البير نجيم - ع.م في الأمن العام اللبناني - حقوقي، باحث ومحلل سياسي – امني
يثار في هذه المرحلة نقاش واسع بين المراقبين والمحللين حول العلاقة المفترضة بين ما يسميه بعض هؤلاء "تعثر" صفقة القرن، وبين التطورات الدراماتيكية الحاصلة في الإقليم لاسيما في ايران والعراق كما وبشكل مستمر في سوريا واستطرادا في لبنان، وذلك وسط اعتقاد هؤلاء بان هذه التطورات هي بمثابة نتيجة او ردة فعل على هذا التعثر.
ويرى أصحاب نظرية التعثر ان لها ما يثبتها ويبررها، وعلى الأخص فيما يتعلق بخطة توطين الفلسطينيين في عدد من دول المنطقة، بينما يعتقد آخرون ان واضعي الخطط الأميركية لا ييأسون بل يجانبون العوائق ويلتفون على الصعوبات تكتيا ومرحليا بالشكل الذي يخدم خياراتهم الاستراتيجية ومصالحهم في المنطقة ومن ضمنها بالطبع المصالح الإسرائيلية.
اما ابرز مرتكزات الرأي الأول القائل بتعثر الصفقة من الناحية المشار اليها، ان لم يكن فشلها كليا فهي التالية:
أولا: تم حتى الآن تنفيذ معظم ما جاء في صفقة القرن لناحية التوجهات والمصالح الإسرائيلية الأكثر حيوية، وتحديدا: القدس، المستوطنات، الاغوار، يهودية الدولة، وغيرها.
ثانيا: رفض الأردن من ناحيته التجاوب مع الصفقة او التعامل معها، واتخذ موقفا مطابقا للموقف الفلسطيني الرسمي، وذلك بالطبع حرصا على استقرار العرش الهاشمي.
ثالثا: احجمت المملكة العربية السعودية بدورها عن التعامل مع الصفقة واتخذت موقفا داعما لموقف السلطة الفلسطينية الامر الذي ترجم بشكل رسمي في قمتي الظهران وتونس، وفي منظمة الدول الإسلامية، كما في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد فشل الوصول الى مجلس الامن.
رابعا: اصر الاتحاد الأوروبي بشكل لافت على دعم الحل والتسوية على أساس خيار الدولتين.
خامسا: لم تبدل الضغوطات الأميركية على السلطة الفلسطينية موقف هذه الأخيرة، وابرز نواحي هذه الضغوطات وقف الدعم المالي لمنظمة الاونروا الامر الذي تم إيجاد بدائل له عبر الدول الاسكندينافية، الاتحاد الأوروبي، دول الخليج العربي، الصين، اليابان، ماليزيا، واندونيسيا، وان يكن على شكل تمويل مشاريع معينة وليس موازنة كاملة.
وقد تزامن النقاش الآنف الذكر بالواقع، كما التفنيد المصاحب له، مع موجة تبادل في وسائل التواصل الاجتماعي راهنا، وبشكل مقصود ربما من نواحي التوقيت والمضمون، لوثائقي أعدته احدى الوسائل الإعلامية (ABC الأميركية) تحت عنوان: "صفقة القرن".. "ترامب" اتفق مع السعودية وإسرائيل على بيع قضية فلسطين وتوطين 4 ملايين لاجئ في الأردن والعراق وسيناء" (نحيل القراء اليه). علما ان بعض المبالغين في التفاؤل من المراقبين اللبنانيين لم يلفته من هذا التسريب سوى انه لم يشمل لبنان في عداد الدول المشمولة بخطة توطين الفلسطينيين فيها، ما يراه إيجابيا، ناسيا او متناسيا ربما ما سبق لاحد مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب المحامي جيسون غرينبلات ان طرحه ومفاده الاستعداد لسداد ديون لبنان مقابل توطين الفلسطينيين، ولحسن الحظ فان هذا الطرح لم يحظ في حينه باي اهتمام يذكر.
