الأخبار
تسارعت الخطوات السياسية والعملانية في ما يتعلق بمشروع الاتفاق على ترسيم الحد البحري بين لبنان وكيان الاحتلال. وفيما تشهد إسرائيل عاصفة سياسية، فإن النقاش في الجانب اللبناني تركز على ملاحظات تهدف إلى تعديلات في لغة ومضمون بعض النقاط الرئيسية في المسودة التي أرسلها الوسيط عاموس هوكشتين.
وعلم أن الملاحظات التي قدمت من أكثر من طرف معني رسمي وسياسي جُمعت تمهيداً لصياغتها في ورقة واحدة يجري تثبيتها بين الرؤساء الثلاثة قبل إرسالها رسمياً غداً إلى الوسيط الأميركي، علماً أن اتصالات أجريت معه في الساعات الماضية لاستيضاح بعض النقاط ومحاولة الوصول إلى تفاهمات قبل إرسال الرد.
عملياً، بعد درس المسودة من كل الجهات المعنية، تبين أن الملاحظات التي أعدها لبنان تركّز على الآتي:
أولاً، لا يقبل لبنان أن تكون هناك منطقة آمنة تحت سيطرة إسرائيل، ويرفض أن يتخلى عن أي مساحة لتكرّس منطقة أمنية للعدو، وخط الطفافات ليس معترفاً به وسيبقى الأمر على حاله.
ثانياً، يرفض لبنان إدراج فكرة ترسيم الحدود البرية ولن يفاوض على حدوده بل سيعمل مع الأمم المتحدة لتحديد معالم حدوده الدولية، وهذا الأمر يسري على البحر.
ثالثاً، رفض أي محاولة لربط عمل شركة «توتال» بالاتفاق بينها وبين العدو، ويريد لبنان أن يكون عمل الشركة متصلاً بحاجاته وأن تلتزم الشركة المباشرة بأعمال التنقيب والحفر بمعزل عن أي نقاش بينها وبين إسرائيل. وما يهم لبنان هو إعلان من جانب «توتال» ببدء العمل بالتزامن مع رغبة العدو في بدء الاستخراج من حقل «كاريش».
رابعاً، لن يوافق لبنان على احتفال رسمي في الناقورة، كما يرغب الإسرائيليون أو حتى الأميركيون. ويفترض في حال التوصل إلى اتفاق على النصوص، أن يوقع لبنان رسالة ينقلها رئيس الوفد التقني إلى الناقورة لتسليمها إلى ممثل الأمم المتحدة في حضور الوسيط الأميركي، ويفعل ذلك بصورة منفردة وفي غرفة منفصلة عن الغرفة التي يتواجد فيها الوفد الإسرائيلي الذي يقوم بالأمر نفسه. وعندها تعلن الولايات المتحدة إنجاز الاتفاق، ويبدأ سريانه مباشرة.
ملاحظات تقنية
في الجانب التقني، تبين أن الإحداثيات التي أرسلها العدو الإسرائيلي إلى لبنان للخط المقترح كإطار نهائي لحل النزاع البحري، أظهرت اختلافاً واضحاً عن تلك التي قدمت خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت مطلع الشهر الماضي، وهو ما نصّ تقنياً على ضرورة انطلاق الخط الجديد من النقطة 31 في البحر، وهي نقطة انطلاق الخط 1 الإسرائيلي (المعروف بخط الطفافات). وقد فسر الطلب يومها على أنه يستبطن رغبة إسرائيلية في إلغاء تأثير نقطة رأس الناقورة ونقل النقطة B-1 إلى الشمال، ما يخدم العدو في اعتماد خطه منطلقاً للترسيم ويوفر له مساحات أمنية.
