ندى عبدالرازق - الديار
ضمير مافيا قطع الأشجار مؤجل او معلّق لأجل غير مسمّى بما أنّ هؤلاء يشنّون حرب إبادة بيئية دون هلع او حساب لأي جهة رسمية او خاصة، الامر الذي نشّط تجارة الحطب تزامناً مع بداية فصل الشتاء وحتى من قبل، مفتعلين حرائق تارة و"تشحيل" او "تفريد" الاشجار طوراً وما بين هذا وذاك الثروة الحرجية في لبنان بخطر.
وفي سياق بيئي- حرجي متصل تكاثر تجار ترويج الحطب المجتث جأراً على أطراف المناطق والطرقات، ففي البقاع الأوسط وتحديدا منطقة ديرزنون- برالياس- الروضة يسَوّق الحطب بشوالات مرصوصة في "بيك أب" مستغلين فقر العائلات وعوزهم وعدم قدرتهم على شراء المازوت بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع سعر المحروقات، متعمّدين بتر عشرات المئات من الأشجار المعمّرة والتي يطلق عليها شجرة الحياة. أضف الى كل ما تقدم الأنواع المثمرة ولتَسْتَجِد على الساحة عصابة منظّمة تتحكم بصرف الحطب للتدفئة كسوق سوداء.
إبادة الاحراج
تُفتعل هذه المجازر البيئية لأسباب مختلقة ومتعددة ومعظمها كاذبة وغير مقنعة بدأت منذ أشهر متخذين فصل الصيف حجّة لافتعال الحرائق بهدف تحشيد الحطب والنشارة واعواد الاغصان وغيرها في أفولٍ تام لمأموري الاحراج والبلديات، الذين ما انفكّوا يتذرّعون بعدم توافر المحروقات لآلياتهم للقيام بالدوريات المتتالية والكشف الدائم وحتى الثابت، ما ضاعف عمل فجّار جث الأشجار وإذا صح التعبير مافيا حرق الاحراج وبيعها سوق سوداء مستفردين غياب الدولة وادواتها.
هل ما يحدث ضد الطبيعة في لبنان تتحمل مسؤوليته الدولة؟ تعددت الأسباب والغاية واحدة التي تدفع بشبكة منظمة تحت مسميّات مختلفة من صُبَّة السوق السوداء للقضاء على ما تبقّى من الاحراج والمساحات والمسطحات الخضراء في لبنان منطلقين من شعارات صغيرة وهي الانسان أولًى من الشجر!
بالإشارة الى ان ناشطين بيئيين تحدثوا لـ "الديار" عن بعض الجزارين ممن يستحصلون على رخص او اذونات للتشحيل يعمدون الى جَبْ الأشجار وتفنيدها وتقطيعها قبل ان تُمطر كيلا تبلّل، بحيث لا يمكن حينذاك استخدامها في الموقدة او "المدفأة" الامر الذي يؤدي الى دخان ناتج من الرطوبة او "النّدي" التي تختزن في داخلها. وما يجدر التطرق اليه أيضا المشاعات التي تعود للدولة وليست أراضي خاصة بحيث يصار الى استغلالها بغطاء من مخاتير ورؤساء بلديات.
وفي السياق نفسه، يؤكد خبراء في هذا المجال ان هذه الحالة وجه من وجوه الاستفادة المادية وما يحدث هو قطعاً لاستغلال الازمة، فالمعتدين بأغلبيتهم من مافيا السوق السوداء المستجدة بسوق الحطب بعد المازوت بالتصويب الى ان سعر الحطب أيضا لحق بأسعار المحروقات وعليه فلا مبرّر لقطعها سوى ان هؤلاء يتمتعون بحصانات او نفوذ سياسي معين.
أشجار الزيتون والصنوبر في خطر
وعلى مقلب بيئي- حرجي أعلن "تجمّع الهيئات" الممثلة لقطاع الزيتون في بيان ، ان "مجموعات من السارقين تقوم بسرقة كميات كبيرة من الزيتون تحت جنح الظلام في عدد كبير من المناطق، وأحيانا هذه العصابات تقوم بقطع الاغصان الوفيرة الحمل وسرقتها للانتفاع من الثمر والغصن كحطب.
وهذا الامر بالتأكيد خطر ولا يمكن ان يستمر سيّما ان مزارعي الزيتون والصنوبر والرمان وغيرها من الأشجار المثمرة ينتظرون بيع الموسم لسداد الديون المترتبة من اعمال "الحراثة، والتقليم، والتسميد والتفريد، وما يجدر ذكره في هذا السياق ان هؤلاء ليس لديهم باب رزق سوى محاصيلهم الزراعية واشجارهم المثمرة خاصة في هذه الأوقات الشديدة طالبين من الجهات المعنيّة التحرّك لحماية كسب المواطنين وعلى مقلب آخر حماية الثروة الحرجية من الجث المتعمّد.
