جورج شاهين - الجمهورية
منذ أن وجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة الى الجلسة الاولى لانتخاب رئيس الجمهورية اليوم تزامناً مع التحضيرات النهائية لترميم الحكومة، تنوعت ردات الفعل وراحت في اتجاهات مختلفة قياساً على حجم المفاجآت التي عكستها الدعوة. لكنها ومهما تعددت فقد تلاقت على أمرين لا ثالث لهما: ليس هناك من رئيس جديد للجمهورية، ولا حكومة ان أرادها العهد كأنها «حكومته الاولى». وعليه، ما الذي يقود الى هذه المعادلة؟
عندما تسرّبت المعلومة الاولى قبَيل ظهر الثلاثاء حول إمكان توجيه الدعوة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية قيل إن بري سيوجهها الخميس المقبل ويحدد موعدا لأولى الجلسات الانتخابية. كان ذلك قبل ان يثبت بفارق دقائق انّ الخميس ليس موعدا لتحديد الموعد، إنما هو الموعد في حد ذاته. وان على جميع الاقطاب والكتل النيابية ان تقرر أولاً المشاركة من عدمها، وان حضرت تحت قبة المجلس عليها أن تحمل اسم مرشحها ولو مبدئياً خلال 48 ساعة.
وعليه، فقد فرضت دعوة بري فرملة المساعي المبذولة من اجل تشكيل الحكومة بعدما كانت قد تعثرت قبل ساعات قليلة وتحديداً ليل الاثنين - الثلاثاء عندما حمل وسيط قيل إنه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الى الرئيس المكلف نجيب ميقاتي سلة الشروط الجديدة ـ كما وصفتها مصادر قريبة من الرئيس ميقاتي ـ التي وضعها رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بغضّ نظر من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وقد توسّعت فيها لائحة المطالب «التعجيزية» بما يتجاوز الإشكاليات السابقة التي سبقت زيارتي ميقاتي للندن ونيويورك.
فقد كانت كل الطروحات الأخيرة تتناول أسماء عدد من الوزراء يتراوح عددهم بين إثنين على الأقل وخمسة على الأكثر. وكان ذلك قبل ان يتبيّن انّ في الطرح الجديد مجموعة من الأفكار التي يمكن ان ترسم خريطة الطريق الى الحكومة الجديدة بما يحكم عملها ومهمتها خلال فترة الشغور الرئاسي إن وقع الشغور في موقع رئيس الجمهورية. فالحديث المتجدد عن التعيينات العسكرية في قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان ووزارة المال والهيئة العليا للتمييز في السلطة القضائية وفي الجامعة اللبنانية يوحي انه كان يسعى الى تشكيل «اولى حكومات العهد» وهو لم يتبق له في قصر بعبدا اكثر من 33 يوما.
وانطلاقا من هذه المستجدات التي ألغت زيارة ميقاتي لبعبدا والتي كان يتوقعها البعض صبيحة الثلاثاء، بعدما سقط احد السيناريوهات المتفائلة الذي توقع ان يتوجه ميقاتي عصر الإثنين من ساحة النجمة الى قصر بعبدا بعد التصويت على الموازنة من اجل «الإقامة» فيه الى ان تصدر المراسيم الثلاثة المتعلقة بعملية التأليف وقبلها بتسميته رئيساً للحكومة وقبلهما باعتبار ان الحكومة مستقيلة بحكم الأمر الواقع فور انتهاء ولاية المجلس النيابي الذي منحه ثقته منذ 22 أيار الماضي. وترافق ذلك مع اجتهاد دستوري كان سيحضر، يتحدث عن عدم الحاجة الى المرسوم الخاص بقبول الإستقالة في ردها على ما تسرّب عن النية لدى رئيس الجمهورية بإصداره والذي يصدر بتوقيعه منفردا من دون غيره من بين هذه المراسيم الثلاثة لتعطيلها في حال لم تشكل الحكومة العتيدة.
