رنى سعرتي
أثار قرار وزير الاقتصاد حصر إنتاج الطحين بالفئة المخصصة لصناعة الخبز العربي فقط، امتعاض الافران التي لن تتمكن بعد الآن من استخدام القمح المدعوم في صناعة الخبز الفرنجي والمناقيش والحلويات، ممّا سيترتب عن ذلك استيراد قمح غير مدعوم لإنتاج تلك الاصناف، ويحتّم رفع اسعارها بشكل اضافي لتصبح منقوشة الزعتر، على سبيل المثال، بحوالى 40 الف ليرة!
عندما تُباع ربطة الخبز في السوق السوداء ويلجأ السكان الى مصادرة فانات الافران للاستيلاء على ربطات الخبز من داخلها، بالقوّة، فاعلم انّ البلاد وصلت الى القعر وان الانهيار الاقتصادي بلغ ذروته! هذا ما حصل امس في النبطية في سابقة خطيرة، حيث أقدمت عائلات سورية في ساحة كفرجوز على الاستيلاء على اكثر من عشرين ربطة خبز من سيارة فان تابعة لأحد الافران في الجنوب.
ورغم ان القمح لا يزال مدعوما وان وزارة الاقتصاد حددت سعر ربطة الخبز بـ 16 الف ليرة للحجم الكبير، إلا انّ الخبز متوفر فقط في السوق السوداء باسعار وصلت الى 35 الف ليرة للحجم الصغير. وبما انّ الحكومة قررت الابقاء على الدعم ولكن ترشيده نحو ربطة الخبز فقط الى حين إقرار قرض البنك الدولي لاستيراد القمح بقيمة 150 مليون دولار بعد حوالى شهرين، اصدر وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام امس الاول، قرارين في هذا الاطار، قضى الاول بحصر انتاج دقيق القمح بفئة موحد 85 المعدّ لصناعة الخبز اللبناني، وذلك لحظر استخدام القمح المدعوم في انتاج المناقيش والحلويات والكرواسان وغيرها، كما كانت الحال عليه سابقا. وقضى القرار الثاني بمنع الافران والمخابز تسليم أو بيع الخبز اللبناني للجمعيات والمؤسسات المحلية او الاجنبية من اي نوع كانت الّا بعد عرضها على وزارة الاقتصاد والتجارة لدرسها والنظر بإعطاء الموافقة بشأنها، على ان تُستثنى منها الاتفاقات المعقودة مع الجيش اللبناني والقوى الامنية.
وقد أوضح رئيس تجمع المطاحن أحمد حطيط لـ«الجمهورية» ان حصر انتاج الطحين بفئة 85 يهدف الى توجيه استخدام القمح المدعوم الى صناعة الخبز العربي فقط كون هذه الفئة من الدقيق تستخدم فقط لانتاج الخبز، لافتاً الى ان انواع الطحين الاخر أو ما يعرف بالطحين «الاكسترا» او «زيرو» تستخدم في صناعة الخبز الفرنجي والكرواسان والمناقيش والمرقوق على سبيل المثال، «وبالتالي سيصبح هذا النوع من الطحين غير متوفر في الأسواق اللبنانية باسعار مدعومة كما جرت العادة، مما سيستلزم استيراد بواخر قمح اخرى غير مدعومة لتلك الصناعات الغذائية. لذلك، حذّر نقيب اصحاب الافران علي ابراهيم، من أسعار خيالية ستشهدها المواد الغذائية التي تعتمد على هذا النوع من الطحين في حال استيرادها من الخارج.
واشار حطيط الى ان هذا القرار جاء نتيجة ارتفاع اسعار المناقيش والخبز الفرنجي وغيرها بشكل غير منطقي، حيث يتم تسعيرها وكأنها غير مدعومة رغم ان الطحين المستخدم في صناعتها مدعوم، «اعتبرت الحكومة، ان ترشيد الدعم لإطالة مدّته الى حين اقرار قرض البنك الدولي يستلزم توجيهه فقط نحو الخبز العربي».
وبما ان اسعار المناقيش والخبز الفرنجي والكرواسان ارتفعت الى مستويات خيالية واصبحت خارج قدرة فئة كبيرة من المواطنين، فإنّ اسعارها في المرحلة المقبلة مرجّحة للارتفاع اكثر عندما يصبح انتاجها يعتمد فقط على قمح غير مدعوم. وإذا كان سعر منقوشة الزعتر اليوم بـ20 الف ليرة فقد يصل لاحقاً الى 40 الفا، واذا كانت منقوشة الجبنة بـ40 الفاً اليوم فقد تصبح بثمن 70 او 80 ألفا، وإذا كان قالب الحلوى بـ400 الف ليرة اليوم فقد يصل الى 600 او 700 الف!
وفي بلد العجائب والحلول الترقيعية من المتوقع بعد فَتح الاعتمادات لتسديد ثمن القمح المدعوم في المطاحن، فإنّ أزمة الرغيف ستزول خلال اليومين المقبلين، ليصبح الخبز متوفرا، إلا ان أزمة أخرى ستظهر بفقدان الاصناف الاخرى، كالمناقيش والكرواسان والخبز الفرنجي والحلويات، لأن كميات الطحين المخصصة لصناعتها ستنفد من المطاحن في غضون يومين، وفقا لما اكد حطيط علماً ان وزارة الاقتصاد أوعزت الى المطاحن بتسليم المخزون الموجود حالياً للافران، والبدء بإنتاج الطحين المخصص لتلك الاصناف من قمح غير مدعوم.
ولكن حطيط لفت الى انّ عدم توفر قمح غير مدعوم سيؤدي الى انقطاع تلك الاصناف، «إلا في حال تم تحويل حمولة احدى البواخر التي وصلت الى لبنان والتي لم يتم تسديد ثمنها بعد، الى شحنة قمح غير مدعومة كما يجري البحث حالياً»، مشيراً في الوقت ذاته الى ان استيراد قمح غير مدعوم للصناعات الاخرى غير الخبز العربي سيخلق أزمة مرتبطة بشح الدولارات والحاجة لتأمينها لتسديد ثمن البواخر.
الى ذلك، عقد موزعو مادة الطحين من مختلف مناطق الجنوب اجتماعا مع وكيل المطاحن في الجنوب علي رمال في الدوير، للبحث في ازمة الطحين الجديدة ومنع وزارة الاقتصاد تسليمها الى افران المناقيش والباتيسيري والمرقوق، واعلن رمال في بيان انه «اذا لم يتم التراجع عن قرار وزارة الاقتصاد بعدم تسليم افران المناقيش والباتيسيري والمرقوق الطحين المستخدم لصناعة تلك الاصناف، لدينا اتجاه الى التصعيد والى ثورة حقيقية، اعتباراً من يوم الثلاثاء المقبل حيث تكون كل كميات الطحين قد نفدت لدينا. ونحذّر المطاحن من أن أي شاحنة طحين تخرج من بواباتها ستقوم الافران الصغيرة بتفريغ حمولاتها ودفع ثمنها، حتى ولو ستقوم بإفراغها في خزّانات بلاستيك ستجهز في كل المناطق اعتبارا من اليوم، وستشهدون سيناريو مصادرة صهاريج المازوت يتكرر، وسنعمد الى التصعيد».