مريم نسر - الديار
نجحت فرنسا في إعادة المملكة العربية السعودية الى لبنان، لكنها لم تنجح في إقناعها بالتعاطي بواقعية مع الساحة اللبنانية واحترام خصوصيتها وجميع مكوناتها لتُعيد دورها الذي تطمح إليه في لبنان.
تُرِك لبنان وحيداً، لا بل أكثر فإن هناك دولا ساهمت في انهياره من خلال حصاره، وبما أن لبنان بلد منقسم فلن يسمح طرف بتقوية نفوذ طرف اخر، من هنا كان باب العودة إليه، لكن منهم من يريد أن يعود بواقعية وعقلية جديدة ومنهم من يريد أن يعود بعقليته القديمة المتحجرة ويتوقع أن يحصل على مكاسب جديدة، ومنهم من يريد أن يبقى بعقليته المهيمِنة ويتوقع حفاظه على حضوره السابق.
يبدو أن من أعاد هؤلاء جميعا «اليد الايرانية الممدودة الى لبنان» التي لن يستطيعوا مواجهتها بالعقوبات وإنما بمد اليد أيضاً، ولكن ماذا باستطاعتهم تقديمه الى لبنان؟ لعل قبول الهبة الإيرانية من أجل الضغط من بعض القوى في الداخل على الأميركي لكن حتى الآن لم يصل الغاز من مصر ولا الكهرباء من الاردن!! أما الفرنسي الذي لديه هامش أميركي وأخذ دور المُقنِع، لم ينجح حتى اللحظة في تغيير وجهة نظر السعودي، لأن ولي العهد لم يرد حتى الآن على طرح الرئيس الفرنسي المتعلق بحل القضية اللبنانية، أما الآن وبعد اللقاءات الرئاسية في باريس، عاد السفير السعودي الى لبنان بحراكه المعتاد ضمن البيت الواحد، بنفس جولاته وأدواته وخطاباته ومنطقه السابق بإعلانه عن عدم التعامل مع أي رئيس جمهورية مؤيد لحزب الله، ما يُفسّر ضيق خيارات المملكة التي تسير بنفس نهجها السابق ولم تعود باستراتيجية متكاملة تصحيحية في التعامل مع لبنان إنما على القطعة دون الأخذ بعين الإعتبار توازنات المرحلة، خاصة أن الملف الذي عادت من بابه بعد الانتخابات لا يمكن أن يتم بالإقصاء إنما بالتوافق.
عدم واقعية المملكة بمكان يقابلها واقعية بمكان آخر، فهي تعلم جيداً أنها لا تستطيع أن تقرر مصير الرئاسة في لبنان ولا أن تختار رئيساً وأن مَن يُراعى هي المصالح الأميركية وليس السعودية، لذا تعلم أن هامشها ضيّق جداً، خاصة بعد أن ارتفع مستوى المعركة بملف الترسيم وبات مباشراً بين الأميركي والمقاومة، فالصراع واضح بين إرادة المقاومة والمشروع الأميركي، وعندما يواجِه الأميركي بيده تتراجع بقية الدول التي تدور بفلكه ويصبح دورها هامشياً، من هنا يمكننا رؤية وتقييم الدور السعودي في لبنان فهو يبقى لاعبا هامشيا له تأثير لكن لا يصنع سياسات.
حتى الأميركي ومن خلال إدارة المقاومة لملف الترسيم والكثير من الملفات التي لها علاقة بالحصار وحساباتها الواقعية، لمس أنها باستطاعتها إيجاد بدائل، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا زالت تملك أدوات التعطيل في البلد إلا أن سقفها لم يعد عالياً وهامشها لم يعد واسعاً، من هنا عليهم مراجعة حساباتهم في التعاطي مع الساحة اللبنانية.
وبالعودة الى الواقع، من الواضح أن الأمور لم تنضج بعد وأننا ذاهبون الى فراغ رئاسي من الممكن أن يستمر طويلاً، وسيستمر معه حالة ترقب لمسار الأحداث الى أن يصل الى خواتيمه وتكتمل بنود التسوية، وقتها يعود الجميع الى واقعه وحجمه الطبيعي.