الديار
انتهت «البروفة» الرئاسية دون مفاجآت، الجولة الاولى كشفت العجز عن ايصال رئيس جديد للجمهورية دون «توافق» بين الكتل السياسية الرئيسية في البرلمان، القدرة على «التعطيل» يملكها الفريقان وعدم حصول التفاهمات الداخلية والخارجية قريبا يعني حكما اننا دخلنا في «فراغ» طويل الامد يحتاج الى حكومة «كاملة» المواصفات سيعاد تشغيل محركات الوساطات اليوم لمحاولة «استيلادها» بين السراي الكبير وبعبدا. الان بدأت المرحلة الثانية قبل الدخول الجدي في الاستحقاق، اي مرحلة توحيد الجبهات الداخلية حول مرشح واحد لخوض جولة جديدة من «الكباش» ستكون المؤشر الحقيقي لعنوان المرحلة الثالثة، فإما رئيس تحد تخاض حوله المنازلات، ونكون امام مراوحة اي «لا رئيس»، واما رئيس «توافقي» يمكن تمريره بعد توافر المناخات الداخلية والخارجية المؤاتية. واذا كانت «المعارضات» قد اختارت في الجلسة الاولى خوض المعركة «بحرق» اسم ميشال معوض، بانتظار حصول «معجزة» للتوافق على مرشح واحد.. فان الفريق الآخر اختار «الورقة البيضاء» عنوانا لتوجيه «الرسائل» الى الداخل والخارج، وقد باشر حزب الله جولة جديدة من المشاورات لتوحيد الصفوف حول مرشح واحد حيث يتقدم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية على كل الاسماء على الرغم من عدم تبني ترشيحه رسميا، والبحث جار الآن عن ضمانات لتبديد «هواجس» رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، واذا نجحت الاتصالات ستبدا المرحلة الثانية لتسويق فرنجية في الداخل والخارج..في هذا الوقت لا يزال «الارباك» سيد الموقف حيال قرار رفع سعر الدولار الى 15000 ليرة بانتظار التوضيحات في الساعات المقبلة، لا تزال المناخات «تفاؤلية» في ملف «الترسيم» وسط تسريبات اسرائيلية عن جلسة وزارية الخميس المقبل لاقراره من قبل الحكومة المصغرة.!
«فخ» حرق الاسماء «والورقة البيضاء»
اذا وبعد انتهاء «البروفة» الاولى، وبانتظار المناخات الاقليمية والدولية المؤاتية، دخل كل فريق سياسي في حسابات الربح والخسارة، وفي هذا السياق، لفتت مصادر سياسية بارزة الى ان الجلسة الانتخابية الاولى ابرزت العديد من النقاط الاساسية لعل ابرزها سقوط المعارضة في «فخ» حرق الاسماء من خلال التضحية بأسم النائب ميشال معوض الذي كان مجرد اختبار جدي لمرشح غير جدي اظهر عدم جهوزية القوى المعارضة لخوض الاستحقاق، حيث تبين عدم وجود خطة واضحة لدى هذه القوى لايجاد القواسم المشتركة المطلوبة. في مقابل خيار «الورقة»البيضاء» لدى الفريق الآخر الذي نجح في توجيه «رسائل» واضحة حيال امكانية التفاهم على مرشح موحد تخاض من خلاله «معركة» التوافق عندما يحين وقتها...
«بازار» «اشتراكي»
وتبين بعد تقييم الاصوات التي حصل عليها معوض ان ثمة «معارضات» غير موحدة في المجلس في غياب اي تفاهمات على «التكتيك» وحتى «الاستراتيجية» في مقاربة هذا الملف حتى الآن. وكان واضحا ان ثمة مقاربات مختلفة لدى هؤلاء غير المستعدين لتقديم تنازلات متبادلة يمكن ان تؤدي الى توحيد موقفهم حيال الاسم الذي سيخضون من خلاله المعركة. وفي هذا السياق، لا يمكن احتساب اصوات نواب «اللقاء الديموقراطي» ضمن المعارضة لان لوليد جنبلاط حسابات خاصة ومختلفة وهو ليس في وارد خوض معركة معوض رئاسيا او اي مرشح آخر يمكن ان يشكل تحديا للفريق الآخر، لكنه انحاز في جلسة «البروفة» الى هذا الخيار لفتح «بازار» النقاش حول الرئاسة مع فريق «الاوراق البيضاء».