وفي السياق عينه يسجل اجماع تحليلي لأصحاب نظرية "التجميد" لا "التعثر"، على ان الرئيس الأميركي ترامب لم يعد يصدر أي جديد بخصوص الصفقة مع دخوله في خضم التحضير لمعركة ولايته الثانية المأمولة، وان العراق ولبنان حملا مفاجأة غير محسوبة للجميع ما دفع بالإدارة الأميركية الى الاستثمار السريع في اطار الكباش الحاصل بينها وبين الجمهورية الإسلامية في ايران، من دون اسقاط فرضية ان يكون تراجع حظوظ صفقة القرن قد ساهم في تصعيد المواجهة الأميركية – الإيرانية على قاعدة تحميل طهران مسؤولية التعثر ومحاولة تحجيم دورها تمهيدا لوضع هذا المعطى على طاولة الحملة الانتخابية لادارة ترامب، الا ان ذلك برأي هؤلاء ليس العامل الوحيد بل احد العوامل العديدة المؤثرة.
ويلفت المدافعون عن النظرية نفسها الى ان الإدارة الأميركية ربطت معظم ملفاتها الدولية بفلسفة "الربح السريع"، ومن هنا اثارة أزمات مع المكسيك، كندا، الاتحاد الأوروبي، والناتو، ما لم يكن حاصلا مع الإدارات السابقة، فضلا عن تصعيد الصراع التجاري مع الصين والمواجهة مع تركيا، اما ملفات الصراع مع روسيا وايران فهي مواجهة مختلفة مع خصوم فعليين.
تستمر المسألة الفلسطينية من جهتها ملفا دائما لا حل له منذ انهيار محادثات كامب ديفيد، بحسب هؤلاء، ولذا شهدنا استعاضة أميركية مؤقتة في مراحل عدة بملفات أخرى في مقدمها ملف "الإرهاب" الذي اثير انتقاما لاحداث 11 أيلول فدفع العراق وكامل المنطقة ثمنه، بعد ان كان اجتياح أفغانستان رد الفعل الأول، ثم جاء اجتياح العراق لاعادة رسم خريطة المنطقة كلها.
وبالانتقال الى التعاطي الأميركي مع تركيا فان السماح لها بالتوغل في سوريا يرتبط أيضا بالصراع الدائر والمستمر مع روسيا وايران، وهو ليس سوى محاولة لدفع تركيا الى إعادة التموضع في مكانها الأصلي بعيدا عن موسكو وطهران، كما انه محاولة لايجاد حل للصراع الكردي – التركي بما يرضي الطرفين ويسمح لواشنطن بمواصلة إدارة الازمة السورية بالواسطة أولا وبالمباشر ثانيا.
في ظل هذه العناوين والمعطيات يطرح سؤال مركزي حول التحديات التي يواجهها لبنان في هذه المرحلة، وهذا هو الأهم، كما يطرح سؤال مرادف حول ما اذا كانت مظلة الأمان الدولية ومراعاة جانب لبنان استنادا الى التسوية التي انتجت العهد والحكومة السابقة لا زالتا قائمتين، وذلك وسط مؤشرات سلبية من شأنها التنبيه الى ان لبنان على حافة خطرة جدا ان لم يكن على حافة الانهيار، الا اذا اسرعنا في المعالجة واحسنا هذه المعالجة.
اما التحديات المقصودة فهي بايجاز التالية:
1- تحد عسكري – امني متمثل بالمناورات الإسرائيلية في المرحلة الأخيرة على الخط الأزرق، ما يفترض إبقاء العين دائما باتجاه الجنوب.
2- تحد سياسي – ديبلوماسي يترجمه عدم انسجام النظرة اللبنانية الداخلية حيال المحافل الدولية والعربية.
3- مشروع ترسيم الحدود البحرية والبرية وارتباط ذلك بملف النفط والغاز.
4- ازمة النازحين السوريين والتعقيدات المحيطة بها وسط تضارب المواقف المحلية والخارجية ازاءها.
5- موضوع اللاجئين الفلسطينيين وطروحات توطينهم في لبنان من ضمن صفقة القرن.
6- استمرار الازمة السورية وانعكاساتها السلبية على لبنان.
كل هذه التحديات في كفة بينما التحدي الاقتصادي والمالي وحده في كفة أخرى موازية، وسط توقعات ومؤشرات سلبية للغاية تجعل سبل المعالجة لمنع الانهيار صعبة للغاية وان لم تكن مستحيلة.