نداء الوطن
أكبر من مداهمة وأدق من خطةٍ أمنية ما يحدث في حي الشراونة في بعلبك منذ صباح يوم الجمعة، حيث لا تهاون أو تراجع عن الهدف الذي وضعه الجيش في اجتثاث بؤر صناعة الموت وتصنيع المخدرات.
لم يسبق أن اتخذ الجيش اللبناني إجراءات عسكرية كهذه على مرّ الخطط الأمنية التي نفذت في بعلبك الهرمل، أو خلال المداهمات التي كانت تستهدف المطلوبين على أنواعهم من تجار مخدرات وممن يشكلون عصابات خطف وسرقة، أو متهمين بجرائم قتل طالت مدنيين وعسكريين، غير أن تسارع وتطور الأحداث في المنطقة أخيراً واهتزاز أمنها، وبعدما أصبحت هيبة الدولة على المحك ونادى أبناؤها بالأمن الذاتي لحماية أنفسهم وعائلاتهم، وتحت ضغط القرارات المحلية والإقليمية في القضاء على صنّاع الموت ومن يشكلون بسمومهم خطراً يتخطى الحدود والحواجز، جاء القرار بالقضاء على تلك المظاهر جميعاً.
شكّل حي الشراونة منذ عقدين وأكثر حالةً استثنائية في مدينة بعلبك، حيث ضمّ عائلات عديدة أبرزها جعفر وزعيتر، وكان حاضنة لعدد كبير من المطلوبين وتعرض مرات ومرات لعمليات دهم أسفرت عن توقيف بعضهم ولم توفق في أوقاتٍ أخرى، وما بينها سقوط شهداء للمؤسسة العسكرية والقوى الأمنية الأخرى كان آخرهم الرقيب زين العابدين شمص وقد شيع في بلدته بوداي عصر يوم السبت. ومع كل مداهمة وسيلان دم يُفتح باب الثأر وخصوصاً إذا كانت الضحية ابن العشيرة وسقط بنيران الجيش أثناء المداهمة، ما يفتح باب التساؤلات عن هذه العادة في ظل سقوط عسكري ابن عشيرة على يد مطلوبين من أبناء عشيرةٍ أخرى: هل سنكون أمام عملية ثأر جديدة؟ سبق ذلك سقوط شهداء مدنيين جرّاء السلاح المتفلت بيد أبناء العشائر والعائلات كاد يؤدي الى فتنةٍ مذهبية، وتالياً الاشكالات المتنقلة وإطلاق الرصاص والقذائف والخوات وما الى ذلك من أمور طُبعت باسم الحي الذي يقطنه كثيرون من أصحاب المواقف والمبادئ وغير المعنيين بالمشاكل وتجارة المخدرات.
تمكن علي منذر زعيتر الملقب بـ"أبو سلة" من الهروب خلال عملية الدهم التي طالته وأسفرت عن إصابته وتوقيف مساعديه وعدد من المطلوبين إضافة الى استشهاد وجرح عسكريين، وعلى عكس المرات السابقة التي كانت تنتهي بها المداهمة بمصادرة ممنوعات وأسلحة وعودة القوة المداهمة الى مركزها والإبقاء على الحواجز التي يقيمها الجيش اللبناني منذ سنوات على مدخل الحي الشمالي لجهة محلة التل الأبيض، وآخر عند مدخل الشراونة الشرقي قرب مطعم السندباد حيث وقع الإشكال منذ اسابيع وسقط خلاله شهيدان من عائلتي الرفاعي وبيان، إضافة الى حاجز يقع في نصف الحي، استكمل الجيش اللبناني ما بدأه منذ صباح الجمعة، حيث عمل على تمشيط محيط منزل "أبو سلة" وقام بتفتيش كافة المنازل المحيطة، كذلك عمل على هدم الديوانية التي كان يقيمها "أبو سلة" لترويج وبيع المخدرات، وهدم عدد من ديوانيات مطلوبين أبرزهم نوح زعيتر حيث اعترضت طريقه مجموعة من النسوة في محاولةٍ لمنعه.
وعلى خط ملاحقة "أبو سلة" وسّع الجيش مروحة مداهماته حيث نفذ عمليات تفتيش في بلدة دار الواسعة التي يقطنها آل جعفر بعد ورود معلومات عن لجوء علي منذر زعيتر إليها من دون أن يجده، وبعد القبض على الشخص الذي ساعده في تضميد جروحه ومعاينته، فيما استمرت عملية إغلاق منافذ الحي كاملة وسط تحليق طائرات مروحية تابعة للجيش لمراقبة الحي وتحديد أماكن المطلوبين التي فرّوا اليها.
فوج المغاوير على الخط
=ومنذ صباح أمس دخل فوج المغاوير على خط المداهمات، حيث نفذت وحدات كبيرة منه عملية انتشارٍ واسعة داخل حي الشراونة وبدأت عمليات الدهم والتفتيش لمنازل المطلوبين وأسفرت عن توقيف بعض الأشخاص ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمخدرات إضافةً الى مصانع ومعدات لتصنيع حشيشة الكيف والكبتاغون. كذلك وقع اشتباك بين قوة من الجيش اللبناني ومطلوبين في بلدة جبعا البقاعية إثر معلومات عن وجود "ابو سلة" هناك، أسفرت عن جرح ثلاثة عسكريين إصاباتهم طفيفة نقلوا على أثرها بطوافة عسكرية الى أحد مستشفيات المنطقة للمعالجة، فيما لا تزال الإجراءات العسكرية وعمليات التفتيش التي يقوم بها الجيش مستمرة الى وقت غير محدد.
العملية مستمرة
وفي هذا الإطار، أشارت مصادر معنية لـ" نداء الوطن" الى أن العملية الامنية التي تجري في حي الشراونة في بعلبك مستمرة حتى تحقيق هدفها، وهي ستتوسع وفق مقتضيات المهمة التي جاءت من أجلها، إضافة الى حملها أكثر من رسالة وفي أكثر من اتجاه، والجيش هذه المرة لن يتوانى عن توقيف كبار المطلوبين مهما كان الثمن"، مضيفةً "أن عمليات الدهم كانت لتجار المخدرات لكن الرسالة وصلت الى كافة المطلوبين والى من يدفع باتجاه إخلال الأمن في بعلبك الهرمل ولا خيمة فوق رأس أحد، والعملية الأمنية ستؤتي ثمارها في بعلبك قريباً والناس سيلمسون ذلك بأيديهم، فالأمن خطٌ أحمر وسيعود الى يد الجيش والقوى الأمنية".