النهار
تحت اعين بعثة صندوق النقد الدولي الزائرة والفاحصة والتي لم تخف اطلاقا شهاداتها وتقاريرها وتقويماتها السلبية لمجمل أداء السلطة ال#لبنانية حيال الانهيار والقصور في الإصلاحات، اندلعت “معركة” تجاذبات وتعقيدات إضافية هذه المرة بين وزارة الداخلية وجمعية مصارف لبنان، أدت الى تطويل امد اقفال المصارف واضرابها المفتوح الى موعد غير محدد. فقد رفضت وزارة الداخلية وضع خطة امنية خاصة بحماية المصارف، فردت هذه بتمديد الاقفال بلا موعد وبدت الازمة متجهة الى افق تصعيدي بما يسحب “التشويق” عن ملفات وازمات أخرى متناسلة.
ولعل اللافت ان وقائع الازمات المتصلة بالملفات المالية والاجتماعية بدت كأنها تعرضت لتسخين حاد إضافي في هذه الفترة التي تشهد تصاعد الكلام عن تعويم الحكومة الحالية كأسرع الحلول العاجلة لبت الاستحقاق الحكومي قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون وتحسبا للشغور الرئاسي. كما تطغى تداعيات الازمات على المعطيات المتنامية البارزة حيال التبشير بإمكان التوصل في وقت قريب جدا الى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية، بما يؤكد المعطيات التي تتوافر لدى المسؤولين اللبنانيين من ان واشنطن وضعت ملف الترسيم في مقدم أولوياتها الخارجية في هذه الفترة استباقا حتى للانتخابات العامة في إسرائيل والانتخابات الرئاسية في لبنان خلافا لكل الانطباعات السابقة الأخرى. وبرز ذلك في أي حال في الاجتماع الذي عقده رئيس حكومة تصريف الاعمال #نجيب ميقاتي فجر الاربعاء بتوقيت بيروت مع وزير خارجية الولايات المتحدة انتوني بلينكن في نيويورك والذي حضره عن الجانب الاميركي وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، والوسيط الاميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين. فقد أفادت المعلومات بان الجانب الأميركي يدفع قدما وعلى قدم المساواة بإنجاز التفاهمات للتوصل الى اتفاق لبناني – إسرائيلي حول الترسيم بضمانات أميركية واممية كما يحض على انجاز الاستحقاق الرئاسي ضمن مواعيده الدستورية.
وأكد بلينكن أنه “عقد لقاء مثمرا مع الرئيس ميقاتي وتمت مناقشة الحاجة الى اجراء انتخابات رئاسية في الوقت المناسب وضرورة تنفيذ الإصلاحات لدعم الشعب اللبناني. وشدد بلينكن على أن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع لبنان من أجل تحقيق السلام والازدهار” . وأوضح الرئيس ميقاتي من جهته أنه جرى بحث مجمل الملفات وتم التشديد بشكل خاص على ضرورة اجراء الانتخابات الرئاسية، كما أنه تمنى دعم لبنان من كل من هو قادر على ذلك.وقال ميقاتي “تطرقنا الى المواضيع المتعلقة بالنازحين السوريين والاتفاق مع صندوق النقد الدولي والكهرباء، وبشكل خاص الملف التربوي. لمسنا كل تجاوب”. وكشف أن ملف ترسيم الحدود البحرية “يشهد تقدما كبيرا”. يشار الى ان ميقاتي عقد لقاءات أخرى عدة امس كان ابرزها مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي كما شارك في لقاء حواري عن الامن الغذائي في العالم بدعوة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والقى كلمة في المناسبة.
صندوق النقد
ووسط ذلك لم تغب معالم تصفيات الحسابات الداخلية التي يتبعها العهد في اخر اسابيعه لغسل تبعته عن الانهيار في لقاءاته الديبلوماسية. وتبعا لشعاره “ما خلونا” الذي يكرره في كل مناسبة اعتبر رئيس الجمهورية في لقائه امس مع رئيس بعثة صندوق النقد الدولي ارنستو راميرز ووفد من البعثة انه “كان ينتظر تحقيق العديد من الإجراءات الإصلاحية المتفق عليها مع صندوق النقد، الا ان عراقيل عدة برزت من عدد من الأطراف في الداخل اخّرت تحقيق ما كان مطلوباً والذي يشكل بداية لعملية النهوض الاقتصادي في البلاد، لا بل ان هذه العراقيل عمقت نسبة التراجع في الوضع الاقتصادي”.
واعلن صندوق النقد الدولي في بيان في ختام زيارة فريق من خبرائه إلى لبنان، ان “تقدم السلطات اللبنانية في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة للإفراج عن أموال إغاثة من الصندوق ما زال بطيئا للغاية”. وقال الصندوق:”على الرغم من الحاجة الماسة لاتخاذ إجراءات تعالج الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العميقة في لبنان، فإن التقدم في تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها بموجب اتفاق نيسان على مستوى الخبراء، ما زال بطيئا للغاية”
وهذا أول تقييم علني من صندوق النقد الدولي لأداء لبنان في تنفيذ الإصلاحات، التي تشمل قوانين بشأن الضوابط على رأس المال والسرية المصرفية وموازنة عام 2022.
