صفاء درويش
وضوح وحنكة سياسيّة، تمكّن وليد جنبلاط من الإتيان بكتلة أعادته «بيضة القبّان» داخل مجلس لا أكثرية واضحة فيه، ولا أقليّة. مجلس موسمي يقوم على مقاربة كل ملف بملفه، يراه البعض مجلس تعطيل، ويعتبره آخرون أنّه مجلس حلّ.
قبض جنبلاط على التّمثيل الدرزي في الشوف، أسقط وئام وهّاب بتحالفاته السياسيّة، وجيّر جزءًا من أصواته بتعميم على المغتربين لمصلحة مارك ضو، من أجل إسقاط طلال ارسلان في عاليه، ووجّه رسائل في كلّ اتجاه، أنّه من بيروت إلى حاصبيا يمكنه أن يتحكّم بمسار اللعبة.
«بيضة القبّان» التّي أعاد جنبلاط تغليفها مجدّداً، تطلّ اليوم ببعدين أساسيين:
ـ البعد الأوّل يتمثّل بتثبيت زعامة نجله تيمور، وإدخاله فعليًا إلى الحياة السياسيّة بأوراق قويّة تثبّت حضوره وتشبه انطلاقة والده من حيث التمثيل الدرزي الجامع.
ـ البعد الثاني، وهو قدرة جنبلاط على لعب دورٍ أساسي في المرحلة المقبلة، يمكن من خلاله إعادة المناورة على أكثر من صعيد، بهدف فرض نفسه على حلفائه وخصومه، كاللاعب الأقوى والأكثر تأثيرًا في الاستحقاقات المقبلة.
أجواء «اللقاء الديموقراطي» وتموضع جنبلاط السياسي وعلاقته التاريخيّة برئيس المجلس النيابي نبيه بري، تشير في وضوح الى وجهة «الحزب التقدمي» لجهة انتخاب رئيس المجلس النيابي، وهذا أمر لا يحتاج لا إلى نقاش ولا حتّى إلى إعادة تقييم تبعًا للمتغيّرات التي طرأت على المرحلة. فالعلاقة بين جنبلاط وبري هي من الأساسيات، ولا يمكن للأول مهما عصفت رياح المتّغيّرات أن يحرج حليفه الأساسي بأصواتٍ ضئيلة تُضاف إلى التراجع في أصوات بري في مجلس 2022.
أمّا في ما يخص الاستحقاق الذي ينتظر اللبنانيين ما بعد انتخاب رئيس المجلس النيابي، وهو تسمية رئيس جديد للحكومة، فتجزم المعلومات أنّ جنبلاط سيذهب نحو خياره بتسمية الرئيس المقبل للحكومة عبر توازن سيحيكه بنفسه، ليسير بالخيار السعودي من جهة وليراعي رغبة الرئيس سعد الحريري وعدم ممانعته في التسمية من جهة أخرى.
وبحسب شكل المجلس النيابي، وإن ذهبت الأمور إلى توافق وتحالف بين كتل «التغيير» و«القوات اللبنانية» و«الكتائب» والمستقلّين الذين ينتمون إلى المعارضة، يصبح موقف كتلة «اللقاء الديموقراطي» هو من سيحدّد اسم رئيس الحكومة، وبالتالي يمكن القول إنّ رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» هو من سيحدّد اسم رئيس حكومة لبنان المقبل.
بالطبع يأتي هذا إن سلّمنا أنّ النيات ستكون صافية لجهة اختيار حكومة تقود البلاد في ظلّ الأزمة التي تشتد يومًا بعد يوم.
وفي ما يخصّ انتخابات الرئاسة، تؤكّد مصادر «اللقاء الديموقراطي» أنّ هذا الأمر يُدرس في حينه بالتشاور بين جميع اللبنانيين، من دون استبعاد ان يكون عمر الفراغ طويلًا، وأنّ هذا الأمر سيكون وليد تقاطعات اقليميّة تتوقّف على مسار التسويات في حينه، وأبرزها الاتفاق النووي الإيراني، والتقارب الخليجي ـ السوري، والذي يُحسن جنبلاط عادةً قراءته.
بفعل القانون النسبي خسر جنبلاط عام 2018 قدرته على إحداث الفارق، نسبةً لمتغيّرات عدّة، أبرزها عدم القدرة على فهم القانون الانتخابي في الشكل المطلوب، إضافةً إلى تصاعد أسهم فريق الثامن من آذار نتيجة معارك الجرود، وكذلك التسوية الرئاسية التي أنتجت تحالفًا بين بعض حلفائه وبعض خصومه.
هذه المرة استفاد جنبلاط واستثمر بدقّة وجود التغييريين، ليلعب لعبة الأصوات التفضيلية التي غيّرت كثيراً، إضافةً الى جهد بذلته ماكينته الحزبية في الاغتراب.
نجح جنبلاط في تعويض انكفاء تيار «المستقبل»، وخرج وحده رابحًا في بيروت، بعدما صبّت جهود الرئيس فؤاد السنيورة في الحصول على حاصل واحد لمصلحة جنبلاط!
عاد جنبلاط ليشكّل اليوم «بيضة القبّان»، في مرحلة هي الأصعب في تاريخ لبنان، فمن سيسارع إلى استمالته؟ وهل سيشكّل جنبلاط مع آخرين محور مواجهة؟ أم أنّ مقاربته ستكون عالـ«قطعة»؟
الواقع يقول إنّ المرحلة تتطلّب الحكمة في مقاربة أي ملف.