عماد مرمل - الجمهورية
إذا كان ملف محاربة الفساد قد احتل حيزاً متقدّماً في أجندة «حزب الله» خلال السنوات الماضية، بعدما أولاه الامين العام السيد حسن نصرالله الاهتمام الشخصي، فإنّ كل المؤشرات توحي بأنّ هذا الملف لن يبقى ضمن أولويات الحزب وحسب، بل هو سيوليه المزيد من العناية والإحاطة في السنوات الاربع المقبلة من ولاية المجلس النيابي الجديد، وبالتالي سيعزز موقعه في «الصفوف الأمامية».
لعلّ الإشارة الأبلغ الى عزم الحزب على تفعيل دوره وحضوره في ميدان مكافحة الفساد يتمثل في مبادرته إلى رفع شكاوى لدى التفتيش القضائي على أربعة قضاة متهمين بالتقصير او القصور في متابعة ملفات مشبوهة كشفها الحزب، ولكن جرى إهمال أغلبها والتهرّب من استكمال التحقيق فيها حتى «النهاية السعيدة».
وعُلم انّ الشكاوى المرفوعة في حق القضاة المشار اليهم أحدثت صدى في أروقة «العدلية»، ودفعت أحد هؤلاء إلى إعادة تحريك ملف فساد كان نائماً في أدراجه منذ نحو سنة ونصف السنة.
وتفيد المعلومات، انّ عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله، المكلّف من السيد نصرالله بالإشراف على «جبهة» مقاومة الفساد، يتواصل بوتيرة شبه أسبوعية مع رئيس التفتيش القضائي للإستفسار عمّا آلت اليه تلك الشكاوى والتأكّد من انّها تسلك مسارها المطلوب.
الإشارة الأخرى التي أطلقها الحزب للدلالة على انّه لا «يمزح» في معركته الإصلاحية، تمثلت في إصدار كتاب معزز بالوثائق والمستندات حول تجربته خلال المرحلة السابقة في ملاحقة قضايا الفساد وما أفضت اليه من نتائج.
يعرض الكتاب (اشرف فضل الله على تحضيره) الارتكابات التي وضع الحزب يده عليها، مرفقة بالوقائع والحقائق التي تدين المتورطين او على الاقل تعزز الشبهات فيهم، إلى جانب عرض مكامن الخلل في طريقة تعامل القضاء مع أغلب القضايا التي رُفعت اليه، من دون إغفال تلك التي صدرت فيها أحكام ولو انّها قليلة.
وقد تمّ ضمّ قرص مدمّج إلى الكناب يحوي نحو 2000 صفحة من الوثائق والمستندات حول ملف الحسابات المالية للدولة على مدى سنوات طويلة، وما يعتريه من مخالفات خطيرة أسهمت في الوصول إلى الإنهيار الحالي.
وهكذا، فإنّ الحزب تعمّد عبر هذا الإصدار ان ينشر الغسيل الوسخ للمرتكبين على السطوح، وان يحيلهم الى محكمة الرأي العام، بعدما تخاذلت «المحاكم» الأخرى في تأدية واجباتها، مفترضاً أنّ هذه الوسيلة قد تسهم في تنوير اللبنانيين وردع الفاسدين.
وبعد إعلان السيد نصرالله شخصياً عن هذا الإصدار خلال تسمية مرشحي الحزب للإنتخابات، بادر فضل الله إلى عقد مؤتمر صحافي لإطلاق الكتاب إعلامياً، ومن ثم بوشر توزيعه على الرؤساء والنواب والوزراء والمرجعيات الدينية ومجلس القضاء الأعلى وقادة الأجهزة الأمنية وهيئات الرقابة والنقابات والإعلاميين.
كذلك خُصّص له موقع الكتروني حتى يكون متاحاً لكل مواطن الإطلاع عليه، فضلاً عن تخصيص حلقات حول محتواه على قناة المنار، ونشره على وسائل التواصل الإجتماعي، كي يصل إلى أوسع شريحة من اللبنانيين، «ويكون في الوقت نفسه جواباً مدعماً بالأدلة لكل من كان يسأل عن مصير ملفات فضل الله، أو يشكّك بخطوات «حزب الله» في مكافحة الفساد»، وفق ما يوضح المواكبون لكواليس ولادة الكتاب.
ويكشف المطلعون على خطط الحزب المستقبلية انّ الشأن الإصلاحي سيشكّل إحدى ركائز سياساته الداخلية في مرحلة ما بعد الانتخابات، الأمر الذي عكسه السيد نصرالله بتأكيده خلال لقائه اخيراً مع كوادر تنظيمية انّ «حزب الله» سيهتم بتفعيل دوره اكثر فأكثر في بناء الدولة العادلة والمقتدرة التي ستكون من ضمن أولوياته الأساسية.
يعرف الحزب انّ هناك من ينتظر منه أن يستخدم قوته لمحاسبة الفاسدين بنفسه وزجّهم في السجون، لكنه يصرّ في المقابل على أنّ هذه مسؤولية القضاء حصراً، وانّ واجبه كحزب، يكمن في مساعدة هذا القضاء عبر تكوين الملفات او الضغط عليه حيث يجب، لدفعه الى إحقاق الحق، انما لا يمكن الحلول مكانه او التعويض عنه.
ولئن كان المواطن يشعر انّ غليله لن يرتوي الّا إذا أصبح كبار القوم من الفاسدين وراء القضبان، غير انّ هناك في الحزب من يلفت الى انّ هؤلاء لا يتركون في معظم الاحيان آثاراً او بصمات تدلّ عليهم، «بل يحمون فسادهم من خلال التلطّي خلف وسطاء يكونون هم في الواجهة. ولذلك، المطلوب مواجهة مدروسة تعتمد على التشريعات الضرورية من جهة وشجاعة القضاء من جهة أخرى».