راكيل عتيّق
يعتبر «حزب الله» أنّ «أميركا ليست صديقة لنا، لذلك لا يُمكننا أن نراهن عليها ولا على سياساتها وتدخُّلها، ولا على ترسيمها مياهنا الاقليمية، ولا مساعدتها في التنقيب عن الغاز في بحرنا، وما دامت ليست صديقتنا بل صديقة عدوّنا، فهذا يعني تصنيفها في محلّ آخر». هذا الموقف عَبّر عنه رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، خلال لقاء سياسي الأربعاء الفائت، علماً أنّ مفاوضات ترسيم الحدود البحرية «مُجمّدة» الى حين بروز تغيير في الطرح الأميركي الأخير الذي رفضه لبنان، لأنّه «يقتطع من حقوقنا»، أو في شكل هذه المفاوضات. فهل نسف «حزب الله» مفاوضات الترسيم من أساسها، عبر الوساطة الأميركية، لأنّه «لا يُمكن الرهان عليها؟».
شهدت مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل بوساطة أميركية ورعاية الأمم المتحدة، تعثّرات عدة، وإخفاقات داخلية، خصوصاً لجهة أزمة تحديد هذه الخطوط لبنانياً، والإشكالية التي حصلت بين من يقول باعتماد الخط 23، والذي اعتمده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وبين من يعتبر أنّ حدودنا هي عند الخط 29. وبعد أن توقفت المفاوضات بين الوفدين في الناقورة، حلّت مكانها زيارات الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين المكوكية بين اسرائيل ولبنان، الى أن أتى بعرضٍ شفهي ثمّ أرسله خطياً بناء على طلب المسؤولين اللبنانيين، والذي جاء الرد اللبناني عليه لاحقاً بـ«الرفض» بطريقة غير مباشرة، لأنّه يقتطع من حقوق لبنان وثروته. فقرّر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيسا مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي خلال اجتماع رئاسي في القصر الجمهوري في بعبدا، «دعوة الولايات المتحدة الاميركية الى الاستمرار في جهودها لاستكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية، وفقاً لاتفاق الاطار بما يحفظ مصلحة لبنان العليا والاستقرار في المنطقة»، وذلك بعد النتائج التي توصلت إليها اللجنة التقنية التي درست اقتراح هوكشتاين.
وبالنسبة الى اعتبار أنّ كلام رعد الأخير يعني «حبس» المفاوضات أو التركيز على أنّها لا تجدي بوساطة أميركية، فيوضح «حزب الله» أنّه «ليس معنياً بالمفاوضات في الأصل، ولم يكن موافقاً على مبدأ المفاوضات أساساً قي اعتبار أنّ اسرائيل عدو ولا نتفاوض مع العدو. لكن حين حصلت المفاوضات في الناقورة وافقنا على مبدأ أن تكون المفاوضات تقنية لا سياسية وبإشراف الأمم المتحدة. وسارت الأمور، ثمّ ظهرت مسألة الخطوط 23 و29، ولم نتدخل منذ ذلك الحين، لكنّنا أطلقنا مجموعة مواقف سياسية تعبّر عن رأينا، من دون أن نعمل لتعطيل المفاوضات التي كان يديرها رئيس الجمهورية والفريق المفاوض».
ويشير «الحزب» الى أنّ «هوكشتاين أتى بعرض يقتطع جزءاً من الخطوط اللبنانية، وأدخل موضوع الغاز والنفط المصري في الصفقة، وطلب رداً رسمياً على العرض الذي أرسله خطياً الى رئيس الجمهورية، فأتى الجواب اللبناني عبر رسالة لوزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب. وبالتالي، لسنا نحن من عَطّل المفاوضات، بل طبيعة العرض الذي جاء به هوكشتاين والذي لا يُمكن الموافقة عليه، فأتى الرد اللبناني أنّنا ندعو الى مزيدٍ من المفاوضات، وذلك لأنّه لم يتوافر لدى الجانب اللبناني الاقتناع الكافي بأنّ العرض يحفظ حقوق لبنان وثروته في البحر». ويشدّد «الحزب» على أنّ مواقفه «لم تهدف الى تعطيل المفاوضات، بل الى التنبيه والتعبير عن رأيه. والمفاوضات تعطّلت لأنّ العرض لم يكن مقنعاً للجانب اللبناني ولم يحافظ على حقوق لبنان السيادية».
