اقترعوا
اقترعوا

خاص - Sunday, May 15, 2022 8:06:00 AM


النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس

قبل أي كلام، أرثي شرين أبو عاقلة بلسان محمود درويش:
هذا هو العُرس الذي لا ينتهي
في ساحة لا تنتهي
في ليلة لا تنتهي
هذا هو العُرْسُ الفلسطينيُّ
لا يصل الحبيبُ إلى الحبيبْ
إلاّ شهيداً أو شريرا
دَمُهم أمامي....
يسكن اليوم المجاورَ
صار جسمي وردةً في موتهمْ....
وذبلتُ في اليوم الذي سَبَقَ الرصاصةَ
وازدهرتُ غداةَ أكملتِ الرصاصةُ جُثَّتي
وجمعتُ صوتي كُلَّهُ لأكون أهدأ من دمٍ
غطّى دمي...
ها أنذا أدق ناقوس الأحد لأوقظ الغافين، وأحثَّ المتثائبين على ارتداء الملابس والذهاب إلى القلم، وغمس الأصابع في حبر الواجب، وإرسال الأوراق إلى العنوان المأمون، ببريد الديمقراطية المضمون.
عليَّ أن أنوه بفضل الجمعة والأحد الماضيين على هذا الأحد الذي شهد أهله عشرات آلاف مواطنيهم في الاغتراب وقد اصطفوا تحت الشمس الحارقة وفي الأروقة الضيقة بصبر وحماسة معلنين تضامنهم معنا، ومؤكدين أن يسر عيشهم لم يشغلهم عن عسر عيشنا، وأنهم يبنون من أصواتهم جسر تواصل بين المقيم والمغترب وقناة تضامن لما تزل تتدفق بالمحبة وصلاتِ الرحم.
أنبأتني انتخابات الأسبوع الماضي أن حوالي 142000 من المقترعين لن يؤثروا في النتائج فحسب، بل سيرفعون نسبة التصويت في الوطن بفعل العدوى الحميدة التي نقلتها الشاشات إلى البيوت والعيون والقلوب، بحيث يخلع المواطن تقاعسه، وقرفه المحق من القانون المقرف، ليضع في الصندوق المغلق رسالة صارمة ومنذرة، مفادها أنه مهما تلاعبتم بالقوانين، فإن الديمقراطية أقوى، والمواطنَ المقهور، قادر على قهركم بالظرف المختوم بالشمع الأخضر الذي على لون أرزة العلم.
كانت لي حوارات مع الصديق معالي الأستاذ نقولا نحاس وسواه من أهل الرأي والحل والعقد، حول نحول الدولة المتمادي الذي قد يؤدي إلى اضمحلالها فاندثار فكرة لبنان تحت وحول التعصب وازدواجية السلطة وتجاذب النفوذ الإقليمي، وذبول العصب الجامع ووهن العضلات الضامة، وتقطع نبضات القلب المحذر من وقف الخفقان. لكن ما جرى كان دليلاً على أن القلب العنيد قادر على ضخ الدم، وتوزيع الأُوكسيجين على الأنسجة والأعضاء، بحكم ما اختزن من خبرة وحب، وما مر عليه من طعنات وويلات. فلقد بشرنا الأسبوع الماضي بأن الدولة اللبنانية أو ما تبقى منها، بعدما كانت في موتٍ سريريٍّ تتلمظ فوقه شفاه شركات دفن الموتى بانتظار إعلان الوفاة، استطاعت تخطي جفاف مواردها وتأمينَ نفقات الانتخابات بيسرٍ لافت، فكأنما تجمعت أعضاؤها وتناسقت حركتها، حتى أثبتت أنها أبعد نفوذًا من حكومة، وأكثر فاعليه من قوى سياسية، وأذكى حنكة من متشاطرين، ومارست بحكم غريزة الحياة، كاملَ دورها، أجهزة وسفارات وقنصليات ومتطوعين، وجيوش إعلام، فجرت المرحلتان السابقتان بلا شائبة تذكر، وذهب الناخبون ليعلنوا تمسكهم بالحرية والديمقراطية والاستحقاقات الدستورية، لأنهم هم رجال الدولة وأصحاب الأرض ومالكوها بالسند المتصل حفيدًا عن جد ووليدًا عن أم.
كل من اقترع، أو سيقترع يعلم أن المجلس الجديد سينتخب رئيس الجمهورية، وأن فكرة لبنان الكبير وتكوينه مرهونان بالحفاظ على الدستور الذي بتطبيقه نتشبث بمصيرنا وهويتنا؛ ولقد قال لي الأمين العام للخارجية السفير هاني شميطلي: لاحظت أن طلاب الجامعة اللبنانية المتطوعين لم يكونوا بصدد مراقبة الاقتراع وحسب، بل كانوا أيضًا يراقبون مستقبلهم ومستقبل الديمقراطية، مراقبةَ جيل صاعد لأجيال آفلة.
إذا لم تؤدِّ لانتخابات إلا إلى إثبات أن الدولة ليست في نزعها الأخير، فحسب الصناديق فضلًا بذلك. أما اذا أخرجت الأصواتُ كتلة من النواب المنتمين إلى مصالح أهلهم وإلى دولة المئة عام الصامدة، فالفضل أكبر، وبخاصةٍ في ظلِّ هذا القانون الذي يشبه ثوباً فصله حائك شرير، استعار صدره من لباس اللوردات وجعل من ظهره بردعة، واقتبس كميه من العصر العثملي، أما سرواله فكان مليئًا بالثقوب على غرار سراويل شبان هذه الأيام وشاباتِها، على ما ذكرته في مقالي في جريدة النهار الثلاثاء الماضي؛ وأضيف، من باب الدعابة، أن رجلاً أصيبَ بوهنٍ فنذر على نفسه إذا أبلَّ، أن يبيع بدينار واحدٍ جملاً له كان يعتاش من استغلاله في نقل البضائع. فلما شفي، ندمَ ووقع في حيص بيص، فشكا أمره إلى حائك شرير أيضًا، فأشارَ عليه هذا الأخير أن يضع فوق الجمل عصفورًا وينادي: "الجمل بدينار، والعصفور بألف دينار، وعلى الشاري أن يشتري الجمل بما حمل"...
لقد اشترينا الجمل بما حمل، وذهبنا إلى الانتخابات عبر وعر المسالك، وفحيح الأفاعي، فمارس المغتربون مواطنيتهم، وسيمارس المقيمون بقاءهم وصمودهم في دولة منيعة الهوية والحرية.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني