أكرم حمدان - نداء الوطن
كلما اقتربت نهاية ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، كلما كثرت التحليلات والإجتهادات والسيناريوات للمرحلة التي ستلي نهاية العهد مع ترجيح لأن يكون «الفراغ الرئاسي» هو المخيم على المشهد اللبناني وسط الكثير من الأسئلة حول الصيغ الدستورية الممكنة وما يقوله الدستور ونصوصه وما تؤكده التجارب السابقة التي تتجاوز الدستور في حالات عدم التوافق الداخلي والخارجي حول هوية رئيس الجمهورية المقبل.
ولعل من المفيد التذكير بالسوابق «الفراغية» التي شهدها هذا الإستحقاق وكيف كانت تنتهي بالتسويات التي تتجاوزالدستور أحيانا كثيرة كما حصل في إتفاق الدوحة العام 2008 مثلاً.
ففي 24 تشرين الثاني من العام 2007 إنتهت ولاية الرئيس إميل لحود الممددة من العام 2004 من دون إنتخاب خلف له إلا بعد نحو ستة أشهر، وهي كانت التجربة «الفراغية» الأولى في سدة رئاسة الجمهورية بعد الطائف والتي انتهت بعد أحداث دامية شهدتها العاصمة بيروت وعدد من المناطق في 7 أيار من العام 2008 تبعها إتفاق الدوحة الذي أدى إلى إنتخاب قائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، في 25 أيار 2008. وفي 25 أيار 2014 غادرالرئيس ميشال سليمان القصرالجمهوري في بعبدا، ليحلّ الفراغ في الكرسي الرئاسي لسنتين ونصف السنة حتى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول 2016. ويبدو أن تجربة الرئيس سليمان الذي دخل إلى القصر الجمهوري وغادره من دون أن يتسلم الرئاسة من أحد أو يسلمها له، ستتكررمع الرئيس عون الذي تسلم من الفراغ وسيُغادرويُسلم الفراغ.
وإذا وقع الفراغ الرئاسي الثالث، فستكون المرة الأولى التي يسجل فيها حالة كهذه أي الفراغ الرئاسي في ظل حكومة تصريف أعمال، بعدما عاش لبنان فترة فراغ ما قبل إنتخاب عون رئيساً العام 2016، وتولت حينها حكومة الرئيس تمام سلام التي كانت كاملة الصلاحيات إدارة البلاد بما فيها إصدارمراسيم كانت من صلاحيات رئيس الجمهورية.
وبمعزل عن الفرضيات الممكنة والطروحات التي يُمكن أن تبرز ومنها مطلب موقع نائب رئيس الجمهورية لتفادي تكرار حصول الفراغ، فإن الدستورحدد كيفية إنتخاب الرئيس في الأحوال العادية وفي الحالات الإستثنائية.
ففي الأحوال العادية جاء في المادة 49 «ينتخب رئيس الجمهورية بالإقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الإقتراع التي تلي».
وتدوم رئاسته ست سنوات ولا تجوز إعادة إنتخابه إلا بعد ست سنوات لانتهاء ولايته... كما أنه لا يجوز إنتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام، مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعليًا عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد».
وحددت المادة 73 المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس وفيها: «قبل موعد إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهرعلى الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشرالذي يسبق أجل إنتهاء ولاية الرئيس».
وفي الأحوال الإستثنائية، تعرض النص الدستوري للحالات التي يؤول فيها منصب الرئاسة إلى الخلو من خلال التالي:
أولا: تقول المادة 61 في حال محاكمة الرئيس: «يكف رئيس الجمهورية عن العمل عندما يتهم وتبقى سدة الرئاسة خالية إلى أن تفصل القضية من قبل المجلس الأعلى». وجاءت بعدها المادة 62 لتقول: «في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء».
ثانيا: تقول المادة 74: «إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر فلأجل إنتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون، وإذا اتفق حصول خلو الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً تدعى الهيئات الإنتخابية دون إبطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الإنتخابية».
فالمادة 62 أناطت صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء، فيما قالت المادة 74 بأن يجتمع المجلس النيابي فوراً وفق القانون لانتخاب رئيس جديد.
ما تقدم يُحدد كيفية التعامل مع حالات الفراغ الرئاسي وكيفية معالجتها دستورياً، ولكن كيف تتم المعالجة السياسية وفق التسويات الداخلية والخارجية التي تتحكم بالإستحقاق الرئاسي رغم كل الشعارات والعناوين التي ترفعها القوى السياسية المحلية؟
إتفاق الدوحة وتجاوز الدستور
شكل إتفاق الدوحة في أيار 2008 نهاية لأزمة سياسية بين الموالاة والمعارضة، استمرت 18 شهراً، وكادت تعصف بالسلم الأهلي اللبناني. وأوجد الإتفاق الذي أنجز بضمانات عربية حلا لإنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية والإتفاق على قانون إنتخابي.
ونص الإتفاق الذي تجاوز بمضمونه وعباراته كل نصوص الدستورعلى أن يدعو رئيس مجلس النواب البرلمان للإنعقاد طبقاً للقواعد المتبعة خلال 24 ساعة لإنتخاب المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية من 30 وزيراً توزع على أساس 16 وزيراً للأغلبية،11 للمعارضة، 3 للرئيس، وتتعهد كافة الأطراف بمقتضى هذا الإتفاق بعدم الإستقالة أو إعاقة عمل الحكومة، واعتماد القضاء طبقاً لقانون 1960 كدائرة إنتخابية في لبنان، ومناقشة البرلمان «للبنود الإصلاحية» الواردة في إقتراح القانون الذي أعدته اللجنة الوطنية برئاسة الوزيرالسابق فؤاد بطرس.
وأشارالإتفاق إلى أن الحوارإنطلق في الدوحة وتم الإتفاق على تعهد الأطراف بحظر اللجوء إلى استخدام السلاح أو العنف أوالإحتكام إليه فيما قد يطرأ من خلافات أيا كانت هذه الخلافات وتحت أي ظرف كان، وحصرالسلطة الأمنية والعسكرية على اللبنانيين والمقيمين بيد الدولة بما يشكل ضمانة لإستمرار صيغة العيش المشترك والسلم الأهلي، وتطبيق القانون واحترام سيادة الدولة في كافة المناطق اللبنانية، ويتم استئناف هذا الحوار برئاسة رئيس الجمهورية فور انتخابه وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وبمشاركة الجامعة العربية وبما يعزز ثقة اللبنانيين، وأشارالإتفاق إلى أن القيادات السياسية، أعادت تأكيد الإلتزام بوقف استخدام لغة التخوين أو التحريض السياسي أو المذهبي على الفور.
أليس ما تم في الدوحة نموذجاً كافياً وواضحاً لكيفية إنتخاب رئيس الجمهورية وتفادي الفراغ؟ وأين النص الدستوري في كل ما ورد في إتفاق الدوحة عندما يُسمي الرئيس الذي سينتخبه مجلس النواب بالإسم، ويُحدد طبيعة الحكومة وعدد وزرائها وكيفية توزعهم بين القوى وطبيعة قانون الإنتخاب؟؟ وكل ذلك مخالف للنص الدستوري، لذلك لا يعود مبرراً السؤال ماذا يقول النص والإجتهاد عندما تقترب ساعة التسويات أمام الإستحقاقات الكبرى كانتخاب رئيس للجمهورية ولتتواضع كل القوى والأطراف السياسية والنيابية في رفع الشعارات.