"الديار" جالت في مناطق البقاع الأوسط والغربي، وسألت بعض المواطنين عمّا يحتاجون اليه من مادة المازوت لتأمين التدفئة لمنازلهم وعائلاتهم؟
يقول ناصر ياسين من بلدة القرعون أحتاج الى ما بين 7 الى 10 براميل واحياناً أكثر طوال فصل الشتاء بحكم البرد القارس وتساقط الثلوج التي تقطّع اوصال المنطقة عن باقي المناطق المحيطة.
اما محمد مخروم من بلدة تعلبايا فقال: انا اشتريت الحطب للتدفئة والذي سعره ليس اقل بكثير من المازوت، الا انها تبقى اوفر وأكثر دفئاً للعائلات الكبيرة، مشيرا الى انها باتت تباع سوق سوداء بسبب تحكّم تجار المافيات فيها والشوال يباع بحدود ال 5 مليون بينما في الشتاء الفائت اشتريته ب 2 مليون. ولفت مخروم الى ان شقيقه الذي عمد الى تعبئة 5 براميل مازوت بسعر 20 مليون ليرة لبنانية واومأ الى ان البقاع كمقاطعة خارجة عن سيطرة البلد فكل شيء يباع سوق سوداء بدءاً من المازوت والبنزين والحطب وحتى الرغيف في ظل غياب تام ومتعمّد من الدولة.
الإجراءات والقرارات
فماذا يقول وزير الزراعة عباس الحاج حسن لـ "الديار" عن الإجراءات والقرارات المتخذة لكبح جماح جزّاري الأشجار وبيعها سوق سوداء، وعرضها كسلعة مشروعة ضاربين على الوتر الحسّاس وهو حاجة الناس الى هذه المادة للتدفئة؟
اشار الحاج حسن الى ان الوزارة تعتمد وتستند الى قانون الغابات الذي يحرّم فَصِم الأشجار ضمن معايير وشروط قاسية جدا. وأضاف: نحن في وزارة الزراعة نستند الى هذا القانون ونعمد الى تسطير محاضر ضبط والتي بحسب وزير الزراعة تخطّت الـ 1000 محضر بالمخالفين منذ نحو عام وحتى اللحظة.
وتابع: لا شك ان هذا الامر محزن جدا بأن يكون لدينا ثروة حرجية فريدة بنوعها في المنطقة ككل وعلى امتداد مساحة الوطن وليس حصرا في البقاع الأوسط او الشمالي او الجنوب او عكار، غامزاً الى عمليات اجتثاثٍ جائر.
واكد الحاج حسن ان هذا العمل مدان ونعمل ليلاً نهاراً بالرغم من كل الإمكانات الضيّقة بالنسبة لنا وعلى مقلب أمنى أشار الى التعاون القائم مع القوى الأمنية والبلديات لضبط وتسطير محاضر مخالفات، ملمحاً الى ان الأمور قد تصل الى توقيفات للمخالفين الذين يكررون هذه الفاعلة الا وهي قطع الأشجار.
مأمورو الاحراج والبلديات...
عمل تشاركي بامتياز
وشدد الحاج حسن على ان هذا العمل هو تشاركي ما بين مأموري الاحراج والمراكز الزراعية وما بين المصالح الزراعية والوزارة المركزية والقوى الأمنية الفاعلة على الأرض بكل تفرعاتها. واستتبع بالقول، أضيف الى كل ما تقدّم البلديات باعتبارها تؤدي دورا مركزيا في مراقبة ومواكبة هذا الامر.
وأردف: طبعا هذا الامر يحمل سؤالا الا وهو، هل من إمكانات؟ يجيب وزير الزراعة بالقول لا، وانما في المقابل يمكن لنا ان نتحرّك بوازع انساني وطني في هذا السياق وبالتالي المطلوب منا ان نحمي هذه الثروة الحرجية التي لم يتبقّى منها في لبنان سوى مساحات او مسطحات خضراء قليلة، مشدداً على ان هذا عمل تضامني تكاتفي وتعاضدي بامتياز.
ولفت الحاج حسن الى اتخاذه عدة إجراءات استباقية في هذا الإطار ، فلدينا مشروع بالشراكة مع AFD و"الب سيفال" لزيادة المساحات المزروعة من الاحراج والغابات وبالتالي هذا الامر:
- يساعد على إعادة تشجير ما يتعمد حرقه او احراقه من غابات ملمحا الى انه سواء كان بطريقة مفتعلة او حتى نتيجة تغييرات طبيعية.
