عبدالله قمح - الأخبار
فجر أمس، وصلت سفينة استخراج الغاز الطبيعي المسال وتخزينه، التابعة لشركة «إينرجيان» اليونانية، إلى حقل «كاريش»، ورست في الجزء الجنوبي من الحقل، من دون أن تتجاوزه بعد إلى الجزء الشمالي الواقع داخل الخط 29 الذي يعدّه لبنان خطاً تفاوضياً، وكل ما يقع داخله مناطق متنازعاً عليها. لذلك، فإنّ التحدّي الأساس هو في كيفيّة مقاربة الجانب اللبناني لاستحقاق قرب بدء حفر البئر KN-01 داخل هذا الخط شمال «كاريش»، وهو الخطوة التالية بعد وصول السفينة، وكيفية التعاطي مع إعلان تل أبيب نيّتها إطلاق دورة التراخيص الجديدة عن الغاز في البحر المتوسط المؤجّلة منذ عام 2020، إذ يرجّح خبراء أن تشمل هذه الدورة بلوكات غازية متنازعاً عليها بحكم وجودها داخل الخط 29، ما يعني، بحسب مصادر معنيّة لـ«الأخبار»، أنّ العدوّ عازم على استغلال التخبّط اللبناني إلى الحدّ الأقصى، لاستئناف مسار وضع اليد على المكامن الخاصة بلبنان أو المشتركة معه، وليس في وارد انتظار نتائج مسار المفاوضات غير المباشرة المتوقفة منذ أشهر.
ورغم أن لا تقديرات حتى الآن، لدى الخبراء الذين تحدّثت إليهم «الأخبار»، تحسم وجهة دورة التراخيص الإسرائيلية، لكن ربطاً باهتمامها البالغ بالمنطقة المحاذية للبنان ومحيط «كاريش»، يرجّح بقوة أن تشمل البلوكات: 4 و5 و6 و7 و8 و13 و14 و15 و16 و71 و72. وفي ما يعني لبنان، يقع كل من البلوكات 4 و7 و8 و15 و16 و71 و72 ضمن الخط 29 الذي صنّفه الفريق العسكري التقني المفاوض على أنه سقف للحدود اللبنانية. وللبلوك 72 أهمية خاصة، إذ إنه ملاصق للخط 23 ويقع بمجمله داخل الخط 29، وهو يضمّ القسم الجنوبي من «حقل قانا» اللبناني. وفي حال ذهاب العدوّ نحو تلزيم «البلوك 72»، يكون قد نجح عملياً في سلب لبنان نقطة قوة. إذ إنه إضافة إلى نزع الأفضلية والأسبقية، يكون قد جعل من «حقل قانا» بأكمله منطقة نزاع، ما يعرقل خطط لبنان للاستكشاف والتلزيم مستقبلاً.
ولا تنحصر المخاطر الإسرائيلية على الحقوق اللبنانية في «البلوك 72»، إذ إن البلوكين 4 و7 يقعان بمحاذاة «البلوك 8» اللبناني غير المكتشف بعد. وكان الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين قد طرح خلال زيارته الأخيرة لبيروت في شباط الماضي منح لبنان الخط 23 معدلاً، يقضم جيباً إلى الجنوب من «حقل قانا» ثم ينحني باتجاه «البلوك 8» ويأخذ مساحة شاسعة منه.
وقد تزامن اقتراح هوكشتين مع ضمّ العدوّ البلوكات المحاذية للبلوك 8 اللبناني إلى دورة التراخيص، ما يقود الى تفسير واحد، وهو أن لدى العدوّ مسوحات تؤكد وجود مكامن غازية محتملة فيه، ما يفسر اهتمامه بقضم جزء منه. ولاحقاً، سيكون بمقدور تل أبيب التسلّل إلى البلوكات اللبنانية ما سيخوّلها إعادة تسويق نظرية «الاستفادة من المكامن المشتركة».
وفيما يتحبّط لبنان الرسمي في مقاربة هذا الملف، يتقدم العدوّ نحو توقيع عقود طويلة الأمد مع دول أوروبية لتصدير الغاز إليها من حقول جنوب المتوسط، بالشراكة مع مصر، وقد شُكّل فريق أوروبي – إسرائيلي لوضع إطار سياسي بالتنسيق مع القاهرة من أجل ضمان تدفق الغاز إلى «القارة العجوز» خلال 18 إلى 24 شهراً على أبعد تقدير، على أن يوكل إلى القاهرة مهمة تسييل الغاز الإسرائيلي من خلال مصانع شركة «إدكو» في دلتا النيل.