وانطلاقاً من هذه المؤشرات، فسّر قطب نيابي خطوة بري بتحديد موعد الجلسة في تلك اللحظة السياسية بالذات، وقبل اربعة ايام على نهاية الشهر الأول من المهلة الدستورية بأنها لإعادة خلط الأوراق الحكومية مع النيابية وتوقيف مسار الأمور على الخط الحكومي في ظل الشروط التي احياها باسيل والتي اعادت مساعي تشكيل الحكومة الى ما قبل نقطة الصفر بقليل. مع الإستعداد لتصفيرها مع إبراز الفتاوى والاجتهادات الدستورية التي تسمح لحكومة تصريف الأعمال بتسلّم صلاحيات الرئيس طالما ان الدستور لم يحدد مواصفاتها، فباتت كل الاجتهادات الاخرى خاضعة للاخذ والرد على خلفية إمكان تنفيذها بقبول المؤسسات العسكرية والمالية والإدارية بالتعاطي معها ورفض اي سيناريو يتحدث عن تمديد إقامة رئيس الجمهورية في قصر بعبدا تحت اي ظرف من الظروف.
وعليه، كان لا بد لخطوة بري من ان تفرض نفسها على الواقع السياسي، سواء ما يجري وكأنه «بروفا» لجلسة نيابية سيتوافر فيها نصاب انعقادها أو خلاف ذلك. فليس هناك وحتى ساعة متأخرة من يوم امس مَن قرر المقاطعة بل على العكس فقد اكدت الكتل الكبرى المشاركة بما يضمن نصاب الثلثين بلا عناء، طالما ان ليس هناك من سبقَ زملاءه من المرشحين المعلنين واولئك الذين يحتفظون بترشيحهم سراً في السباق الى قصر بعبدا، بحيث يتوقع ان تكون هناك تشكيلة من الأسماء تتراوح أصوات المتقدمين من بينهم في صندوقة الاقتراع ما بين 27 و32 صوتا بالإضافة الى ما دون العشرة لربما ان صدقت التسريبات التي عملت على جَوجلتها مؤسسات إحصائية في الساعات القليلة الماضية بوجود ما بين 4 الى 5 مرشحين.
والى هذه المعطيات التي يمكن ان تظلل جلسة اليوم يبقى ان هناك وجها دستوريا لا بد من الإشارة اليه، فإن اكتمل النصاب سيفتح بري محضرا الجلسة ويدعو الى أكثر من جلسة لتحتسب الأولى على مستوى 86 صوتاً للرئيس المنتخب قبل الانتقال الى النصف زائداً واحداً، مع إصراره على إقفالها فور رفعها منعا لاحتساب الجلسات الاخرى وكأنها من متمماتها على أساس النصف زائدا واحدا ليحافظ على الدور التشريعي للمجلس ان تم إحياء المبادرات النائمة في شأن تشكيل الحكومة الجديدة لمناقشة بيانها الوزاري ومنحها الثقة. ولربما برزت الحاجة الى جلسة تشريعية سيدعو اليها في المهلة الفاصلة عن الايام العشرة الاخيرة من المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس حيث الاعتراف شاملاً بفقدان المجلس سلطته التشريعية، من دون اي فتوى او اجتهاد يمكن ان يكون موضوع نقاش.
وانطلاقا من كل ما تقدّم، تحسم المراجع الدستورية ومعها النيابية قولها ان جلسة اليوم وأيّاً كان شكلها وما يمكن ان تنتهي اليه، أنّ بري سيقدّم نفسه امام اللبنانيين ملتزماً بما يقول به الدستور، وانه تجاوب مع دعوات المراجع الروحية اللبنانية كافة والمجتمع الدولي وخصوصا الذي يمثله الثلاثي الاميركي ـ الفرنسي ـ السعودي بالإنابة عن الجامعة العربية والاتحاد الاوروبي والعالم اجمع بأنه ملتزم الى اقصى الحدود بكل الأصول الدستورية. فليس من بين هؤلاء، وخصوصا ممثلي المجتمع الدولي، من سيحاسبه ان أقفل محضر الجلسة لجعلها «يتيمة» ولا امتدادات انتخابية لها الى ما بعدها من جلسات انتخابية وليفرض الإيقاع نفسه الذي شهدته عشرات الجلسات التي دعا اليها إبّان الشغور الأطول في الحياة الرئاسية ما بين 24 أيار 2014 و31 تشرين الأول 2016 فيعيد التاريخ نفسه الى ان يولد الرئيس الجديد للجمهورية، ولكن من اين وكيف ومتى سيؤتى به؟