أنطوان الأسمر
فيما تزيد وتيرة مطالبة المجتمع الدولي بالإسراع في تشكيل حكومة، يتعامل عدد من المسؤولين ببرودة لافتة مع ملف التأليف، ربطا برغبتهم في تكريس التعطيل وتحويل النقاش السياسي تدريجيا صوب استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ولا يخفى أن العواصم المعنية أبدت إنزعاجها من المراوحة الحكومية، في حين نقل المنسق الخاص للمساعدات الدولية للبنان السفير بيار دوكان إلحاحا فرنسيا بضرورة تأليف حكومة جديدة تبادر فورا الى إقرار الإصلاحات المالية كمدخل إلزامي لأي إتفاق مع صندوق النقد الدولي. ولاقت واشنطن هذا الموقف الفرنسي بتأكيد وزارة الخارجية ضرورة "تشكيل حكومة قادرة وملتزمة بتنفيذ الإصلاحات واستعادة ثقة الشعب اللبناني".
الموقفان الفرنسي والأميركي لن يحلا بالطبع بردا وسلاما على رئيس الحكومة الملف نجيب ميقاتي وراعيه السياسي، بالنظر الى الرغبة الواضحة في تعطيل التأليف توكيدا لمسار تصفية فكرة الرئيس القادر والأكثر تمثيلا في بيئته. وهذا المسعى لا يخفى على أحد، ويرمي في النهاية الى العودة الى الرئيس الوسطي، أو الرئيس – الدمية الذي يُراد له أن يكون ألعوبة في يد المنظومة الحاكمة للدولة العميقة، ويمكّنها من العودة سنوات الى الوراء، الى حيث كانت تلك المنظومة تتمتع بالسطوة الكاملة غير المنقوصة على مقدرات الدولة وخزائنها ومواردها.
أدى هذا المنحى التهشيميّ لدور رئاسة الجمهورية وصلاحياتها وموقعها المركزي، والراغب في إعادتها مجرّد منفّذ لمصالح الدولة العميقة، الى إنطلاق نقاش مسيحي في الغرف المغلقة يهدف الى التوصل الى برنامج عمل مضاد يطيح بما تخطط له المنظومة من افتئات على الرئاسة برمزيتها المسيحية والوطنية والمشرقية.
وثمة خلاصات أولية، غير نهائية بعد، أنتجها النقاش المفتوح على مصراعيه، تُظهر أن الحجر الأساس في وأد مسعى العودة الى الرئيس – الدمية يكمن في تكاتف الجهود المسيحية من أجل الإتفاق على رئيس للجمهورية منبثق من رحم التمثيل الشعبي للمسيحيين.
ويتأكد من الخلاصات أن الأهم راهنا وضع بروفايل للرئيس القادر على تحقيق التوازن اللازم وفق برنامج حكم واضح وصريح، وهو مسار سيؤدي فور تحققه الى تثبيت فكرة الرئيس القوي المتحصّن بغطاء بيئته والقادر على تنفيذ برنامج الحكم الذي يحمله، وعلى أساسه سيُنتخب. ويلي التوافق على البروفيل بدء البحث في الأسماء التي تتناسب وهذا البروفيل والمشهود لها بالنزاهة والقدرة على الإلتزام. ولا يخفى ان المهمة صعبة بالنظر الى أن تجارب الماضي لا تترك الأثر الطيب، وتؤشر إلى أنه ليس من السهل الوقوع على الشخصية الرئاسية التي تتوافق ومتطلبات المرحلة وتثبت قدرتها على إلتزام برنامج العمل الذي على أساسه جرى منحها غطاء الشرعية المسيحية.
وتأخذ الخلاصات في الإعتبار إمكان أن تُرجأ الإنتخابات الرئاسية تقنيا لأشهر قليلة- بالتوافق المحلي والخارجي- في حال كان لا بد من ملاقاة الدينامية الحاصلة في الإقليم التي ترمي راهنا الى تكريس اتفاقات سياسية ونووية. ذلك أن التوافق الإقليمي يريح الوضع اللبناني ويفرض واقعا مغايرا لما يسعى إليه حكام الدولة العميقة، وهو بطبيعة الحال واقع سيتغيّر كليا في حال الذهاب صوب نزاع أو حتى تصعيد غير محمود نتيجة تعطّل الحلول والاتفاقات.
وتُقرأ في هذا السياق التوافقي القمة الأميركية – الخليجية في جدة وجهود واشنطن لترتيب الأوراق مع حلفائها في المنطقة تمهيدا للإتفاق النووي، وكذلك مجموعة الحوارات الحاصلة، وخصوصا تلك السعودية – الإيرانية، والسعودية – السورية، والأميركية – الإيرانية.
لكل ذلك من الحكمة بمكان أن ينصرف اللبنانيون إلى ترتيب أوراقهم والانخراط في مسار حواري جدي يمكّنهم من ملاقاة دينامية الحلول في الإقليم، بدءا من الإتفاق النووي، وليس إنتهاء بتضميد الجراح العربية وإنهاء النزاعات والحروب، بمل يكرس عودة سوريا أو إعادتها، وإنهاء الحرب في اليمن، كل ذلك في إطار الجهود الرامية الى إعادة تطبيع العلاقات العربية البينية.