زينب حمود - الأخبار
تصديقاً لما يقوله المثل الفرنسي: «من يدفع يأمر»، لا يهضم بعض الرجال فكرة أن تتقاضى المرأة راتباً يفوق راتبهم فتصبح هي المعيل الأساسي للعائلة. يجدون في الأمر انتقاصاً لرجولتهم، فتثور حساسيتهم، وأحياناً نقمتهم، وقد يخلّف ذلك آثاراً جسيمة على العلاقة الزوجية ما لم يتنبّه الطرفان إلى ضرورة تقطيع هذه المرحلة بأقلّ خسائر ممكنة
ليس عمل المرأة جديداً، ولا حتى مشاركتها في مصروف العائلة جنباً إلى جنب مع الرجل. لكن الأزمة الاقتصادية بدّلت كثيراً في اقتصاد العائلة، فحرمت رجالاً من عملهم وسحقت رواتب آخرين، ومن جهة ثانية أحدثت هوّة بين رواتب دولارية أو رواتب مصحّحة وبين رواتب متدنية بالليرة اللبنانية كانت الكفّة الرابحة فيها للمرأة في بعض الأحيان.
لم يكن سهلاً على الزوجين أن تتحوّل المرأة إلى معيل أساسي، حيث يُعدّ الرجل مصدر الإعالة للأسرة فيما يكون عمل المرأة مكملاً لعمله إن لم يكن هامشياً. ويعود ذلك، بحسب الباحثة والمستشارة في شؤون المرأة والجندر عزة بيضون، إلى «الهوية الجندرية المرسّخة للرجل التي تقوم على ركن أساسي هو الإعالة، بينما في الواقع هذا غير صحيح، فالمرأة هي مساهمة أساسية في مصروف العائلة منذ فترة طويلة».
وتُشير بيضون إلى خلفية أيديولوجية لهذه العقلية، «فالدين الإسلامي يقول إن الرجال قوّامون على النساء، ويفسّر الرجال ذلك كما يحلو لهم خاصة عندما يسمعون من رجل ذي سلطة دينية أن المرأة ليست مجبرة على المشاركة في مصروف المنزل، وإذا فعلت تنال حسنة أما إذا عايرت الزوج فتخسر الحسنة وتحاسب. يختلف الأمر بعض الشيء لدى الديانة المسيحية، حيث تراجعت مقولة إن الرجل رأس المرأة، وظهرت مساع للمساواة بين الجنسين حتى صار الرجل يهدّد الزوجة بأن يشكوها للخوري إذا بخلت على عائلتها بما تملكه».
رجولة مبتورة؟
لطالما اعتبر الموظف في القطاع العام حسين أنه المسؤول عن تأمين كامل احتياجات العائلة، وما تجنيه زوجته من عملها في إحدى الشركات الخاصة هو حقها و«إذا ساهمت في المصروف أعيده إليها». مع الأزمة الاقتصادية صحّحت الشركة راتب زوجته و«دولرته» حتى صارت تتقاضى 12 مليون ليرة و300 دولار شهرياً فيما «الدولة عالقة في عام 2019 ولم تلحظ الانهيار الحاصل فتعطيني مليونين ونصف المليون ليرة وهي فعلياً كلفة النقل إلى العمل». لذا، لم يعد حسين يقوى على هذا «الحِمل» وحده وصارت زوجته هي المعيل الأول والأساسي للعائلة، ما «يشعرني بالضيق والعجز رغم أنها لم تشعرني بذلك أبداً، لا بكلمة ولا بتصرّف». حال زميله في العمل سعيد أسوأ بكثير. فالأخير يمتعض من الهوة التي باتت موجودة بين راتبه وراتب زوجته. يروي حسين كيف يبقى زميله «مهموماً ويدخّن بشراهة كما لو أنه يفشّ غلّه في غليونه»، مردّداً: «كيف أنظر إلى وجهها وهي التي تصرف عليّ، أشعر أنني المرأة وهي الرجل». ينقل رغبته في أن يطلب منها ترك عملها «ليُعيد رجولته المبتورة» ثم يستدرك: «لكن كيف سنعيش؟».