حزب الله يكثف الاتصالات
في هذا الوقت، كثف حزب الله اتصالاته مع القوى السياسية المتحالفة معه لتوحيد الصفوف على قاعدة الاصوات الـ 63 التي يمكن ودون عناء كبير ان تصل الى 65 صوتا لخوض معركة حول مرشح واحد. واذا كانت الاجواء الراهنة مختلفة عما كانت عليه ابان تبني ترشيح الرئيس عون ما يفرض عدم التبني العلني لمعركة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، فقد بات معلوما للقاصي والداني ان حزب الله ومعه الرئيس نبيه بري يتبنيان هذا الترشيح ويعملان على تسويقه بين الحلفاء اولا، قبل خوض سلسلة الاتصالات المطلوبة مع الداخل والخارج.
تبديد «هواجس» باسيل
وبحسب تلك الاوساط تتكثف الاتصالات الثنائية بين التيار الوطني الحر وحزب الله لتقريب وجهات النظر حيال مسألة تبني فرنجية، وفي هذا السياق، لم تعد الامور «مسكرة» مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل كما كانت من قبل، كما ان رئيس «المردة» يتعامل بالكثير من الايجابية والانفتاح مع بعض «هواجس» باسيل، خصوصا ان الأمر لا يتعلق بموضوع «تكبيل» الرئيس المفترض بموضوع التعيينات واشتراط الحصول على حصص وازنة فيها، وهو امر لا يمكن لفرنجية ان يقبل بها، ويفضل ان تبقى مفتوحة للتفاهمات السياسية اللاحقة بعد الانتخابات مع تاكيده حفظ حق التيار الوطني الحر في اي تركيبة وزارية مقبلة كونه ممثلا لاكبر كتلة مسيحية في البرلمان. لكن يبقى ان ما يشغل بال باسيل هو وضعية التيار الوطني الحر في العهد الجديد، وهو يرغب بالتفاهم على «مظلة» رئاسية تحميه من «التنكيل» بعد الخروج من السلطة، وخسارة التوقيع الاول، فهو يدرك ان «خصومه» كثر وينتظرون هذه اللحظة. ولهذا فهو يبحث عن ضمانات محددة يحتاجها «للملمة» صفوف «التيار» واعداده للسنوات الست المقبلة، بعد «الاهتزازت» الكبيرة التي تعرض لها، وهو يدرك جيدا ان السيد نصرالله وحده قادر على ضمان تنفيذها مع الرئيس العتيد. والان تدور النقاشات حول هذه النقاط، واذا تم التفاهم لن يتأخر باسيل في الاعلان عن تبني ترشيح فرنجية في توقيت يتفق عليه بين «الحلفاء»، واذا لم يحصل على تلك الضمانات لن يجد نفسه مضطرا الى التوقيع على ما يعتبره «اعداما» سياسيا لتياره!
فرنجية يتقدم؟
وفي هذا الاطار، كشفت تلك الاوساط ان فرنجية بدأ يحقق بعض الاختراقات الهامة التي يمكن ان يراهن عليها لتدعيم «اوراقه»، ومنها على الصعيد الداخلي عدم وجود «ممانعة» من البطريرك الماروني بشارة الراعي لوصوله الى بعبدا، وهو سبق وابلغه شخصيا انه اذا كان الظروف تسمح بذلك فبكركي لن تمانع هذا الامر. وهو موقف معنوي معبر يمنحه الغطاء الكنسي. اما خارجيا فلا تبدو باريس بعيدة عن هذه الاجواء وهي تتعامل مع هذا الترشيح «بليونة» لافتة، وقد يتبلور موقفها اكثر اذا توحدت كتل نيابية وازنة وراء ترشيحه، وعندها ستتولى القيام بتسويقه اميركيا وسعوديا باعتباره الخيار الاقل سوأ من «الفراغ»، علما بان واشنطن لا تزال تراهن على «ورقة» قائد الجيش العماد جوزاف عون التي لا تعارضها فرنسا ولكنها تريد اسما يمكن تمريره لا خوض معركة خاسرة دون طائل. ولهذا تهتم باريس جدا بمعرفة رأي حزب الله حيال ترشيح قائد الجيش وحتى الآن لم تحصل على اي اجابة سلبا او ايجابا..
لا مفاجآت والى «الفراغ» در..
