الديار
لم تذهب جهود حزب الله التي استثمرها في تقريب وجهات النظر حول تشكيل الحكومة، سدا. فبحسب المعطيات، نحن متوجهون إلى تشكيل حكومة جديدة بعد عودة الرئيس نجيب ميقاتي من واشنطن أغلب الظن هذه الحكومة ستُبصر النور الأسبوع القادم مع إعطائها الثقة سريعًا في المجلس النيابي.
الملف الحكومي
عملياً، الحكومة ستكون مُطابقة للحكومة الحالية أي مؤلّفة من 24 وزيراً مع تغيير أربعة وزراء هم وزير الاقتصاد ووزير المال ووزير المُهجّرين ووزير من بين وزيري الطاقة والخارجية. الأسماء أصبحت شبه معروفة مع وزير مسيحي محسوب على التيار الوطني الحر، وزير درزي يلقى موافقة جنبلاط ورئيس الجمهورية، ووزير سني يلقى موافقة رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، ووزير شيعي محسوب بالكامل على حركة أمل أغلب الظن سيكون الوزير السابق ياسين جابر. أيضاً تتداول المعلومات أن مسودة البيان الوزاري أصبحت جاهزة وهي مطابقة للبيان الوزاري للحكومة الحالية مع إضافة بعض النقاط المُتعلّقة بصندوق النقد الدولي.
تقول المصادر أن هذا الهامش الذي حدّده حزب الله في اتصالاته مع الأفرقاء وتعهدهم بالالتزام به، يعني أن زيارة وحيدة من رئيس الحكومة إلى قصر بعبدا للتشاور مع رئيس الجمهورية كفيلة بإصدار مراسيم الحكومة والذهاب نحو المجلس النيابي لنيل الثقة.
التيار الوطني الحر يعتبر نفسه منتصراً في إطار هذا السيناريو على الرغم من تراجع رئيس الجمهورية عن مطلبه بستة وزراء دولة يكونون سياسيين بإمتياز وتراجعه أيضا عن ملف التعيينات التي أراد من خلالها الإطاحة بقائد الجيش وحاكم المركزي ومدير شركة الميدل ايست ورئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس هيئة الشراء العام. لكن كيف يرى التيار في هذا الامر انتصارا له؟ تقول المصادر أن رئيس الجمهورية تلقى وعداً من حزب الله – الحريص على عدم الدخول في متاهات دستورية المرحلة القادمة – ينص على الوقوف الى جانب النائب جبران باسيل وعدم السماح لخصومه السياسيين بالإطاحة به وخصوصا بعد صراعاته الكثيرة من كل الافرقاء إبتداء من الرئيس بري الذي هوجم بشكل عنيف من قبل رئيس التيار الوطني الحر وصولاً الى القوات اللبنانية التي نعتها باسيل بأبشع عبارات التخوين مرورا بالحزب الاشتراكي والكتائب والمردة وغيرهم. وتُضيف المصادر ان هذه الخصومات طالت أيضا رفاق درب العماد ميشال عون والذين تم اقصاءهم بمباركة من قبل رئيس الجمهورية بهدف تامين إطار سياسي يؤمن استمرارية باسيل وتياره.
الرئيس ميقاتي ومن خلفه داعميه، يعتبرون أنفسهم منتصرين أيضا نظرا الى ان رئيس الجمهورية لم ينل مبتغاه فيما يخص وضع اليد على الحكومة في مرحلة الفراغ الرئاسي. اما القوات اللبنانية فتعتبر نفسها خاسرة في هذا الامر على الرغم من تمثيلها المسيحي الأكبر حيث تعتبر بحسب المصادر انه تم تطويقها. اما النواب «التغييرين» فهم خارج اللعبة السياسية على الرغم من حراكهم المستجد ومبادرتهم في ملف الرئاسة.
انطلاقا من هذا الواقع، ترى المصادر ان الحكومة ستنال الثقة بناء على التوزيعات الآنفة الذكر أي ان حزب الله وحركة امل والاشتراكي والتيار الوطني الحر والمردة وحلفاء حزب الله عموما سيعطون الثقة لهذه الحكومة، في حين ان القوات اللبنانية والكتائب و»التغييرين» وبعض النواب السنة المستقلين سيحجبون الثقة عن هذه الحكومة. وهو ما سيعطي الرئيس نجيب ميقاتي وحكومته دفعا كبيرا يؤهلها بحسب المصادر لتولي صلاحيات رئيس الجمهورية.
الا ان هذا الإطار الجميل المتوقع، سيتصادم وواقع أليم يتمثل برفض الرئيس ميقاتي تشكيل الحكومة قبل التصويت على الموازنة وهو ما قد يؤدي الى تأخير الحكومة لصالح الموازنة أو ان يعدل الرئيس ميقاتي عن هذا الشرط (الأكثر احتمالا).
عمليا تُشير المصادر نفسها الى ان تشكيل الحكومة لن يُغير في الواقع السياسي العقيم نظرا الى ان قرار اغلبية القوى ليس بيدها وبالتالي فان الواقع المعيشي والاقتصادي والمالي لن يتغير في المدى المنظور على الرغم من تشكيل الحكومة. وتضيف المصادر ان هذه الحكومة هي مجلس تناقضات ولا يمكن اعتبارها فريق عمل واحد بل هي أقرب الى تمثيل للقوى الاساسية في المجلس النيابي باستثناء القوات اللبنانية والتغييريين الذين لا قدرة لهم لسحب «الحصيرة» من تحت أرجل الحكومة. إلا ان المعارضة لها القدرة في بعض الملفات بتعقيد عمل المجلس النيابي التشريعي خصوصا فيما يخص الملفات الاساسية وعلى راسها الموازنة التي يعتبرها البعض حلبة صراع جديدة بين الحكومة والفريق المفاوض من جهة وبين بعض شريحة كبيرة من النواب المعارضين بالدرجة الاولى والموالين بالدرجة الثانية.
وبالتالي فان الافراط بالتفاؤل بحسب المصادر ليس بمكانه اذ ان المطبات عديدة امام تشكيل الحكومة خصوصا ان رئيس التيار الوطني الحر يخوض اخر معاركه في ظل رئاسة عون وهو ما يعني ان لقاء الرئيسين عون وميقاتي لن يكون سهلا كما تشير اليه المصادر. هذا الامر يعرفه جيدا حزب الله الذي جيّش موفديه لتذليل العقبات المتوقعة على هذا الصعيد متسلحا بعدة سيناريوهات بما فيها التنازل من حصته تفاديا لأي تصادم يوصل الى اشتباك دستوري بين التيار الوطني الحر وخصومه في ظل حتمية الفراغ الرئاسي. الجدير ذكره ان التيار الوطني الحر هدد بسحب وزرائه من الحكومة في حال لم يتم تشكيل حكومة جديدة بديلة عن حكومة تصريف الاعمال التي يعتبرها التيار غير مؤهلة لتولي صلاحيات رئيس الجمهورية.