أنطوان الأسمر
سكب المنسّق الرئاسي الخاص للشراكة من أجل البنى التحتية والاستثمار العالمي آموس هوكستين في الساعات الأخيرة الكثير من الماء في كأس النبيذ الإسرائيلي، وفي ذهنه أن الأولوية لوأد أي تصعيد غير محسوب يتعدى الكلام الحاد والتحدّي السياسي، في موازاة مواصلته العمل التفاوضي من أجل إعادة الإتفاق الى مساره المأمول.
وليس خافيا أن تصعيد حكومة تل أبيب في ملف الترسيم الحدودي البحري جاء من خارج السياق العام، وفاجأ حتى هوكستين نفسه، الذي سبق أن أعلم المسؤولين أن الملاحظات اللبنانية مقبولة ولا تشكّل أي تحدّ للإتفاق المزمع بين لبنان وإسرائيل.
ويعكف هوكستين، بعدما سلّم لبنان الملاحظات الإسرائيلية التي وضعها الكابينيت الإسرائيلي مساء الخميس على مقترحه لحل النزاع، على إيجاد مخرج يوفّق بين الملاحظات اللبنانية، وخصوصا في مسألتي خط الطوافات والشكل الذي سيأتي عليه التوقيع النهائي، وبين حاجة رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد إلى إنتصار ما لردء الهجوم الذي يشنّه عليه خصمه بنيامين نتنياهو، وإستطرادا للفوز في الإنتخابات التشريعية المبكرة في تشرين الثاني المقبل.
حتى الساعة، لم يسلّم هوكستين بترحيل الإتفاق الى ما بعد تشرين الثاني المقبل، لإداركه بالتعقيدات التي ستنتج عن الإرجاء، ليس أقلها ما سيكون عليه الموقف اللبناني آنذاك بعد خروج رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من الحكم. والأرجح أن حزب الله سيكون له كلام آخر، وهو بالتأكيد لن يكون في موقع خلفي كما إبان تولّي عون التفاوض، لمجموعة من العوامل، بدءا من الثقة المتبادلة بينهما، وليس إنتهاء بالمتغيّرات المحلية والإقليمية التي قد يحملها الشهران المقبلان، والتي قد تؤثّر في مجمل المسار التسووي مع إسرائيل.
ويُنتظر في هذا السياق ما سيقوله الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في ملف الترسيم في ضوء التذبذب الإسرائيلي والتهديد العسكري الذي صاحب التصعيد السياسي.
وتبلّغ هوكستين من مسؤولين في بيروت أن تكرار موقف لبنان بأنه ليس معنيا بسياق الإنتخابات الإسرائيلية، ولا بترجيح كفة لابيد على نتنياهو، بل ما تعنيه حكما الضمانة الأميركية التي وفّرتها إدارة الرئيس جو بايدن، وهي التي كانت في أساس الموافقة اللبنانية على الخط 23 زائدا الجزء الناتئ من حقل قانا. بمعنى آخر، إن أي تراجع أو تعثّر في توفير تلك الضمانة يعلّق الموافقة اللبنانية، وقد يدفع تدريجا الى موقف متصلّب أين منه الخط 29. كما سيُطلق سلسلة من الأحداث غير المتوقّعة إنطلاقا من معادلة لا غاز للبنان، لا غاز لإسرائيل، خصوصا في حال قررت حكومة تل أبيب الإستمرار في خططها بدء إستخراج الغاز من حقل كاريش بصرف النظر عن الإتفاق الحدودي البحري.
الخيبة من مجمل التطورات السلبية لم تقتصر على واشنطن وهوكستين شخصيا بإعتبار ملف التفاوض شكّل تحديا شخصيا له ولمسيرته المهنية في الإدارة الأميركية، وهو على وشك تحقيق إنجاز استراتيجي على مستوى الأمن الطاقوي العالمي في غضون سنة ونيّف من استلامه الملف، وهو ما فشل أسلافه في تحقيقه على مدى 12 عاما. إذ إن باريس نفسها قلقة من التعثّر المستجدّ، لا سيما أن الإدارة الرئاسية أدت دورا فاعلا ومركزيا عبر شركة توتال إنيرجيز من أجل تسهيل التوصل إلى اتفاق عبر ضمان أن يأتي التعويض المادي التي تريده إسرائيل مقابل تخلّيها عن الناتئ من حقل قانا من أرباح الشركة الفرنسية.
في المعطيات المتوافرة أن باريس تخشى حقيقة من احتمال فشل الإتفاق. وهي تعتبر أن إرجاء النظر في الإتفاق الى تشرين الثاني قد يعني إفشاله، بالنظر إلى إدراكها الخصوصيات اللبنانية التي أتاحت لرئيس الجمهورية تصدّر التفاوض وعدم الإلتفات الى المزايدات التي حصلت، تلك الخصوصيات التي قد لا تكون على حالها بعد انتهاء الولاية الرئاسية.
وسجل في الساعات الأخيرة تواصل بين هوكستين ومسؤولين فرنسيين، في موازاة استمرار إنكباب المفاوض الأميركي على التواصل مع مسؤولين لبنانيين واسرائيليين.
ولمست باريس أن هوكستين لن يعدم جهدا من أجل إعادة تحصين ما تحقق في التفاوض غير المباشر، رغم ذلك لا تزال على تخوّفها من إحتمالات قذف الإتفاق الى مرحلة لاحقة، من دون وجود ضمانات ثابتة بأن ترحيله لا يعني فشل في ملف استراتيجي كالغاز، تعتبره جزءا لا يتجزّا من إستعادة حضور مؤثر لها على المتوسط.