وعلم أن الوسيط الأميركي كان قد هدد لبنان عملياً بأنه في حال رفض المنطقة الآمنة فإن إسرائيل لن توقع الاتفاق. لكن لبنان رفض التهديد. وتم إبلاغ الأميركيين في مفاوضات نيويورك بعدم القبول، تحت أي ظرف، بالمنطقة الآمنة حتى ولو طار الاتفاق. على الأثر أدخل الوسيط الأميركي تحديثات على مقترحه وصفت بـ«الجوهرية». وكانت التعديلات واضحة في النسخة التي تسلمها لبنان السبت الماضي عبر السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا. وتبين أن الخط الجديد بدا مختلفاً، حيث تم نقل موقع انطلاقه من النقطة 31 التي تبعد عن الشاطئ مسافة بين 6 إلى 7 أمتار، إلى نقطة أخرى تقع عند آخر طفافة في البحر (يعتقد أنها الطفافة الرقم 6) ما يعني انطلاق الخط الجديد من منطقة تبعد عن الشاطئ حوالي 7 كلم.
مصادر مطلعة وصفت الاقتراح الجديد بأنه «يُجهز على المنطقة الآمنة مبدئياً»، لكنها أكدت أنه جعل من المنطقة التي تسبق نقطة الانطلاق «منطقة خالية» غير واضحة المعالم ولا تشمل خطوطاً. وعلمت «الأخبار» أن الاتفاق على وضعية هذه المنطقة أحيل إلى مرحلة لاحقة، على أن يتم وضعها حالياً في عهدة قوات اليونيفيل.
ثمة قضية لا تقل أهمية، تتصل بوضعية «خط الطفافات» بصورته الحالية كخط إسرائيلي يحمل الرقم «1» ومودع لدى الأمم المتحدة. وطالبت المصادر أن يتضمن الاتفاق آلية تُجبر العدو على سحبه من المؤسسة الدولية، أو بالحد الأدنى لحظ الاتفاق الجديد مادة تطلب «إنهاء مفاعيل الخطوط السابقة» كي لا يعود أي طرف للحديث عن خطوط مختلفة مستقبلاً.
في وضعية «حقل قانا» المحتمل، علمت «الأخبار» أنه أخضع لنقاش مستفيض، حيث عمل الفريق التقني والاستشاري على مجموعة صيغ لإلغاء أي التباس حول وضعيته القانونية. ومن الأفكار التي تم التداول بها، أن يقرّ العدو الإسرائيلي بأن مخزون الحقل يعود بكامله إلى لبنان، سواء في الجزء الشمالي أو الجنوبي الممتد أسفل جنوب الخط 23. وبدا أن هم أعضاء اللجنة التقنية، كان في عدم ترك أي مجال للعدو من أجل ممارسة أي عرقلة مستقبلية سواء على صعيد عمليات الحفر أو التطوير أو الإنتاج.
أما إحدى أهم الأفكار التي طرحت، فاتصلت بموضوع التعويض الذي يطلبه العدو عن الجزء الجنوبي الواقع لديه. واتفق على أن تتولى «توتال» التعويض له من أرباحها وليس من أرباح أو عوائد الكميات التي سيبيعها لبنان مستقبلاً.
يشار إلى أن المدير العام لوزارة الطاقة الإسرائيلية، توجه أمس إلى باريس لإجراء مباحثات مع «توتال» بشأن تقاسم أرباح محتملة من تنقيب الشركة في «حقل قانا». وفي إطار تسويق العدو للاتفاق، قال رئيس وزراء العدو يائير لابيد، إنه استطاع من وراء الاتفاق تأمين مستوى حماية 100% لإسرائيل في احتياجاتها الأمنية، كما أنه توصل لنيل جزء من الأرباح من الحقل اللبناني، من دون أن يلمح إلى تعويض.
