النهار
مع ان وقائع الجلسة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية المقبل لم تخالف في معظمها السيناريو المسبق لانعقادها وجاءت مطابقة له بنسبة عالية ، فان ذلك لم يحجب دلالاتها البارزة لجهة رسم خريطة طريق مبدئية فاصلة عن النصف الثاني المتبقي من المهلة الدستورية وربما بل والأرجح لما بعدها . لقد كانت نقطة التمايز الإيجابي الوحيدة في هذه الجلسة ، وكما كان يرتقب لها ، ان دفعت بالقوى السيادية وحدها ، وبمعزل عمن كان يفترض ان يكون حليفها ورفيق دربها أي “التكتل التغييري”، الى حسم الأمر فكان النائب ميشال معوض مرشحها الذي أعلنت بترشيحه العنوان الجازم المبدئي للمعركة الرئاسية في مواجهة قوى “محور الممانعة” او 8 اذار . وفي المقابل بدا لافتا للغاية ان قوى “الممانعة” بقاطرة حاسمة واضحة يتولاها “حزب الله” رفعت الصوت الأبيض علامة توحد موقت قسري ولكن في مقابل “الكتلة البيضاء ” هذه برزت مؤشرات عدم قدرة او عدم إرادة الفريق النافذ في هذا التحالف على اعلان مرشحه . ويمكن بذلك الاستخلاص سلفا ان ال36 نائبا الذين صوتوا من كتل الأحزاب السيادية لميشال معوض شقوا الطريق لمعركة تحمل كل معاني الدفع نحو استحقاق يهدف الى التخلص من ارث العهد الحالي وتحالفاته كما في مواجهة الامتدادات الإقليمية المعروفة لهذا التحالف الممانع الذي انكشف تكرارا امس في ارتباطه بالبوصلة الإيرانية تحديدا عبر تريثه في اعلان مرشحه وحتى امتناع أي نائب فيه بما فيه طوني سليمان فرنجية عن التصويت لسليمان فرنجية . بذلك تكون ال 63 ورقة بيضاء ولو ان من بينها أصوات نواب من خارج المحور “الممانع” قد أعلنت ضمنا بدء التمهيد للشغور الرئاسي تحت زعم اطلاق شعار “التوافق” .
وفي خلاصات المراقبين ان الجلسة افضت الى تشكيل وحدة رؤية سيادية بين 40 نائباً أيدوا رئيس “حركة الاستقلال” النائب ميشال معوض، وتغيّب بعضهم بداعي السفر خلال الدعوة السريعة المستجدة لانعقاد البرلمان. وفي المقابل، لم تعكس مقاعد قوى الموالاة مواقف متشابهة بقيت تبايناتها حاضرة في صمت الأوراق البيضاء. وهنا، تشير المعطيات إلى أن التصويت بورقة بيضاء لم يكن محصوراً بتكتلات فريق 8 آذار، بل شمل أيضاً تحالف نواب صيدا وبعض النواب المستقلين المحسوبين على “الأكثرية التعددية”، بما يلغي فرضية تحاول بعض قوى الممانعة التعبير عنها لجهة أن الأصوات البالغ عددها 63 ترتبط كليّتها بمقاربة واحدة. ولم يغب الاختلاف في وجهات النظر بين “التيار الوطني الحرّ” و”الثنائي الشيعي” حول خيار دعم ترشيح رئيس تيار “المرده” سليمان فرنجية. كما تأكد أن النواب الذين اختاروا التصويت بورقة كُتب عليها “#لبنان”، يمثّلون نواب تكتل “الاعتدال الوطني” الستة إضافة إلى النواب نبيل بدر، عماد الحوت وجميل عبود. ومن جهتهما، اختار النائبان غسان سكاف وبلال الحشيمي الاقتراع للنائب ميشال معوض. وعُلم أن نواب “ورقة لبنان” اختاروا اعتماد هذا الأسلوب بانتظار بروز ملامح توافق للذهاب إلى اختيار مرشح يريدونه يحافظ على الدستور واتفاق الطائف ويعمل على نسج أفضل العلاقات مع المحيط العربي والدولي وينفّذ الاصلاحات المطلوبة.
اما مفاجأة النواب التغييريين فكانت في تصويت 11 منهم لسليم اده بعدما كان الاتجاه الغالب الى التصويت للنائب السابق صلاح حنين علما ان اده كان ابلغ مراجعيه بانه لا يرغب في الترشح .
حصيلة الانتخاب
وكانت الجلسة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية التي انعقدت برئاسة رئيس #مجلس النواب نبيه بري لم تدم اكثر من خمسين دقيقة. وتأمن نصاب الثلثين المطلوب داخل القاعة العامة في حضور 122 نائبا وغياب نائبين هما سليم الصايغ وستريدا جعجع واعتذار 4 نواب هم فؤاد مخزومي، نعمت افرام، ابرهيم منيمنة ونجاة صليبا. واثر انتهاء عملية فرز الأصوات اعلن بري النتيجة كالآتي: 63 ورقة بيضاء، 12 لأسماء أخرى( لبنان 10 اوراق، مهسا أميني صوت واحد، نهج رشيد كرامي صوت واحد)، 11 لسليم اده، و36 صوتا للنائب ميشال معوّض.ومباشرة بعيد اعلان النتيجة، بدأ نواب الثنائي الشيعي بالخروج من القاعة ما ادى الى فقدان النصاب فرفع الرئيس بري الجلسة. وبدا لافتا قول رئيس المجلس ردا على سؤال عن موعد الجلسة المقبلة “اذا لم يكن هناك توافق واذا لم نكن 128 صوتاً لن نتمكن من إنقاذ للمجلس النيابي ولا لبنان. وعندما ارى ان هناك توافقاً سوف أدعو فوراً الى جلسة واذا لا فلكل حادث حديث”.
