إيفا أبي حيدر - الجمهورية
إلى جانب الشوائب الكثيرة التي يحملها مشروع قانون «الكابيتال كونترول»، عثرة جديدة وُضعت امامه للحؤول دون إقراره، الا وهي خطة التعافي وربط مصيرهما ببعض. فهل من رابط بين «الكابيتال كونترول» وخطة التعافي؟ ام انّ الهدف تأخير درسه وإقراره فتطييره إلى المجلس النيابي الجديد؟
أجمع النواب المشاركون أمس الاول في اجتماع اللجان المشتركة، على انّ لا يجوز ولا يجب البحث في مشروع قانون «الكابيتال كونترول» قبل إقرار خطة التعافي، رابطين مصير القانون بالخطة، ليأتي الردّ امس على لسان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بجزمه أنّ «الدمج بين «الكابيتال كونترول» وضمان الودائع أمر خاطئ. فـ»الكابيتال كونترول» كان يُفترض أن يُقرّ في اليوم التالي لبدء الأزمة المالية في لبنان، أما خطة التعافي الاقتصادي فهي لإعلام الناس بخريطة الطريق التي ستُعاد فيها اموالهم.
بعد تأخّر عامين ونصف على إقرار «الكابيتال كونترول»، هل يجوز اليوم إرجاء إقراره وربطه بخطة التعافي التي لا تزال في اول الطريق، ولا يزال أمامها مسار طويل من النقاش والتعديلات؟ هل المقصود وضع القانون في حال المراوحة مجدّداً وتطييره إلى ما بعد الانتخابات؟
في السياق، يقول الخبير الاقتصادي روي بدارو لـ«الجمهورية»، انّ مشكلة «الكابيتال كونترول» تكمن خصوصاً في البنود الإضافية التي أُسقطت عليه لتمريرها. على سبيل المثال، كان يجب سحب المادة 12 من اقتراح القانون، والتي تقضي بتجريد المودعين وعموم المواطنين من كل حقوقهم، باللجوء إلى القضاء في ملف المصارف، لأنّ هذه المادة تقدّم حماية للمصارف من كل الدعاوى التي قد تُقام ضدّها، وكان الأجدى طرحها ومناقشتها على حدة.
وأكّد بدارو، «نحن لسنا ضدّ إقرار «الكابيتال كونترول»، انما الطريقة التي طُرح فيها كانت خاطئة واستفزازية».
كذلك طرح بدارو علامات استفهام عدة حول بنود أخرى من مشروع القانون المقدّم، منها تحديد السحب بـ1000 دولار شهرياً من المصارف. متسائلاً عن الأسس التي اعتُمدت لتحديد هذا المبلغ، ولِمَ ليس 1500 دولار او حتى 500 دولار؟ ولِمَ إعطاء كل الصلاحيات للجنة؟
وأكّد انّ قانون «الكابيتال كونترول» كان يجب ان يصدر منذ بداية الأزمة، انما جرى تحميله أكثر من طاقته وتضمينه بنوداً ملغومة عمداً، أدّت الى تأخير إقراره كل هذا الوقت.
وانتقد بدارو طريقة تعاطي اللجان المشتركة مع مشروع القانون، معتبراً انّ التصديق المتسرّع على غالبية بنوده هو نوع من العنف تجاه المودعين، وهذا ما لا نقبل به. فالمطلوب فتح حوار ونقاش. جازماً انّ ما يُروّج له عن انّ صندوق النقد الدولي قَبِل بهذه الصيغة المطروحة للقانون هو غير صحيح، مؤكّداً انّ ما يحصل هو تأويل وتحوير. فالصندوق يريد إقرار قانون «الكابيتال كونترول»، انما ليس بالصيغة المطروحة. وتساءل، كيف يمكن إقرار قانون «كابيتال كونترول» بحدود مفتوحة، وفي وقت يغذي فيه لبنان اقتصادين اللبناني والسوري؟
ورداً على سؤال، أكّد بدارو انّه يجب ربط قانون «الكابيتال كونترول» بخطة التعافي، لأنّ مسارهما بالمشروع الحالي مرتبطان، بينما لو صيغ المشروع بطريقة مختلفة كان أمكن فصلهما، مؤكّداً انّ المشروع المقدّم معيب بالشكل والمضمون.