وكانت الجلسة بالامس قد خلت من اي مفاجآت، وفتح الباب واسعا امام «الفراغ» بوجود انقسامات عمودية، وافقية، وكما كان متوقعا فقدت نصابها بعد انسحاب عدد من النواب من كتلتي «الوفاء للمقاومة» و»التنمية والتحرير»، وذلك عقب فرز الأصوات، ما ألغى الدورة الثانية للجلسة التي التأمت بحضور 122 نائباً واعتذار 4 نواب هم نعمة افرام، نجاة صليبا، ابراهيم منيمنة وفؤاد مخزومي، وغياب النائبين ستريدا جعجع وسليم الصايغ من دون عذر. وعلى ارغم من أنّ الدعوة إلى هذه الجلسة لم تحصل بناءً على ما كان قد أعلنه رئيس مجلس النواب، نبيه بري، سابقاً حول أنّه لن يدعو إلى جلسة قبل التوافق على اسم لرئاسة الجمهورية، عاد بري وكرّر ذلك، بعد رفعه الجلسة لعدم اكتمال النصاب، وقال إنّه «عندما يتمّ التوافق على رئيس سأدعو إلى جلسة مقبلة، وإذا ما صار في توافق وإذا ما كانوا 128 صوتاً لن ننقذ لبنان، ونتيجة فرز أصوات الـ122 نائباً الذين حضروا الجلسة نال النائب ميشال معوض 36 صوتاً هي مجموع أصوات نواب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وكتلة “تجدد” وبعض النواب المستقلين في مقابل 63 ورقة بيضاء هي مجموع أصوات «الثنائي الشيعي» والتيار الوطني الحر وحزب الطاشناق وتيار المردة، و11 صوتاً لرجل الأعمال سليم إده نجل رئيس الرابطة المارونية الوزير الراحل ميشال إده هي مجموع أصوات النواب التغييريين و10 أصوات حملت اسم «لبنان» هي مجموع أصوات بعض النواب السنّة في عكار وقدامى «المستقبل» إضافة إلى ورقتين حملت أحداها اسم الناشطة الإيرانية مهسا أميني وأخرى حملت اسم نهج رشيد كرامي.
«مناورة» نواب التغيير
وردا على التساؤلات حول اصرار «التغيريين» على التصويت لرجل الأعمال سليم إده على الرغم من ابلاغه الجميع في الداخل والخارج انه غير مرشح للرئاسة، اشارت مصادر نيابية ان هؤلاء النواب بدلوا في الساعات الأخيرة اسم مرشحهم من النائب السابق صلاح حنين إلى اده كي لا يحرقوا اسم حنين وسيعملون على تسويقه لدى الكتل المعارضة ومحاولة تسويقه لدى فريق 8 آذار، مع العلم عدم السير بميشال معوّض يعود الى قناعة لدى هؤلاء النواب بانه رئيس تحدي للفريق الآخر ولا يمكن تسويقه الآن او لاحقا. ولهذا لم يتم التوافق مع المعارضة على التصويت له على قاعدة ضرورة التوافق على اسم قابل للتفاوض عليه.
كيف «طيّر» النصاب؟
وفور إعلان النتيجة بدأ نواب حزب الله وحركة أمل الخروج من الجلسة ومعهم نواب تيار المردة ، الذين اعتبروا ان ما حصل ليس خطوة في «المجهول» بل دعوة لكل القوى لكي تتحرك على وتيرة اسرع للوصول الى تفاهم على هوية الرئيس المقبل. فيما بقي نواب التيار الوطني الحر داخل القاعة كي لا يُتهموا بالمساهمة في تطيير النصاب، ولدى طلب النائب نديم الجميّل من الرئيس بري المباشرة بالدورة الثانية، سأل الرئيس بري عن النصاب، فأبلغه الأمين العام للمجلس بأنه 85، فطلب بري استدعاء نائب من الخارج، وتوجّهت إليه النائبة التغييرية حليمة قعقور بالقول «استدع نواب كتلتك». وعندها ختم الرئيس بري الجلسة وطلب تلاوة المحضر، ولدى سؤاله عن موعد الجلسة المقبلة قال: إذا لم يكن هناك توافق وإذا لم نكن 128 صوتاً لن نتمكن من إنقاذ للمجلس النيابي ولا لبنان. وعندما أرى أن هناك توافقاً سوف أدعو فوراً إلى جلسة وإذا لا فلكل حادث حديث.