رمال جوني - نداء الوطن
المنقوشة وخبز الصاج في مهبّ العاصفة، يبدو أن الحكومة قرّرت معاقبة الفقراء قبل دخولها تصريف الأعمال، في مقابل دعمها أصحاب كارتيلات الطحين والخبز الكبيرة.
ليس الرغيف وحده ما اختفى، فالمنقوشة وخبز الصاج سيلحقانه قريباً بعدما أصدرت الحكومة فرماناً قضى بحرمان هذه القطاعات من الطحين، فهل يفجر قرار وزير الاقتصاد الشارع مع أصحاب هذه المصالح؟
بشخطة قلم، قضت وزارة الاقتصاد على قطاع أفران المناقيش والصاج، بعدما أصدرت فرماناً قضى بحرمانه من الطحين وحصره فقط في أفران الخبز العربي، ما يعني أن مئات العائلات ستجد نفسها من دون عمل، بعد توجيه وزير الاقتصاد ضربته القاضية في وجهها، كنوع من الهروب إلى الأمام من أزمة الرغيف التي «نفّضت» الدكاكين من الخبز لليوم الثاني للأزمة، فتوفر فقط في السوق السوداء بـ30 ألف ليرة.
لليوم الثاني، دكاكين النبطية بلا خبز، في سابقة لم تشهدها المدينة منذ زمن، أقفلت على أثرها الأفران، وتوقف إنتاج الخبز داخلها، بينما نشط بيع الرغيف في السوق السوداء مسجلاً رقماً قياسياً بلغ 30 ألف ليرة، بحيث نشط عدد من الموزعين بالتواطؤ مع بعض اصحاب الدكاكين ببيع الربطة بـ30 ألف ليرة، ومش عاجبك «فتش ع ربطة إذا بتلاقي».
شاطر اللبناني في استغلال الأزمات، عادة ما كانت تستولدها الحكومة لمعاقبة الناس، تمريراً لرسائل سياسية بين الأقطاب المتخاصمين، فجأة وبقدرة قادر اختفى الطحين، فقد الرغيف، وبدأ الحديث عن أزمة رغيف وضرورة رفع الدعم، ضمن سيناريو شدّ البلد إلى مزيد من الأزمات.
ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد، فقد نشطت مخابز الصاج لتعويض نقص السوق من الخبز، منذ ساعات الصباح لم تهدأ حركة فرن ام علي وسميرة، فالطلب تضاعف على خبز الصاج، زادت السيدة كمية العجين لتتمكن من سدّ الحاجة، تؤكد ام علي أن الطلب ارتفع على خبز الصاج، فاضطرت إلى تخفيف الكمية لتتمكن من تلبية الناس، تدرك ان واقع الرغيف على المحك، وان ازمة الطحين ليست بريئة، فهي تحمل في طياتها رائحة رفع دعم وتطيير أسعار الطحين، وأكثر ما يخيفها أن تقف عاجزة عن تأمين الطحين، بعد صدور قرار الوزارة بحجب الطحين عن المخابز الصغيرة وأفران المناقيش.
تنهمك ام علي في رقّ العجين وتدويره ولصقه على الصاج، في عملية مكوكية تستمر على مدى 13 ساعة يومياً من دون توقف، وزادت أزمة الرغيف الضغط عليها، «ما لحقنا ع طلب الناس»، تردد السيدة الخمسينية قبل أن تقول «حرام ما يفعلونه بالناس، استيلاد الأزمة لتمرير رسائل بالمباشر بين الزعماء» تجزم أن الازمة إن طالت ستهدّد عملها، لا سيما أن مخزونها من الطحين شارف على النفاد، والمطاحن لن تسلمها مزيداً منه، تأسف أن تكون هي وكل من يعمل في كار خبز الصاج والمناقيش كبش محرقة، برأيها «كان يمكن ترشيد التوزيع من دون حرماننا من رزقتنا».
ما كان متوقعاً حصل، رغيف الفقراء في السوق السوداء، مخابز الصاج في مهب الريح، والمستفيد الأكبر أصحاب الافران الكبيرة ذات السند السياسي القوي.
بأسف يردد وكيل أصحاب المطاحن في الجنوب علي رمال مقولة «ما لقيوا غير الفقير يعاقبوه»، ويرى أن حلول وزارة الاقتصاد الترقيعية لن تؤدي إلا إلى مزيد من الازمات، فقرارها بحرمان المخابز الصغيرة وافران المناقيش والباتسيري من حقهم في الطحين ضربة قاضية لاقتصاد مئات العائلات.
لا يكفي مخزون المطاحن سوى 20 يوماً أو شهر على أبعد تقدير، وبعدها اما رفع الدعم او مزيد من الازمات، ما يعني برأي رمال ان خطة تدوير الأزمة فاشلة، وهي مقدمة لمزيد من الازمات. بحسبه، «المؤامرة على هذا القطاع الحيوية تصب في مصلحة كارتيلات الافران الكبيرة التي ستستغل الطحين المدعوم لتصنيع المناقيش والمرقوق والحلويات ما يعني ان هناك تواطؤاً مباشراً وخطيراً للقضاء على قطاع الفقراء والمشحرين، فالقرار مقدمة لرفع الدعم فإما يكون رفع دعم عن كل الناس وإما دعم طحين لكل الناس»...
رمال الذي ناشد الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله «وقف هذه الجريمة»، أمل أن يمتنع اصحاب المطاحن عن تنفيذ قرار إعدام هذه المصالح التي حكماً ترفض القرار وقد تلجأ إلى الشارع لرفع صوتها، لا سيما أنه يأتي في خضم أزمة اقتصادية خانقة يعجز المواطن عن تأمين رغيفه، فكيف بحرمانه مصدر رزقه»؟
على ما يبدو أن خطة رفع الدعم انطلقت، وأول الغيث الرغيف وستكرّ سبحة الازمات المفتعلة لتركيع المواطن ليرفع العشرة «ارفعوا الدعم ولكن اتركولنا الرغيف».