كلير شكر - نداء الوطن
بلا ضجيج، عدّل مجلس الوزراء القرار رقم 15 تاريخ 7 نيسان 2022، والقاضي بـ»الموافقة على تفويض وزارة الطاقة والمياه الشروع بإجراء مباحثات مع كبار المصنعين العالميين لوحدات انتاج الكهرباء لدراسة إمكانية ورغبة هذه الشركات (بمفردها أو عبر انشاء تحالف شركات)، القيام بتأمين التمويل اللازم وانشاء معملين في الزهراني ودير عمار وفق صيغة التصميم والتوريد والانشاء والتمويل والتشغيل والصيانة وإنشاء خطوط النقل ومحطات التوزيع الفرعية اللازمة»... بعدما تبيّن أنّ هذا القرار مخالف لقانون المحاسبة العمومية ولقواعد المناقصات، مع العلم أنّه سبق لحكومة حسان دياب أن فوّضت وزير الطاقة آنذاك ريمون غجر بالمهمة ذاتها والتي اصطدمت بتراجع كبار المصنّعين بسبب حالة الإفلاس التي تصيب الدولة.
وقد صدر القرار يومها نتيجة طلب وزير الطاقة وليد فياض من مجلس الوزراء تفويضه مباشرة المفاوضات مع كبار المصنّعين فكان ردّ رئيس الحكومة نجيب مقياتي يومها أنّ ثمة قراراً مماثلاً اتخذته الحكومة السابقة، لكن الوزير الحالي أصرّ على تجديد التفويض، ليتبيّن أنّ معمل سلعاتا (كما ورد في طلب وزارة الطاقة) ضمن المعامل الموضوعة على طاولة التفاوض فكان الردّ من جانب وزير الثقافة محمد مرتضى أنّ المخطط التوجيهي الذي وافقت الحكومة على أساسه، على الخطّة، يترك معمل سلعاتا للمرحلة الأخيرة، لبعد سنتين، ولهذا لا داعي للتفاوض مع المصنّعين بشأنه في هذه المرحلة... ليتمّ الاستنتاج أنّ ما حصل في تلك الجلسة هو محاولة جديدة من الفريق العوني لإعادة معمل سلعاتا من خرم التفاوض المباشر بعدما خرج موقتاً من باب خطة الكهرباء التي أعادت الحكومة اقرارها.
وجاء في القرار المعدّل رقم 30 تاريخ 14/4/2022، أنّه «تمهيداً لإطلاق المناقصة العمومية، الموافقة على تفويض وزارة الطاقة والمياه الشروع بإجراء مباحثات مع كبار المصنّعين العالميين لوحدات إنتاج الكهرباء لدراسة امكانية ورغبة هذه الشركات (بمفردها أو عبر إنشاء تحالف شركات)، القيام بتأمين التمويل اللازم وإنشاء معملين في الزهراني ودير عمار وفق صيغة التصميم والتوريد والإنشاء والتمويل والتشغيل والصيانة، وإنشاء خطوط النقل ومحطات التوزيع الفرعية اللازمة».
وتفيد المعلومات أنّ رئيس الحكومة وبعد ورود انتقادات عدّة طالت القرار، عقد سلسلة اجتماعات في السراي ضمّن المعنيين بينهم وزير الطاقة ومدير المناقصات جان العليّة لإعادة مناقشة القرار وتبعاته القانونية، انتهت إلى تكوين قناعة لدى رئيس الحكومة باتجاه التعديل. وهذا ما حصل.
وتفنّد مصادر متابعة للملف التعديل الذي حصل، بالإشارة إلى أنّه في ما يتعلّق بالفقرة الأولى التي نصّت على «الموافقة على تفويض وزارة الطاقة والمياه الشروع بإجراء مباحثات مع كبار المصنّعين العالميين»، يُلاحظ أنّ التعديل الحاصل بموجب القرار الجديد، قد أضاف في مستهلّ هذه الفقرة، عبارة «تمهيداً لإطلاق المناقصة»، وهو على ما يبدو للتأكيد على أنّ التفويض الممنوح للوزارة يتعلّق حصراً بالبحث مع كبار المصنّعين لاكتشاف السوق وتبيان الإمكانيات التقنية والمالية لبناء وتشغيل هذه المعامل وتمويل تكلفتها، وهذا عمل يسبق إجراء أي مناقصة لا سيما اذا كانت تتعلّق بعقد بهذا الحجم والأهمية.
وترجح أن تكون هذه الاضافة هي من باب قطع الطريق على الفريق العوني لتفسير القرار على أنّه اجازة مطلقة للوزير، كما كان يبتغي الفريق العوني. وتستغرب تأكيد وزارة الطاقة الدائم عن وجود خطة للكهرباء موضوعة منذ سنوات مقابل طلبها تكليف استشاريين لوضع دفاتر شروط وتكبيد الخزينة العامة مصاريف باهظة، لنصل بعد سنوات إلى واقع أنّ الوزارة تبدأ خططها من الصفر في دراسة السوق وهي لا تملك أي تصور بشأن بناء معامل الانتاج وتمويل عملية البناء ولا تملك دراسات جدوى إقتصادية ومالية أو دراسة أثر بيئي وهذا بحدّ ذاته يشكل فضيحة.
أمّا بالنسبة للفقرة الثانية من القرار والمتعلقة بالموافقة لوزارة الطاقة على الاستعانة باستشاريين و/أو في المجال القانوني والتقني والبيئي والاجتماعي والاقتصادي والمالي وعرض الموضوع على مجلس الوزراء، فلم تشهد أي تعديل بالنظر إلى الواقع المرير القائم في وزارة الطاقة حيث يتحدث مسؤولوها عن خطط موضوعة منذ أكثر من عشر سنوات، فيما تشكو من غياب الدراسات التقنية لواقع الشبكة والمعامل القائمة والدراسات القانونية والدراسات المالية ودراسات الأثر البيئي والاجتماعي والاقتصادي، وهو أمر يوحي وكأن وزارة الطاقة قد أنشئت وباشرت مهامها مع تشكيل حكومة نجيب ميقاتي وتعيين وليد فياض وزيراً!
أما في ما يتعلّق بالفقرة الثالثة، فهنا يكمن التعديل الجوهري وفق المصادر، «اذ بعدما أخرجت الفقرة الثانية من القرار رقم 15 مناقصات بناء المعامل من المسار القانوني وتحديداً من دائرة المناقصات، تمّ تعديل المادة بحيث تجري المناقصة وفقاً للأصول المعتمدة في إدارة المناقصات بناء على دفتر شروط تضعه وزارة الطاقة وتعرضه على إدارة المناقصات وفقاً للأصول المعتمدة في إدارة المناقصات». وهو ما يعتبر تحوّلاً جذرياً في قرار مجلس الوزراء من خلال الخضوع لأحكام قانون المحاسبة العمومية ونظام المناقصات.