في تل أبيب استمر السجال حول الاتفاق، ويشهد الكيان «عاصفة في المستوى السياسي» على حدّ تعبير «القناة 12» العبرية. وأعلن رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو أمس رفضه الاتفاق واعتبره غير قانوني، وقال إن إسرائيل ستواجه بعد الانتخابات تهديدات حزب الله ولن تذعن لها كما فعل لابيد. وتابع: «خلال ثلاثة أشهر فقط، بعد تهديد واحد من نصرالله، لابيد استسلم بشكل مخز. قاتلنا لابيد من أجل استخراج الغاز من المياه لصالح مواطني إسرائيل. هو أخذ غاز مواطني إسرائيل وأعطاه لنصرالله وحزب الله. سفير الولايات المتحدة السابق فريدمان قال إن إسرائيل حصلت على صفر ولبنان حصل على 100 في المئة. لابيد وزع الكعكة وبالكاد أبقى لنا بعض الفتات. ماذا سيفعل نصرالله بهذه المليارات؟ سيستخدم هذا المال للصواريخ التي سيوجهها نحو مدن إسرائيل. إذا كان لابيد يتصرف هكذا مقابل حزب الله، فالمخيف كيف يتصرف مقابل إيران. هذا الاتفاق غير قانوني لأن تسليم أراض سيادية لإسرائيل يتطلب إما غالبية 80 عضو كنيست أو استفتاء عاماً. لا يوجد هذا ولا ذاك».
ورغم أن «صراخ» نتنياهو، بحسب غالبية المراقبين، لا يتجاوز الدواعي الانتخابية، في ظلّ تجاذب وانقسام سياسي غير مسبوق في الكيان، إلا أن عدداً من المسؤولين السياسيين السابقين والحاليين، وجدوا أنفسهم إلى جانب نتنياهو الذي نجح في «إرهاب» خصومه في الحكومة، ودفعهم إلى صياغة التبريرات، الآن، وربما أكثر من ذلك في الأيام المقبلة.
وفي هذا السياق، خرجت وزيرة الداخلية في الحكومة، إيليت شاكيد، التي مالت أخيراً إلى معسكر نتنياهو، لتطالب بعرض الاتفاق البحري على «الكنيست»، وقالت إن «من حقّ الجمهور في إسرائيل معرفة تفاصيل الاتفاق (...) لن يتمّ اختطاف أي شيء هنا، ويجب أن يكون كل شيء بشفافية كاملة». في حين قالت المستشارة القضائية للحكومة، إنها «لم تبدِ رأياً بعد في اتفاق الحدود البحرية مع لبنان»، وفي وقت لاحق أمس، نقلت صحيفة «معاريف» أن «المحكمة العليا في إسرائيل ستنظر في اتفاق الغاز مع لبنان يوم 27 تشرين الأول الجاري». وفي الإطار نفسه، تقدّم رئيس طاقم المفاوضات غير المباشرة مع لبنان لترسيم الحدود البحرية أودي أديري، باستقالته من منصبه، بسبب «حقيقة أنّ من يدير الاتصالات عملياً كان رئيس مجلس الأمن القومي أيال حولاتا»، وليس هو، ما يؤكّد الطابع الأمني الذي خيّم على مسار المفاوضات، متقدماً على الجانبين التقني والاقتصادي، بسبب التهديدات الأمنية الكبرى التي هدّدت بخلقها المقاومة في حال حرمان لبنان من حقوقه. ويبدو أن أديري لا يريد تحمّل مسؤولية «اتفاقية» ليس هو من قرّرها، ولم يكن محيطاً بكامل جوانبها، كما أنه ليس مستعداً للدفاع عنها أمام الجمهور الإسرائيلي، ولا أمام المعارضين لها الذين سخّروا جهودهم في اليومين الماضيين لتحميل المسؤوليات عن الاتفاقية التي تشكّل «سابقة خطيرة»، بسبب «تخلّي إسرائيل الكامل عن جميع الأراضي المتنازع عليها»، وخطورة ذلك على «الخلافات المفتوحة»، مثل «حقل أفروديت الواقع في منطقة متنازع عليها بين إسرائيل وقبرص، وحقل غاز آخر هو غزة مارين قبالة ساحل عسقلان»، بحسب ما نقلته وسائل الإعلام العبرية عن مصدر سياسي مطّلع على المفاوضات. وأضاف المصدر أن «الموافقة الإسرائيلية على منح الجانب الآخر كامل الأراضي المتنازع عليها، تشكّل رسالة سيّئة للغاية للجيران الآخرين، وسيأتون ويطالبون الآن بتنازل كامل من إسرائيل كما فعلت مع لبنان (...) ومن الممكن أن تتحرّك حماس في غزّة للحصول على الغاز الموجود في شاطئ بحر غزة».