العلاقة الزوجية
بعيداً عن الآثار النفسية لتراجع قدرة الرجل المادية و«عجزه» عن تأمين احتياجات عائلته، تتأثر بعض العلاقات الزوجية بانتقال مسؤولية الإعالة من الرجل إلى المرأة. في دراسة نوعية للعنف الأسري أعدّتها بيضون على 11 رجلاً مارسوا العنف على زوجاتهم، هم الآن في السجن أو يتلقون العلاج النفسي، تبيّن أن «10 منهم يعنّفون نساءهم لأنهم يشعرون بانتقاص رجولتهم بعدما تدهورت أوضاعهم المادية». وهذا يعبّر عن حالات قصوى، لكن الحالات الشائعة، والتي لا يمكن تعميمها، يسود فيها التوتر على العلاقة الزوجية، ما «يشير إلى خلل سابق في العلاقة وجد في الأزمة مجالاً ليعبّر عن نفسه». وتدعو بيضون في هذا الإطار إلى التضامن بين الشريكين خلال الظروف الصعبة التي يمرّان بها، داعية الزوجة إلى «عدم إشعار الزوج أنها أفضل منه».
ما إن لاحت الأزمة الاقتصادية ،حتى صُرف مازن، الخمسيني، من عمله في معمل لتصنيع الأحذية وأوكل إلى زوجته تحمّل المصاريف كافة. «فجأة تفاخرت بانتقال السلطة إليها ولم تعد تحترمني، أكثر من ذلك صارت تحاسبني إذا قصّرت في الأعمال المنزلية ولا توفر فرصة لتخبرني أنها هي التي تصرف على البيت»، كما يشكو. ساءت علاقتهما الزوجية وكادت تصل إلى الطلاق لو لم تتدخل العائلة. بعدها، وجد مازن عملاً آخر وعادت المياه إلى مجاريها، «لكن ما حصل ترك ندوباً لن تزول أبداً»، يقول.
والزوجة أيضاً تعاني
صحيح أن انتقال مسؤولية تسيير شؤون العائلة المادية من الرجل إلى المرأة وتحوّلها إلى المعيل الأول يثير حساسية الرجل ويضغط عليه، إلا أنّ ذلك لا يرحم النساء أيضاً اللواتي يجدن أنفسهن بحاجة، إضافة إلى العمل، لمراعاة مشاعر الزوج والانتباه إلى أدقّ تفصيل في العلاقة. تشكو سهام من عصبية زوجها المفرطة وحساسيته المستجدّة، لافتة إلى أن «الطلبات والتعليقات ذاتها التي كنت أقولها له قبل أن يحصل هذا التفاوت بين راتبينا لم تكن تسبّب أي مشكلة، لكنه اليوم يراها إهانة ويقابلها دائماً بالإجابة نفسها التي حفظها غيباً: عم تربحيني جميلة لأنك عم تصرفي ع البيت!».
لطالما كانت عبير المساهم الأساسي في تأمين مصاريف العائلة، إلا أن زوجها كان مساهماً معها أيضاً وكانا يتقاسمان الأكلاف المادية بشكل متساو بينهما قبل أن تسحق الأزمة الاقتصادية راتب الزوج، وتُحدث فجوة كبيرة بين راتبيهما. لم يعد بإمكانه غير تسديد فاتورة اشتراك الكهرباء، فيما تتحمّل عبير كل المصاريف الأخرى من أجرة منزل وكلفة طعام والأقساط المدرسية للأولاد وغيرها... ورغم أن «الفكر الذكوري القائم على أساس أنا رجال البيت لم يسيطر على علاقتنا منذ بداية الزواج» إلا أنها تلاحظ أنه مكبّل ويشعر بالضعف إزاء ذلك. «تنبّهت للأمر، وصرت أضع راتبي كلّه أمامه» بعدما كان يبقى في محفظتها، «في إشارة إلى أن هذا الراتب لكلينا فلا يسألني عندما يحتاج إلى المال».