الأنباء الإلكترونية
أخيراً وبعد مخاض عسير بدأ منذ ما قبل الانتخابات النيابية حتى اليوم، وبعد أربعة أيام ماراتونية وتشريحها بنداً بنداً من قبل النواب المؤيدين لها والمعترضين عليها على السواء، أصبحت موازنة 2022 رسمية بعد إقرارها في مجلس النواب بأكثرية 63 صوتاً ومعارضة 37 وامتناع 6 عن التصويت، بانتظار صدورها في الجريدة الرسمية لتصبح نافذة. في وقت كانت الكتل والنواب المعترضين عليها يسعون لإسقاطها من خلال تطيير النصاب على غرار ما حصل في الجلسة الماضية، لكن رئيس مجلس النواب نبيه بري نجح هذه المرة بتأمين الحد الأدنى من النواب، الذين لم يصلوا الى النصف، للتصويت عليها وإقرارها بأقل الخسائر.
أمين سر كتلة اللقاء الديمقراطي النائب هادي أبو الحسن أكد أن موقف الكتلة والحزب التقدمي الاشتراكي واضح من الموازنة التي أقرت، قائلاً: "لا نجدها موازنة مثالية لكن لا يجوز استمرار البلد من دون موازنة، خصوصاً ونحن على مشارف تحوّل المجلس النيابي الى هيئة ناخبة، وبالتالي يصبح التشريع وإقرار الموازنة مستحيل"،
وتابع "تكمن أهمية الموازنة بأنها تضع قواعد وضوابط لموضوع الصرف، لأن الصرف على قاعدة الإثني عشرية مع فتح اعتمادات وسلف خزينة أمر يؤدي الى تضخم كبير من دون تأمين الواردات ".
وأشار أبو الحسن في حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية الى "أننا حاولنا أن تكون الواردات والنفقات التي أُقرت في الموازنة متوازنة قدر المستطاع، فلم يكن بالإمكان أفضل مما كان، ولهذا السبب قلنا أن هناك ضرورة لإقرارها من أجل قطاعات مهمة أولها القطاع الصحي والاستشفائي، وإعادة النظر في سقوف المستشفيات وموازنة وزارة الصحة، وهذه هي المعاناة الأولى للمواطن اللبناني اليوم، ثانيا من أجل الجامعة اللبنانية ونحن على مشارف العام الدراسي وثالثاً من أجل موظفي القطاع العام وكل من يتقاضى راتباً من الدولة اللبنانية إن كان موظفًا أو أجيراً او متعاقداً او متقاعداً بالاضافة الى الجيش والقوى الأمنية، خصوصاً وأنه كان هناك تعطيلاً للمرفق العام نتيجة الاضرابات، وهذه مطالب محقة".
وشدد ابو الحسن على أن "المهم أن نبدأ من نقطة ما، وهذه الموازنة هي لثلاثة أشهر، وقد طالبنا بأن نبدأ بإعداد موازنة 2023 وسيكون لدينا متسع من الوقت كي نناقش موضوع الموازنة بكل تفاصيلها، ونسعى كي تكون موازنة اصلاحية بالاضافة الى خطة التعافي. ولا يجب أن ننسى ان الموازنة هي شرط من شروط البنك الدولي مع القوانين الاصلاحية، ونحن ملزمون باتخاذ خطوة الى الأمام".
أما من الناحية المالية والاقتصادية، فاعتبر الخبير المالي والاقتصادي أنطوان فرح أن القيمة الحقيقية لهذه الموازنة معدومة، قائلاً في حديث لجريدة "الأنباء" الالكترونية: "كي نكون متواضعين، هذه الموازنة كان لا بد من إقرارها بصرف النظر عن مضمونها لأن لها وظيفتين أساسيتين، الوظيفة الأولى تلبية بند من شروط صندوق النقد الدولي لإقرار برنامج تمويل لأنه يحتاج الى انتظام مالي بهذا الموضوع وبالتالي هذه الوظيفة تحققت. أما الوظيفة الثانية فهي تحسين إيرادات الدولة ولو جزئياً بهدف رفع الرواتب في القطاع العام كي لا ينهار بشكل كامل. وهذا الأمر كان لا بد منه، وهذه الوظيفة ستؤديها الموازنة خصوصاً وأننا نتحدث عن قطاع عام يشمل الجيش وسائر المؤسسات الامنية، فتأمين الحد الأدنى لهذه المؤسسات هو أكبر واجب لأنه استثمار اقتصادي، فلو لم يكن هناك أمن ووضع هذه المؤسسات مهزوز ولم تستطع تأمين الخدمة الأمنية لما كان عندنا موسماً سياحياً. لذلك فإن تلبية الحد الأدنى لهؤلاء هو استثمار اقتصادي لا بد منه".
وأضاف فرح "من هنا الموازنة من حيث هاتين الوظيفتين تمت تأديتهما بشكل جيد"، متمنياً التركيز على موازنة 2023 "فالهجوم الذي شاهدناه أثناء موازنة 2022 كان يستحسن أن يتم توفيره لدراسة بنود موازنة 2023"، والأهم برأيه مناقشة تعديل وتغيير خطة التعافي التي أرسلتها الحكومة الى مجلس النواب "لأنها خطة من دون أرقام ومن دون جداول زمنية ولا تشبه الخطط التي تسمى خطط انقاذ او خطة تعاف، وعليه كان يجب ان يكون هناك جهد استثنائي لتغيير هذه الخطة وتضمينها أرقام وجداول زمنية كي يكون لدينا محاسبة"، فالتركيز برأيه يبدأ من هنا.
في السياق نفسه، علّق الباحث والكاتب السياسي الياس الزغبي على الأكثرية التي نالتها الموازنة، قائلاً أنه لم يكن مستبعداً إقرار الموازنة من خلال جمع الرقم الكافي لذلك أي 63 صوتاً، معتبراً عبر "الأنباء" الالكترونية أن "ما جرى يعني بوضوح تشكّل ثلث معطل ضمن الأكثرية المتماوجة التي تحاول عبر التنسيق والاتصالات إعادة تكوين نفسها بما مجموعه فوق الأكثرية المطلقة أي 67 نائباً، وهذا المؤشر يؤكد أن ما جمعته الموازنة هو التقاء موضعي مؤقت لن ينسحب على الاستحقاقات الاخرى وتحديدا انتخاب رئيس للجمهورية".
وبالخلاصة فإن إقرار الموازنة أفضل من عدمه لا سيما في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، ولكن تبقى العبرة دائماً في هذا البلد بالتنفيذ بعيداً عن الشعارات.