نوال نصر - نداء الوطن
عبر ألف ميل، إسترق السمع الى نبض قلبك وصوت عقلك أيضا. عبر آلاف الأميال هبوا للمشاركة في ما سماه البعض «العرس». لكن، الجميع الجميع بدوا ساخطين، مقتنعين أن لا عرس بلا قرص خصوصاً في شكل وشاكلة لبنان. «بدنا نغيّر». قالها كثيرون بصراحة، لكن، في المقابل، هناك من صرخوا: «يا برلين يا برلين حولناك شياح» و»بالروح بالدم نفديك يا نبيه». ونبيه هو الأخضر والاصفر المحظور في بلاد كثيرة أيضا.
هل رأيتم صياداً يُطعم سمكة بعد اصطيادها؟ كثيرون أكلوا «الطعم» من جديد وبعد الصيد يضحك الصيادون كثيراً. اللبنانيون، المغتربون، في كل العالم نزلوا بنسبٍ، بألوانٍ، وبحساباتٍ خاصة جداً. بعضهم قرر الخروج من عباءة القيود الطائفية والتبعية العمياء وبعضهم قرر أن ينادي بالتغيير وبعضهم لم ينادِ إلا باسم الثنائية الشيعية. في كل حال، الأصوات التغييرية بدت من جهة واحدة، جهة فيها إمكانية التغيير الديموقراطي متاح. وهذا ما كان لافتاً البارحة. هناك من قال أحبّ لبنان وهناك من قال أحبّ السيد حسن.
بيروت، بدت ساكنة هادئة جداً البارحة. ولولا انتشار الجيش اللبناني عند المفارق وعلى الأوتوسترادات لكان المشهد مملاّ. صوّت صحّ. عبارة إرتفعت عالياً. باعة البالونات التي تعكس وجوها مرمزة تضحك تعبس إنتشروا على طول الكورنيش البحري. هناك لبنانيون كثيرون نزلوا البارحة الى ضفاف البحر للتنزه غير عابئين بما يدور «لبنانياً» في العالم. نقع في حفرة بيروتية ونتابع طريقنا. رجل يدردش مع زوجته عن آخر التطورات في ساحل الحاج. يُخبرها عن الحاج علي الذي اتصل به للتوّ: «صوّت الحاج للسيد». تبتسم زوجته وتعطيه قرني فول. نتجه صوب الأشرفية. نعبر في شارع مسعود الأشقر. نقرأ يافطة: مستقبلك بين يديك. نقرأ يافطة: سننتخب لدماء جو أندون. نتذكر جو (36 عاما) الذي كان موظفا في أهراءات القمح وصوّر الحريق الذي شبّ في العنبر رقم 12 وحصول التفجير الكبير. كان ذلك آخر ما فعله وما فعلته «دولته» به وبـ 225 آخرين.
نمشي في قلب بيروت. نعبر في محاذاة مرفأ بيروت. نتمهل على أصداء آخر أخبار إنتخابات المغتربين. نسمع دردشات مع كثير من الناخبين يريدون الإقتراع للتغيير. التغيير واجب. التغيير بداية. لكن، هناك من يتحدث عن التغيير معلناً وجوب الإنتخاب للائحة «نحمي ونبني». هنا، ننظر من جديد صوب المرفأ. ننظر في صورة جو أندون. نقرأ في أسماء ضحايا تفجير مرفأ بيروت. فنتأكد أن بعض الكلام مجرد كلام. نخاف على لبنان. نخاف مجددا على بيروت. نخاف على لبنان من دولة فجرته (قصداً أو سهواً) وأحزاب حاولت (وما تزال) عرقلة مسار العدالة.
مبان في الجميزة، في مارمخايل، شركة كهرباء لبنان... لا تزال شاهدة على أحد أقوى تفجيرات حصلت في العالم. فهل يجوز أن نسأل أهالي بلد سالت دماؤهم وفجرت ممتلكاتهم وقُتل اولادهم: الى من تقترعون؟ نتابع سيرنا في الجميزة. اليافطات الإنتخابية تختلط مع يافطات من نوع آخر: «طفح الكيل بدنا ننام». «Noise pollution». «لو إنت محلي فيك تنام بهيك جوّ؟». «منطقة سكنية وطي الصوت». هؤلاء أهالٍ طفح كيلهم أيضا من ضجيج المطاعم الملاصقة للبيوت السكنية.
نسلك الطريق الساحلي. عدد عناصر الجيش اللبناني يزيد. الأعلام اللبنانية على أوتوستراد الكرنتينا باخت ألوانها وتشلعت. مركز فوج الإطفاء في سكون. وآرمة قريبة جداً كُتب عليها: صوّت صحّ. من أجل سحر ورالف وجو وشربل ونجيب ومثال... صوتوا صحّ.
اللبنانيون في ابو ظبي ودبي يصوتون بكثرة. اللبنانيون في كندا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وسويسرا وكل العالم يصوتون... واللبنانيون، في لبنان، يرمون بالقرب من البحر شبكات الصيد وينتظرون صيداً وفيراً. يافطة «هالمرة مش متل كل مرة» لافتة. وكتابات كثيرة على الحيطان: «بيروت حرة إيران برا». ننظر قبالة البحر. ننظر نحو أهراءات القمح. نقرأ عبارة: سنظل نقاوم. كل ذلك ونحن نستمع الى كلام الشبان والشابات اللبنانيين في الإغتراب يعلنون: ردوا لبنان لبنان بدنا نرجع على لبنان. نفرح أم نذرف الدمع؟ الشباب اللبناني يرجو «دولته» والدولة تتناتش المقاعد بعدما شتتت كل الحقوق والأحلام.
ندخل منطقة الحمراء. صور مرشحين كثيرة علقت حديثاً. وعبارة: تذكروا هذا التاريخ: 4 آب 2020... كُتبت الى جانبها عبارة حديثة: عاقبوا فعلة 4 آب 2020 في 15 أيار 2022. فلا تنسوا. لم ننسَ. لن ننسى.