كمال ذبيان - الديار
لم يلتزم «تيار المستقبل» الصمت الانتخابي، منذ ان اعلن رئيسه سعد الحريري عن عدم المشاركة في الانتخابات النيابية الحالية، وهذا لم يكن خياره، انما فُرض عليه قسراً، من السعودية التي لم تعد ترى فيه من يكون في مواجهة حزب الله ونفوذه في لبنان، بل هو يتوسل «التسويات» وربط «النزاعات»، مما ادى الى ان يسقط لبنان في محور ايران، وتصبح عاصمته بيروت احدى العواصم العربية الاربع التي بات القرار فيها لطهران وهو ما أكد عليه اكثر من مسؤول ايراني.
لذلك، فان عزل الحريري من موقع القرار في لبنان، كان بتوجه سعودي، ومنذ استدعي الى الرياض في 4 تشرين الثاني 2017 وقدم منها استقالته، فتبلغ الرسالة بانه لم يعد مرغوبا به في المملكة التي اعطت لوالده كل الدعم المالي والسياسي، لكن النتائج لم تكن لصالح «عروبة لبنان» بل خروجه عنها باتجاه ايران، وفق ما يؤكد مسؤولون سعوديون ويؤيدهم حلفاء لهم خليجيون، في توصيف لواقع لبنان السياسي، الذي قررت بعض دول مجلس التعاون الخليجي مغادرته وفعلت، اذا لم يقرر العودة الى ما يسمى «الحضن العربي».
من هنا، فان السعودية التي خذلها اداء سعد الحريري، واخرجته من المعادلة السياسية اللبنانية، ولبى ما طلبته منه، بعدم الترشح مع تياره السياسي الى الانتخابات، وهي تفتش عمن يحمل مشروعها السياسي في لبنان، او ما يُعرف بـ «المبادرة الخليجية» التي في مضمونها تطبيق القرارات الدولية 1559 و 1680 و 1701 وكلها تقارب نزع سلاح حزب الله، وقد ايد افرقاء لبنانيون المبادرة وعلى رأسهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي يعتبر انه بدأ يفك الحصار الخليجي عن لبنان، وفق مصادره، وعاد سفراء السعودية والكويت والبحرين اليه، وهم في حركة سياسية فاعلة، حيث اعلن السفير السعودي وليد البخاري عن بدء العمل بالصندوق الفرنسي – السعودي لاغاثة لبنان برأسمال 72 مليون «يورو»، تتقاسمه باريس والرياض، اللتين اتفقتا في قمة جمعت الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، على العودة الخليجية الفاعلة الى لبنان.
في ظل هذا المشهد السياسي الدولي والاقليمي، الذي يقدم فسحة امل للبنان بانه غير متروك، ومع تقدم المفاوضات السعودية – الايرانية برعاية عراقية، فان الحريري بات يشعر بانه لم يعد لاعباً سياسياً في لبنان، اذ انكفأ عنه كثيرون، ومنهم من كانوا في «تيار المستقبل»، وقد خيّر اعضاؤه ان يلتزموا قراره بعدم الترشح او الاستقالة، دون ان يعلن موقفاً واضحاً من المشاركة في الانتخابات او مقاطعتها، وترك الامر مشكوكاً به، ولم يفصح عما سيفعله مع «حلفائه القدامى»، وبعضهم من غدره «كالقوات اللبنانية»، اذ تقول مصادر في «تيار المستقبل» ان الحريري، وبعد مراجعة لما جرى منذ العزوف عن الترشح، وتعليق العمل السياسي، وتقدم البعض لوارثته، سواء من عائلته كشقيقه بهاء، او من «اهل البيت» كالرئيس فؤاد السنيورة، الذي لم يكن مضى على اعلان الحريري عدم المشاركة ترشيحاً في الانتخابات، حتى قفز الى دار الفتوى واقنع المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان عدم المقاطعة، وذهب معه الى السراي الحكومي والتقيا الرئيس نجيب ميقاتي، وتوجهوا معا الى صلاة الجمعة، واكدوا من امام المسجد العمري في وسط بيروت، ان انكفاء «تيار المستقبل» عن خوض الانتخابات، لا يعني مقاطعتها، فشنّت حملة على الثلاثة وتحديداً السنيورة، الذي تصدى له احمد الحريري، بان لا يحلم بوراثة «تيار المستقبل»، او ان يحل مكان رئيسه سعد، وهو الكلام نفسه الذي توجه به الامين العام «لتيار المستقبل» الى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، بان لا يحاول التفكير ان يصبح ممثلاً للطائفة السنية.
والاسراع بنعي «تيار المستقبل» ووفاة «الحريرية السياسية»، افاقت سعد على انه بات رجل اعمال فقط في ابو ظبي، بعد اخراجه سياسياً واقتصادياً من السعودية، فبدأ يعد لحظة الانتخابات، لاظهار نفسه انه الوحيد الذي يحرك الطائفة السنية، وهو ما زال الاقوى فيها مع تياره، وان مقاطعة الانتخابات هي الاستفتاء على انه هو من يملك القرار السنّي، بالرغم من محاولة عزله، وان محاولة السنيورة وآخرين ملء الفراغ الذي احدثه عزوفه عن الترشح، لن يفيد احد من الحاقدين والشامتين بوريث «الحريرية السياسية»، وتؤكد المصادر التي تجزم بان المقاطعة ستكون فاعلة في الانتخابات واسقاط الذريعة بأن المشاركة هي لعدم اخلاء الساحة لحزب الله.
وقصد الحريري من دعوته للمقاطعة، ابلاغ السعودية بانه الاقوى، وهو من يحرك الشارع، وان محاولات التفتيش عن «بدل ضائع» له وهمٌ، فطلب من احمد الحريري تحريك الشارع لا سيما في طريق الجديدة، التي تعتبر «عاصمة تيار المستقبل»، فحصل التنسيق مع رئيس «جمعية بيروت للتنمية» احمد هاشمية الذي استعان باشخاص لهم نفوذ في المنطقة، مثل طارق الدنا، الذي يعتبر منذ سنوات بانه اقوى شخصية في طريق الجديدة، حيث جرى التعبير عن استبعاد «تيار المستقبل» عن الانتخابات بالدعوة الى مقاطعتها، وجرت عملية تمزيق صور لمرشحين، لا سيما من هم على اللائحة المدعومة من السنيورة، الذي كان تلقى خلال النهار، تحذيرا من احمد الحريري، بان لا يلعب في ساحة «تيار المستقبل»، الذي ما زال موجودا.
وما حصل في طريق الجديدة ومحيطها في كورنيش المزرعة والكولا والمدينة الرياضية وقصقص هي رسالة اراد سعد الحريري ان يوصلها الى الرياض، بانه ما زال موجودا، وان الدعوة لمقاطعة الانتخابات هي انتخاب لتياره واستفتاء شعبي حوله، وهو بذلك يوصل الى المملكة، بان قرار بيروت هو لاهلها، وليس للسفارات، وهو ما ردده متظاهرون مؤيدون له في طريق الجديدة وغيرها.
والتحرك الذي قام به «تيار المستقبل» ومناصروه، هل هو «بروفة» لما سيجري خلال الاسبوعين المقبلين، اللذين يسبقان الانتخابات النيابية، التي لا يعطّلها سوى احداث امنية متفرقة كقطع طرقات وافتعال اشتباكات ورمي قنابل، لا سيما قبل 48 ساعة من حصولها بما يخدم مقاطعتها.