محمد علوش - الديار
كما كان متوقعاً تعرضت خطوة حزب الله التي تضمّنت تحليق المسيرات فوق حقل كاريش الى انتقادات واسعة من الأطراف اللبنانية نفسها التي استغلّت صمت «المقاومة» في ملف ترسيم الحدود، لتنتقدها وتتهمها ببيع الحدود ونسيان القضية، حتى ذهب البعض الى حدّ التبرؤ من هذا الفعل، ربما خوفاً من الموقف الأميركي الذي لطالما كان يشغل بال هؤلاء أكثر من المصلحة اللبنانية.
لم تنتظر المقاومة «إجماعاً» لبنانياً حول عملها المقاوم، رغم أن ملف ترسيم الحدود كان يشكل فرصة للوصول الى مثل هذا الإجماع، لكن تبيّن أن البعض ينادي بحفظ حقوق لبنان، لكنه يرفض فعل أي أمر يصب في هذه الغاية، وكأن الحقوق تُحفظ بالدعاء والكلام فقط.
لطالما أبلغت المقاومة المعنيين بملف التفاوض حول الحدود ضرورة استثمار «ورقة القوة» التي يملكها لبنان، ومن كان لديه الشكوك بورقة القوة هذه لا بد أن يتخلى عن شكوكه بعد الرسالة التي أرسلتها المقاومة الى الاطراف المعنية بهذا الملف.
من الناحية المبدئية، من الضروري التوقف عند توقيت الرسالة قبل مضمونها، فهي تأتي في الوقت الذي كانت فيه المعلومات تتزايد عن أن الجانب اللبناني تلقى، عبر الوسيط الأميركي والسفيرة الأميركية في بيروت، ما يمكن وصفه بالرد الأولي على الطرح الذي كان قد سلمه.
في المقابل، كان العدو الإسرائيلي يحاول الاستفادة من تراجع لبنان عن الخط 29، من أجل التأكيد على أن حقل كاريش بات خارج المناطق المتنازع عليها، أي أنه يريد أن يسحب من بيروت ورقة تفاوض قوية، بعد أن كان قد تلقى، في الفترة الماضية، العديد من الإشارات التي تقوم على أساس معادلة: ممنوع الاستخراج من كاريش قبل الوصول إلى اتفاق مع لبنان.
بناء على ما تقدم، أعادت رسالة المقاومة تذكير العدو الإسرائيلي، بأن الطرح اللبناني متكامل، وبالتالي لا يمكن أن تأخذ تل أبيب منه ما يصب في مصلحتها، مقابل تجاهلها باقي الطرح، الأمر الذي من المفترض أن يدفعها إلى إعادة درسه بشكل كامل، خصوصاً أن لا مصلحة لديها بالذهاب إلى تصعيد في هذا التوقيت، الأمر الذي يبرر مسارعة الجانب الأميركي إلى إطلاق مروحة واسعة من الاتصالات لاحتواء الموقف، وبالتالي ما على الجانب اللبناني الرسمي سوى الاستفادة من الواقع الجديد واستثمار «رسالة المسيرات»، وهو ما لم يفعله وزير الخارجية الذي تمنى لو لم تحصل خطوة المقاومة.
بالنسبة إلى موقف وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب، فإن الكثير من علامات الإستفهام من المفترض أن تُطرح حوله، لا سيما أن الرجل كان قادراً على الهروب من الجواب عن الســؤال بأكثر من طريقة، خصوصاً عبر التركيز على الخروقات الجوية الإسرائيلية المتكررة للأجواء اللبنانية، كذلك يمكن قراءة الموقف الذي تلى اجتماع بو حبيب ونجيب ميقاتي، حيث لم يكن أفضل المتفائلين يتوقع موقفاً رسمياً يتبنى العمل المقاوم، لكن ذلك لا يعني أن لبنان الرسمي المفاوض لن يستفيد من خطوة المقاومة.
من الناحية الرسمية فالموقف النهائي المهم هو ذلك الذي يصدر عن رئيس الجمهورية ميشال عون، على اعتبار أنه الجانب المعني بالمفاوضات، وهنا يمكن للرئيس أن يستفيد من المستجدات ليؤكد للمفاوض الاميركي أن تحذيراته التي نقلها له خلال اللقاءات في بيروت كانت واضحة ويُفترض التعامل مع الموقف اللبناني بكثير من الجدية، فلبنان يريد تثبيت معادلة «لا غاز من كاريش قبل الترسيم»، والمسيرات جاءت لتخدم هذه المعادلة.
بحسب المعلومات فإن آموس هوكشتاين زار لبنان مؤخراً ولديه سؤال أساسي: ماذا عن تهديدات حسن نصر الله؟ وقد سمع أجوبة واضحة بهذا الخصوص تقول ان لبنان يريد للمفاوضات أن تستمر وتنجح، لكن المماطلة تعني انتقال الصراع من طاولة التفاوض الى مكان آخر. ربما لم يصدق هوكشتاين أن لبنان «الجريح» قد يتجه الى المواجهة، لكنه اليوم بات مقتنعاً بذلك، وهنا يأتي دور المفاوض لاستكمال التفاوض بدءاً من هذا الواقع الجديد.