرتَّ زعيم القوم وجمعه رتوت)

رُتــــــــــــوتٌ في البلادِ ذوو مَـــــــــقامٍ

يُباري الــــــــــــَّرتُّ بينـــــــــــــــــــــــهمُ الأَرَتـَّــــــا

تحاوروا طويلاً حتى خارت حناجرهم فسقطت النقطة على حاء الحوار فصار خواراً يسك الأسماع ولا تدركه الألباب.

كانت الأوداج تنتفخ والعيون تجحظ، والحناجر تضج، وذلك كلّه تحت سقف واحد هو أن أحداً لم يأت إلى التفاهم، بل لملء وقت ضائع صار عاراً على الحياة السياسية، بسبب تمادي خلوّ كرسي الرئاسة من صاحبها.

قبل الحرب اللعينة كان موعد جلسة انتخاب الرئيس صارماً ومنتجاً، فلا تنفضُّ الجلسة إلا بظهور اسم الرئيس الجديد، أما في نهاية ولاية الرئيس أمين الجمّل، فالجسلة تعطّلت من قبل القوى التي كان يجب عليها أن تحميها وتسهّل مرور النواب إليها... وتكرّر الأمر بعد انتهاء ولاية الرئيس لحود، واستشرس بعد الرئيس سليمان إلى ان استطاع من عطّل جلسة العام 1988 أن يصل إلى مراده في العام 2016، وها نحن الآن دولةً، ومواطنين معرضون لتكرار المشهديّة إلى أن تتشكّل حكومة تدار من وَليِّ الرئاسة إلى أن يتولى الرئاسة.

لقد أعادتني جلسة الانتخاب الأخيرة إلى التصحيف، أي لفظ الكلمة أو كتابتها على غير نحوها الصحيح، وذلك بتنقيط بعض الأحرف أو إزالة بعض النقاط، مثال ذلك أن يلفظ استحقاق الرئاسة استخفافاً بالرئاسة، لأن وليّها يرغب فيها بأي ثمن، حليلة أم خليلة أو ذليلة، فمن بعده الطوفان ومن قبله جهنم.

أطرف الأمور أن تبتكر قانوناً يستبعد المرشحين كلّهم، وتترك فيه خانة واحدة لشخصك الكريم، فإن يتعذر وصولك، بعد تعذّر وصول سواك تلجأ إلى ما فعلته حليمة بعودتها إلى عادتها القديمة، فتلعب بالنصاب وتجعله فخاً منصوباً، او نَصْباً يعاقب عليه قانون العقوبات، أو انتصاباً كاذباً لجسد مقعد، فإذا تأكدت بعد كل هذا أن ليس لك من الاستحقاق نصيب فلتذهب الدولة إلى قعر القعر كرمى لعيني رجل الشهر والدهر، ولو لم يتبقّ منها إلا نُصُبٌ شاحب محسوب على نَسَبٍ ذَاهبْ.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني