عماد مرمل - الجمهورية
من المؤكد انّ ترسيم الحدود البحرية، إيذاناً ببدء مسار الانتساب الى نادي الدول النفطية، سيترك آثاراً فورية وأخرى مستقبلية على جوانب عدة من الوضع اللبناني الذي سيكون أمام تحدي «هضم» المتغيّرات بسلاسة.
اذا اكتملت ولادة الاتفاق على الترسيم ولم تؤخره المزايدات الإسرائيلية المتبادلة على وقع اقتراب موعد انتخابات الكنيست، فإنّ مفاعيل هذا الاتفاق لن تقتصر على الحدود البحرية، بل انّ قوة الدفع التلقائية المُتأتية منه، وبلا ربط متعمّد، ستساهم على الأرجح في إعادة ترسيم حدود الادوار والأحجام السياسية داخل لبنان.
ولعله لا مبالغة في الافتراض بأنّ ما بعد الترسيم لن يكون كما قبله، وان البلد مقبل على مرحلة جديدة تتطلب محاكاة مختلفة لها.
وطلائع الانعكاسات ستلفح الاستحقاق الرئاسي الذي يشكّل واحداً من الملفات التي ستتأثر بديناميات التسوية البحرية وبموازين القوى التي أفضَت اليها.
والانطباع الأول الذي يمكن أن يتكوّن لدى المتابعين هو ان اتفاق الترسيم، في حال إبرامه نهائياً، سيعزز موقع «حزب الله» في مفاوضات الاستحقاق الرئاسي ثم في اي تسوية لاحقة على الاسم المفترض، خصوصاً ان هذا الترسيم، متى اكتمل، سيُثبت انّ خيار الرئيس ميشال عون والسيد حسن نصرالله بالتكامل بين الدبلوماسية والقوة قد أثبت جدواه وسمح للبنان بتحصيل الانتصار ثم الاستقرار، فالاستثمار والازدهار لاحقاً.
صحيح انّ الحزب ومهما بلغت قوته وانتصاراته لا يستطيع أن يفرض الرئيس المفضّل لديه الّا بالتوافق والتراضي، ولكن الأصحّ أيضا انه من المستحيل مرور مرشح لا يحظى باقتناعه، فكيف بمحاولة فرض مرشح عليه كما يتهيّأ للبعض.
وهكذا، فإنّ كل كلام حول انتخاب رئيس تحد للحزب او حتى متعارض معه يصبح نوعاً من العبث السياسي الذي لا يستقيم اساساً مع التوازنات الداخلية التي باتت أشد وضوحاً بعد رَفدها بجرعة الترسيم الدسمة.
لقد صار من المُسلّم به لدى اوساط اسرائيلية عدة وحتى لدى بعض خصوم الحزب في الداخل، قبل حلفائه وأصدقائه، بأنه لولا تلويح السيد حسن نصرالله بالحرب ولولا رسائل المسيّرات فوق كاريش، لم تكن الدولة اللبنانية لتتمكن من تحصيل ما طالبت به. وبالتالي، فإنّ الحزب يشعر انه سيكون معنياً بالبناء على هذا الإنجاز الاستراتيجي وحمايته، الأمر الذي يستدعي تكييف مواصفات الرئيس المقبل مع هذا العامل المستجد الذي لم يعد بالإمكان تجاهله في معرض مقاربة هوية المرشح الأنسب للرئاسة.
وبشكل أوضح، هناك من يلفت الى انه لن يكون مقبولاً من جانب الحزب والتيار الوطني الحر أن يأتي رئيس من خارج سياق الانجاز المتحقّق ودلالاته وتوازناته، ولن يكون مسموحاً انتخاب من لا يعترف بالمكتسبات المنجزة وبطريقة انتزاعها.
بناء عليه، يصير من باب تحصيل الحاصل الجزم بأنّ اي أسماء مشتقّة من نسيج ما عُرف بفريق 14 آذار لا مكان لها في إعراب حارة حريك، واستطرادا يصبح ترشيح النائب ميشال معوض للاستهلاك فقط، لا سيما انّ المسافة التي تفصله اليوم عن قصر بعبدا باتت تبدو أطول مما كانت عليه بعد جلسة الانتخاب الأولى في المجلس.
ان الوقائع «البرمائية» الجديدة الآخذة في التشكل تُبيّن ان الغاز أصبح ناخبا مُستترا او الصوت الـ 129 في الانتخابات الرئاسية، وما ينقصه ليس فقط تأمين الجهوزية اللوجستية وإنما ايضا وجود سلطة موثوقة للإشراف على مرحلة التنقيب عنه واستخراجه واستثماره وحماية مردوده. وبالتالي، فالرئيس المقبل يجب أن يشكل ترجمة لبدايات التحول في نمط التعاطي الداخلي.
ولعل الخارج أصبح على قناعة اكثر من بعض الداخل بأنه لم يعد ممكنا الاستمرار في اجترار السلوك نفسه.
وضمن هذا السياق تشير اوساط مطلعة الى انّ هناك طرحا قيد الدرس في الأروقة الدبلوماسية ويقضي بتنظيم مؤتمر حوار بين الاقطاب، قد يعقد في باريس كونها الاقدر على محاورة الجميع ومن ضمنهم «حزب الله»، بينما الأميركيون والسعوديون لا يستطيعون ذلك، على أن تتركز مهمة المؤتمر المفترض على تطوير بعض آليات النظام السياسي.
وتتوقع تلك الاوساط ان يتطور دور قطر تباعاً في الملف اللبناني وصولاً الى تحقيق نوع من التوازن المُضمر مع السعودية العائدة بمقادير تصاعدية الى الساحة اللبنانية.