«شروط مدمّرة للاقتصاد»
في السياق نفسه، يشير عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي عدنان رمال لـ«الجمهورية»، انّ الشروط الموضوعة ضمن مشروع قانون «الكابيتال كونترول» هي مجحفة جداً ومدمّرة للاقتصاد قبل المودعين. لافتاً الى انّ بعد تأخّر عامين ونصف على إقرار القانون، كان يُفترض ان يكون أكثر إنصافاً وموضوعية، يحمل في طياته خطة ذكية تساهم في الحدّ من الأزمة، خصوصاً اننا خلال الفترة الماضية تعايشنا مع أكثر من سيناريو ولمسنا تداعيات كل واحد منه. مبدياً أسفه لأنّ هذا القانون بصيغته الحالية يتضمن بنوداً عدة ستكون تداعياتها خطرة جداً على الاقتصاد.
ولفت الى انّ المشروع يطرح إعطاء 1000 دولار شهرياً كحدّ أقصى، مهما كانت قيمة الحساب، ما يعني انّ صغار المودعين قد يحصلون على 200 او 500 دولار كحدّ أقصى شهرياً. وفي ظلّ التضخم القائم فإنّ الـ1000 دولار التي تساوي نحو 25 مليون ليرة حالياً بالكاد تكفي اشتراك مولد ومحروقات وسلع استهلاكية. اما المضحك، انّ من لديه نحو 100 الف دولار في المصرف وتحدّد اعطاؤه 500 دولار شهرياً، فسيحتاج الى 200 شهر على الأقل لتحصيل امواله، عدا عن انّ هذه الخطوة ستزيد التضخم وتحلّق بسعر الدولار مقابل الليرة من دون سقوف، ما من شأنه ان يضرب الاقتصاد، لأنّ المستهلك سيحصر استهلاكه بـ22 مليون ليرة شهرياً التي بالكاد ستكفيه لتأمين الضروريات. فكيف يمكن البناء على هذا المبلغ لتحريك الدورة الاقتصادية ولعودة الحركة الى الأسواق وللاستثمار مجدداً؟ فبهذا المبلغ تُقطع الطريق على إنعاش القطاعات وتحريك عجلة الاقتصاد وتحصر الاستهلاك بالمأكل والمشرب والمحروقات.
ورأى رمال انّ خطورة «الكابيتال كونترول» كما هو مطروح، انّه يمنع التداول بالشيكات داخلياً نهائياً ويحصر التعامل بالليرة اللبنانية، مع ما يعنيه ذلك من رفع التضخم الى مستويات قياسية، علماً انّ التداول بالشيكات اليوم محدود الّا انّه لا يزال مقبولاً.
كذلك توقف رمال عند بند اعتبره خطيراً جداً، الا وهو منع المواطن والقطاعات الأساسية من الحصول على دولارات من المصارف، كذلك منع المواطنين من شراء الدولار بالشكل القانوني، ما من شأنه ان يخلق سوق سوداء للدولار بأسعار متباعدة جداً عن سعر الدولار الرسمي الذي سيعتمد، عازياً ذلك الى غياب دور الدولة الراعي لمصالح المواطنين، بحيث يسعى كل مواطن الى حماية نفسه بالعملة الصعبة.
ورداً على سؤال، اعتبر رمال انّه لا يمكن ان تكون مدة صلاحية قانون «الكابيتال كونترول» 3 سنوات فقط، وقال: «إذا كان حجم الودائع 100 مليار فالمتبقي منها 10 مليارات فقط، وإذا اضفنا إليها حوالى 5 مليارات للمصارف عندما ستعيد تكوين رأسمالها، ما يعني انّ الفجوة اليوم 85 مليار دولار، اي انّ هذا المبلغ غير موجود، علماً انّ الحكومة تعترف انّ الفجوة هي 73 مليار دولار. وبناءً عليه، اذا بدأت الحكومة العمل ضمن مسار متصاعد ومستقر مرفق بنمو 5% سنوياً وبشكل دائم، وإذا طبّقت الإصلاحات، هي بحاجة اقله الى 25 عاماً لإعادة تكوين الودائع، علماً انّه خلال هذه الفترة ومع التضخم المرتقب تصبح فجوة هذه الاموال تساوي 50% من قيمتها».