واتفق لبنان مع صندوق النقد الدولي على تنفيذ قائمة من عشرة إصلاحات كي يحصل على ثلاثة مليارات دولار للحد من انهياره المالي، الذي أدى إلى سقوط ثمانية من كل عشرة أشخاص في براثن الفقر.
وجاء في بيان الصندوق أيضا أن “خطة التعافي المالي للبنان يجب أن تحترم التسلسل الهرمي المعترف به دوليا للمطالبات، إذ تتلقى الدولة والمودعون حماية أكبر من القطاع الخاص”. وقال: “إنه يجب حماية صغار المودعين في لبنان بشكل كامل والحد من اللجوء إلى الموارد العامة”.
أزمة المصارف
وفيما بقي الوضع الاقتصادي والمالي والمصرفي في الواجهة اتخذت ازمة المصارف وجهة جديدة اذ اعلنت جمعية المصارف انه “بنتيجة الإتصالات المكثفة التي أجرتها الجمعية مع الجهات المعنية ولان المخاطر ما زالت محدقة بموظفي المصارف وزبائنها المتواجدين داخل الفروع، وفي ظل استمرار الجو التحريضي الذي يقف وراء هذه المخاطر والتهديدات، فان المصارف ستُبقي أبوابها مغلقة قسرا في الوقت الحاضر خاصة في ظل غياب أية إجراءات أو حتى تطمينات من قبل الدولة والجهات الأمنية كافة بهدف تأمين مناخ آمن للعمل”.
وجاء ذلك عقب نفي وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي في حديث لـ”النهار” بشكل قاطع “أن تكون الوزارة أو الأجهزة طلبت من المصارف الاستمرار في الإضراب أو نصحتها بذلك”، موضحاً أنه على “المصارف حماية مؤسساتها وموظفيها والمودعين وحقوقهم، بينما يكون على الدولة حماية النظام العام في البلاد وليس مؤسسات خاصة في وجه باقي المواطنين”. ودعا مولوي المصارف الى فتح أبوابها وتعزيز وسائل الحماية لديها ومنع الاكتظاظ بين الموجودين فيها وتحمّل مسؤولياتها. واكد أنه ليس مع إضراب المصارف أو إضراب الموظفين لأن ذلك “سيؤدي الى تعميق الأزمة وزيادة البلبلة ومضاعفة الضغط على المواطنين”.
وفي المسار القضائي لهذه الازمة صدر امس قرار عن قاضي التحقيق في بيروت القاضي شربل أبو سمرا في قضية اقتحام “بلوم بنك” – فرع السوديكو بترك الموقوفين عبد الرحمن زكريا ومحمد رستم بكفالة مالية مع منع السفر لستّة أشهر، والإبقاء على عبدالرحمن زكريا وإحالته على المحكمة العسكرية لوجود مذكرات توقيف بحقّه سابقاً. ونفذ عدد من الناشطين وأهالي وأصدقاء الموقوفين محمد رستم وعبد الرحمن زكريا، اعتصاما أمام قصر العدل في بيروت، للمطالبة بتخلية سبيلهما. ولم يؤد قرار تخلية سبيلهما الذي أصدره قاضي التحقيق الأول لقاء كفالة مالية قدرها خمسة ملايين ليرة عن كل منهما، الى فض الاعتصام بسبب إحالة الموقوف زكريا على المحكمة العسكرية لوجود مذكرة توقيف غيابية بحقه، وقد حصل تدافع من الناشطين ومحاولة للاقتراب من مدخل قصر العدل، الا أن القوى الأمنية منعتهم. كما حصل تلاسن بين ناشطين ووكيل بنك “لبنان والمهجر” لدى دخول الأخير الى قصر العدل. وبعد الظهر تم اخلاء سبيل الموقوفين بعد دفع الكفالات.
وفي تطور قضائي اخر عدل مجلس القضاء الاعلى عن تعيين محقق عدلي إضافي في ملف إنفجار المرفأ، وهو كان قد إجتمع اول من أمس للبحث في هذا الموضوع من دون التوصّل إلى نتيجة بسبب وجود تباين في وجهات النظر. ووفق معلومات من مصادر قضائية، فإن إختلافاً في الرأي حصل لجهة إختيار القاضي الرديف ، ما إستتبع رفع الجلسة من قبل رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود.
وتضيف المصادر أن “حل هذه المسألة يكون عبر التوقيع على التشكيلات القضائية من وزيري العدل والمال ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، أو وفي حال عدم التوقيع على هذا المرسوم كما يفترض وفي أسرع وقت من الممكن حينها تشكيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز من رؤساء الغرف الأصيلين والمنتدبين”.