وبعد تطيير النصاب، توالى اعلان المواقف فاوضح النائب جورج عدوان باسم “الجمهورية القوية” ان “أكثر ما تمكّنت المنظومة المضعضعة من فعله أن تضع أوراقاً بيضاء أمّا المعارضة فتمكّنت من أن يكون لديها مرشّح وهذه خطوة أولى لتوسيع البيكار”. اضاف: “أدعو كلّ قوى المعارضة لأن نتوحّد لنستكمل الخطوة الأولى والتي أثبتت أنّه يمكننا إيصال مرشّحنا والمهم إيصال رئيس جمهورية سيادي وهناك قسم ممّن صوّت بورقة بيضاء من قوى المعارضة ولا يوجد أيّ اتفاق بين قوى المعارضة وأكبر دلالة ضعف هي الورقة البيضاء”.
من جانبه، أكد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل ان “الجلسة أظهرت ان لا اكثرية لاحد في المجلس وان الشهر المقبل سيكون مهمًا جدًا”.واشار الى ان “هناك امكانا من خلال هذه الانتخابات لاجراء حوار جدي هدفه معالجة المشاكل البنيوية التي تواجه البلد واوله موضوع سيادة الدولة ووضع اليد على قرار لبنان من جهة، والمعضلة الاقتصادية الكبيرة من جهة اخرى”. واضاف ” نحن أمام فرصة خلال هذا الشهر لان نعمل ونتواصل مع بعضنا البعض لنوحّد صفوفنا كمعارضة أولاً، ثم نتعاطى مع الفريق الآخر انطلاقا من معادلة متوازنة لنصل الى حل للبلد، لان من الواضح ان أحدًا لا يستطيع الفوز بالمعركة وحده”.
ولفت النائب ميشال دويهي الى ان “غير صحيح أنني عارضت انتخاب نواب التغيير لميشال معوّض لأغراض شخصية ونختلف معه في الموضوع الاقتصادي. المهم الآن إنقاذ البلد ومن غير المعقول في بلد ينهار التصويت بورقة بيضاء . هذا مُهين للنواب أمّا نحن فلدينا مرشحنا ومبادرتنا”.
وقال النائب علي حسن خليل: “الجلسة هي دعوة لكلّ القوى لأن تتكلّم مع بعضها ويجب ألا نضيّعها وأن نقدّر تداعيات الفراغ الرئاسي ولن نقف عند توزيع الأصوات لأن النتيجة كانت معروفة أنه لن ينتخب أي رئيس اليوم”. اضاف: “بغياب التوافق لا يمكن انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وتابع: المجلس النيابي لا يفقد دوره التشريعي ولا حقّه بإعطاء الثقة لأيّ حكومة جديدة ونحن أمام جلسات جديدة لانتخاب لجان نيابية”.
من جانبه، قال عضو “تكتل لبنان القوي” النائب آلان عون “هي جلسة كشف أوراق والهدف ليس “تمريك” نقاط بل انتخاب رئيس للجمهورية”. وأكد ان “لم يحصل اتفاق مع كتل معيّنة بما فيها الأقرب الينا على أي مرشّح ولهذا السبب اتخذنا خيار الورقة البيضاء”.
معوض يمد اليد
اما النائب معوّض فاعلن اثر الجلسة : “لم يكن هناك أيّ توقّع بأن تُنتج الجلسة الأولى رئيساً للجمهورية وهناك 36 نائباً صوّتوا لي بالإضافة إلى 4 نواب تغيّبوا وأعتبر أنني أمثّل خيار السيادة والدولة والإصلاح والمصالحة والوفاق بين اللبنانيين من دون استقواء”. اضاف “لا يمكن أن يُبنى التوافق على السلاح أو فرض إيديولوجيات ولا يمكن أن يُبنى إلا تحت سقف الدولة اللبنانية وخياري هو إعادة ربط لبنان بالشرعية العربية والدولية”. واضاف: إقتصادنا لا يقوم إلا عندما نكون جزءاً من هذا العالم وخياري هو العودة إلى الدستور واتفاق الطائف ودولة المؤسسات واللامركزية الموسعة واستقلالية القضاء ومحاربة الفساد”. وقال: “يتمنى كثر أن يُحرَق إسمي لكن الجميع جدّي وهناك أكثرية وازنة من المعارضة أعطتني ثقتها وأمدّ يدي إلى بقية المعارضة ومنهم من انتخب لبنان ونواب التغيير ولو كنّا لا نتفق على كلّ المقاربات”.