- ولا يمكننا القول ان جذّ الأشجار اليوم يجب ان نغض الطرف عنه واتبع، انا اعود وأكرر لا شك انه يوجد ازمة اقتصادية وبطبيعة الحال ازمة المحروقات وتحديدا المازوت والناس من حقها ان تبحث عن بدائل ولكن هذه العوض موجود في وزارة الزراعة وأومأ الحاج حسن، لقد وضعنا كل أدوات الوزارة من تسهيلات ولا مركزية إعطاء التراخيص فيما يختص "بالتشحيل" او "التفريد".
"تشحيل" مش قطع!
ونوّه الى الفرق ما بين "التشحيل" وما بين عملية القطع الجائر المتقصّد وأستتبع بالقول، في هذا الظرف كان لي لقاء مع قيادة الجيش بحضور وزير البيئة وقد تم الاتفاق على ان يكون هناك مؤازرة من جانب الجيش اللبناني اقلّه فيما يختص السيارات المحمّلة بالأشجار المقطوعة وان يصار الى التدقيق بها من خلال التأكد من حيازتها على تراخيص وعلى مقلب آخر حاصلة على أذونات نقل وهذا الامر ساعد كثيرا وخفّف من عمليات البَتل المتعمّد.
هل يمكن انهاء هذه الظاهرة في الوقت الحالي؟ يجيب الحاج حسن: لا يمكن، ونحن نعمل بالقدر المستطاع للحد من هذه الحالة والتخفيف من ظاهرة قطع الأشجار، خصوصا أننا امام نحو الشهر والنصف من الصعوبة علينا، وبالتالي نحن مستنفرون بكل ما اوتينا من قوة وإمكانيات في هذا المجال.
وعن الحطب المقطّع والمنتشر على الطرقات وأطراف البلدات لبيعه "شوالات"، قالوزير الزراعة: انا مع طرح ان يكون هناك منع لهذا الامر، وعلى مقلب تشجيعي- بيئي انا أحثّ التجار الذين يعملون في حقل الاستيراد والتصدير ان يعمدوا الى ابتياع الحطب المقطّع والمخصص للمدافئ من الدول الافريقية ان كان من إمكانية لذلك وهذا يخفف علينا كثيراَ، الا انني اعود وأكرر اليوم نحن جاهزون ومستنفرون كوزارتي زراعة وبيئة التي تعمل على مساعدتنا في ذلك، أضف الى وزارة الداخلية وقيادة الجيش اللبناني، لنحقق من خلال ذلك عملا تكامليا تشاركياً.
واشار الى ان هناك مشروع قانون موجود في اللجان داخل مجلس النواب وننتظر ان تقام جلسة تشريعية في الزمن القريب حتى نصل الى اقراره، ولفت الى انه يحمل بعض التعديلات الجوهرية على قانون الغابات، على سبيل المثال ان يكون قيمة محضر الضبط مرتفعة أي ان تُضرب بعشرة مرات هذا أولا.
وعن السجن لمرتكبي هذه الإبادة الحرجية في حال تكرار المخالفة، يجيب وزير الزراعة: اعتقد انه سيكون زجري وهو ما يمكّننا من ان نكون قادرين من خلال تطبيق القوانين وتنفيذها ليكون هناك التزام مطلق من قبل المواطنين والمخالفين على حد سواء.
آلية لحماية المحاصيل والغابات الحرجية
ودعا الحاج حسن الى وضع آلية لحماية الغابات عن طريق إيجاد حل لمأموري الأحراج، وتمنّى في العهد القادم والحكومة الجديدة العمل على مضاعفة نسبتهم والتي تبلغ حاليا 30% بينما يجب ان تكون 70%. وأوضح، يجب تفعيل قانون الغابات واقراره في مجلس النواب، وأخيراً والاهم توسيع الصلاحيات في المراكز والمصالح وتفعيل العمل والتنسيق مع البلديات.
واختتم وزير الزراعة ملمحاً الى السلطة القضائية لافتاً الى اجتماع ضم كل من وزير العدل والمدّعين البيئيين والذي طغى عليه التشاور وطرح أفكار بناءة ورائعة. واشار الى القضاء اللبناني الذي يساعد جدا في هذا الإطار، وقال الحاج حسن حبّذا في الأيام القادمة ان تكون أياما تنفيذية لكل ما تم الاتفاق عليه ونعمل جاهدين، ودعا كل الهيئات البيئية في هذا القطاع والمختصّين والمهتمين في حماية الغابات للمشاركة والتوعية. وابدى استعداده في تقديم العون والمؤازرة مع كافة الافرقاء حتى نصل الى بلد اخضر بكل ما للكلمة من معنى واصفاً المساحات الخضراء بأنها مساحات أمان لنا جميعا.