الجمهورية
أنجَز فريق العمل في صندوق النقد الدولي، المتخصّص في الوضع في المانيا، دراسة حول توقعاته لأداء أقوى اقتصاد اوروبي في السنوات المقبلة، في ظل النتائج التي تسبب بها وباء كوفيد، وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.
في بداية العام، كان الاقتصاد الألماني يُظهر علامات توحي بأنه سيتغلب على المشكلات التي حدّت من النمو في العام 2021. اذ تراجعت اختناقات العرض التي أعاقت التصنيع وانفتحت الخدمات مرة أخرى مع خروج البلاد من موجة كوفيد التي توسعت في الشتاء.
لكن، كل شيء تغيّر مع الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط 2022.
ارتفعت أسعار الطاقة وزاد التضخم، وانخفضت ثقة المستهلك، وتراجع الطلب الخارجي على الصادرات الألمانية. ردّ الاتحاد الأوروبي بحزم من العقوبات ضد روسيا؛ علقت ألمانيا الموافقة على خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 والتزمت بزيادة إنفاقها الدفاعي. وأعلنت الحكومة الألمانية بسرعة عن تدابير دعم، بما في ذلك إغاثة الأسَر الضعيفة ودعم السيولة للشركات، والتي ساعدت في تعويض بعض الآثار غير المباشرة للحرب.
خفض النمو
ناقش المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي هذا الأسبوع تدهور التوقعات الاقتصادية الألمانية والسياسات التي يمكن أن تساعد.
بعد النمو بنسبة 2.9 في المئة في العام 2021، توقّع الصندوق تباطؤ النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى 1.2 في المئة في 2022 بسبب ارتفاع أسعار واردات الطاقة وضعف ثقة المستهلك. «نتوقع استمرار الاختناقات في العرض حتى عام 2023. وهذه الاختناقات، جنبًا إلى جنب مع التأخير المعتاد في العبور من البيع بالجملة إلى أسعار الغاز بالتجزئة، تؤدي إلى انخفاض توقعاتنا للنمو إلى 0.8 في المئة فقط في عام 2023. ومعدلات النمو هذه لعامي 2022 و2023، على التوالي، 0.9 و 1.9 نقطة مئوية أقل من تلك التي توقعناها في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لشهر نيسان».
تأخذ هذه التوقعات في الاعتبار الدعم المالي الذي يستمر تقديمه للاقتصاد. ويشمل ذلك التوسع في مزايا العمل قصير الوقت، وتوسيع منح حقبة الجائحة للشركات، بالإضافة إلى 1.2 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في الإنفاق الجديد على الدفاع والمناخ واللاجئين وتدابير لمساعدة الأسر على مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة.
بلغ تضخم أسعار المستهلكين 8.3 بالمئة في حزيران. جاءت حوالى ثلاثة أخماس التضخم حتى الآن من أسعار الطاقة، لكن ضغوط الأسعار امتدت إلى سلع وخدمات أخرى، مما يعكس جزئيًا الآثار غير المباشرة لارتفاع أسعار الطاقة. «نتوقع أن يبلغ معدل التضخم 7.7 في المئة في عام 2022 قبل أن يتراجع إلى 4.8 في المئة في عام 2023 مع استقرار أسعار الطاقة. علماً انّ توقعات التضخم بعد خمس سنوات في المستقبل لا تزال راسخة بالقرب من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المئة».
ارتفعت الأجور بالساعة بنحو 3.3 في المئة سنويا منذ بداية الوباء، أي أقل من أسعار المستهلكين وقريبة من أسعار الإنتاج. بينما لا يمكننا استبعاد حدوث دوامة بين الأجور والأسعار، ولا يبدو ذلك مرجحًا في هذه المرحلة نظرًا لضعف آفاق النمو.
ان عدم اليقين حول هذه التوقعات مرتفع للغاية. يتمثّل التهديد الأكبر لهذه التوقعات الاقتصادية في القطع المستمر والكامل لصادرات روسيا من الغاز إلى ألمانيا وأوروبا على نطاق أوسع. ويشير تحليلنا لسيناريو الاتجاه الهبوطي هذا إلى أنه قد يقلّل من النشاط الاقتصادي الألماني ويرفع التضخم بكميات كبيرة.
تأمين الانتعاش
لمواجهة هذه المخاطر المتزايدة، يجب أن تكون السياسة المالية مَرنة وجاهزة لتقديم المزيد من الدعم للأسَر الضعيفة إذا تدهور الوضع. في سيناريو هبوط حاد مع نقص الغاز وارتفاع تكاليف مستهلكي الغاز، قد يكون تأجيل العودة إلى قاعدة فرملة الديون ضرورياً للحكومة لتكون قادرة على تحمل المزيد من الاقتراض لدعم الاقتصاد.
اتخذت الحكومة خطوات مهمة لتعزيز أمن الطاقة، بما في ذلك تمويل المحطات العائمة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، ومطالبة المشغلين بملء مرافق تخزين الغاز، وتوسيع مجموعة أدواتها للسلطات القانونية الطارئة. يمكن أن تشمل الجهود الإضافية لتعزيز أمن الطاقة حوافز مالية لتقليل استهلاك الغاز وتكثيف التعاون داخل الاتحاد الأوروبي في شأن خطط الطوارئ.
تخلق الحاجة إلى تعزيز أمن الطاقة فرصة لألمانيا لبناء اقتصاد أنظف، وأقل اعتمادًا على الوقود الأحفوري. هناك حاجة ماسة إلى دفع الاستثمار العام الأخضر لحشد الاستثمار الخاص في التقنيات النظيفة مثل الطاقة المتجددة.
يختم تقرير فريق صندوق النقد بالقول: لقد نجح القطاع المالي الالماني في تحمّل الظروف الصعبة بشكل جيد حتى الآن، ولكن هناك نقاط ضعف، خصوصا في أسواق الإسكان والطاقة. وكانت أرباح البنوك منخفضة لسنوات عديدة. لذلك، من المهم مراقبة حساسية الميزانيات العمومية للبنوك للمخاطر المتطورة، وتعزيز هوامش البنوك الوقائية بحسب الحاجة.