وحين يُسأل «الحزب» عن رؤيته لطريقة استفادة لبنان من الثروة النفطية في بحره واستخراجها؟ يجيب: «يجب على الحكومة أن تقرّر أنّ هذه حدودنا، فهذا الموضوع في النهاية يتطلّب ترسيم حدود، لكن مشكلتنا ليست في الحقول المتنازَع عليها مع العدو، إذ ماذا عن البلوكات الأخرى، في الشمال والبترون على سبيل المثال، والتي لا نزاع عليها؟». ويشير الى أنّ «لبنان لا يستثمر ولا يستقدم شركات ويقدّم عروضاً، فهناك حقول أخرى موجودة ولم يجرِ استثمارها. كذلك حين تحسم الدولة أمرها وتحدّد الحقوق والحدود سيكون لبنان كلّه، بما فيه الجيش والمقاومة، الى جانبها».
ويحدّد «الحزب» موقفه بأنّه «الى جانب الدولة في الحفاظ على المخزون الغازي في مياهنا، لكن على الدولة أن تحسم أمرها وتجلب شركات، وهذا ما لا تقوم به، فهناك أمور أبسط لا تعالجها، مثل معمل ديرعمار ومصفاة الزهراني واستيراد النفط من روسيا». وبالتالي، يعتبر «الحزب» أنّ «أحداً لا يمكنه إلقاء اللوم عليه بأنّه عطّل مفاوضات الترسيم، أو أنّ عليه تحديد عمل لبنان في هذا الإطار واقتراح الحلول والبدائل». ويقول: «لتستثمر الدولة الحقول الموجودة أساساً، فالعدو الاسرائيلي يستفيد من حقوله ويستخرج الغاز ويبحث عن طريقة في المفاوضات ليأخذ جزءاً من المياه اللبنانية لكي يضيفه الى حصته التي يستثمرها، فيما أنّنا لا نستثمر حتى الحقول التي لا خلاف عليها». ويضيف: «إذا كانت شركة «توتال» قالت إنّه لا يوجد نفط في الحقل الذي نقّبت فيه، فلنستقدم شركة أخرى». ويُعطي مثالاً على ذلك، مصر، حيث «فعلت «توتال» الشيء نفسه وقالت إنّه لا يوجد غاز، فاستقدمت مصر شركة أخرى للتنقيب، فتبيّن أنّ هناك أكبر حقل غاز في شرق المتوسط. وبالتالي ليعيدوا التنقيب في لبنان». ويرى «الحزب» أنّ «الإشكالية في الحقول المتنازع عليها مفهومة، لكن المسألة ليست بالمتنازع عليها، بل المطلوب من الدولة أن ترسّم الحدود وتقول هذه حدودنا وهكذا سأتصرف وألزّم شركات».
وعن سبب عدم إقدام الدولة على ذلك، يرى «الحزب» أنّ «الدولة عاجزة، إذ فجأةً يكبر الملف وتُغدق الوعود باستدراج عروض وأموال، وفجأةً ينام الملف، مثل كثير من القصص في هذا البلد، إذ لا توجد إرادة حقيقة لإنقاذ البلد». وعندما يُسأل «الحزب» عن مسؤوليته كجزء أساس من السلطة التي يُمسك بها مع حلفائه، يكتفي بالرد: «السلطة ليست معنا.. إبحثوا عن الطريقة التوافقية التي يُدار فيها البلد والموافقات التي يجب أن تؤخذ في كلّ ملف، إن من مسؤولين حاليين أو حتى ممّن خرجوا من السلطة».