خالد أبو شقرا - نداء الوطن
النية الحسنة بقرار حظر تصدير الأطعمة الطازحة والمعلبة، الحبوب والحلويات، حفاظاً على الأمن الغذائي، قابلتها إرباكات وخسائر للمصدرين والمنتجين. فإسقاط التدابير المتخذة في العديد من الدول على الواقع اللبناني المأزوم السائر خارج قواعد علم الاقتصاد، لا تحقق بالضرورة الحماية المرجّوة. بل على العكس، قد تؤدي هذه الاجراءات إلى تنشيط عمل السوق السوداء، والتشجيع على أوسع عملية تخزين، والتسبب بالمزيد من نقص المواد وارتفاع الأسعار، وخسارة الاقتصاد لـ»»الفريش» دولار».
التعديلات على القرار 16/1 تاريخ 11 آذار الحالي، الذي لا يجيز تصدير المواد الغذائية المصنعة في لبنان إلا بعد أخذ موافقة وزير الصناعة، لم تحل المشكلة. بحسب مصادر التجار والمنتجين للأسباب التالية:
- الاستثناءات من طلب الإجازة المسبقة لم تطل إلا بعض الأصناف، فيما بقيت النسبة الأكبر من السلع والمنتجات مشمولة بقرار الحظر.
- لم يُوضح بند «كافة المواد الغذائية الأخرى» المدرج باللوائح طبيعة ونوعية الاصناف التي يتطلب تصديرها الاستحصال على الاجازة. مما خلق الكثير من الارباكات المعطوفة على جهل الموظفين بحيثيات القرار.
- الوقت المتاح لتقديم الطلبات ضيق، وهو محصور بيومي الإثنين والأربعاء من الساعة 8 صباحاً وحتى الساعة 11 من قبل الظهر. والإجازات تسلم يومي الثلاثاء والخميس في التوقيت نفسه.
- يتطلب الحصول على الإجازة المسبقة امتلاك تراخيص لا تتوفر عند الكثير من صغار مصنعي بعض المنتجات، وتحديداً الحلويات والمونة البيتية، الذين كانوا يصدّرون إلى دول الخليج العربي سلع صناعة منزلية.
المشكلة بالتأخير
نسبة الطلبات المقدمة التي يتم ردها أو رفضها قليلة جداً، وهي لا تتجاوز 10 في المئة، بحسب ما يفيد رئيس نقابة اصحاب الصناعات الغذائية المهندس منير البساط. وعلى الرغم من أن الوزير مع فريق العمل يسهلون الأمور بقدر استطاعتهم، إلا أن الصناعيين وشركات الشحن ليس بمقدورهم تحمل أي تأخير ولو لساعات، نظراً للمصاعب التقنية واللوجستية التي يواجهونها في التصنيع والشحن. فتفويت موعد الشحن بالباخرة يوماً واحداً، قد يضطر الشاحن إلى الانتظار لإسبوع أو اثنين لاعادة تصدير البضائع. وخصوصاً مع تزايد الضغط على الشحن والتسفير مع اقتراب حلول شهر رمضان الكريم.
إنعدام التنسيق بين الوزارات
العوائق اللوجستية التي تواجه شركات الشحن، تتزامن مع عوائق إدارية، وغياب التنسيق الفاضح بين الوزارات، وخصوصاً بين وزارتي الصناعة والزراعة. فإحدى شركات الشحن الكبيرة حازت على موافقة شفهية من وزير الصناعة على إمكانية شحن كل السلع والمنتجات الغذائية من دون طلب الإجازة المسبقة، شرط أن تكون الشحنة مخصصة للاستهلاك الشخصي، وألا يتخطى وزنها 15 كيلوغراماً. إلا أن المفاجأة كانت برفض مكتب وزارة الزراعة في مرافئ التصدير كل الشحنات التي تتضمن مواد واردة في لائحة الحظر التي أصدرتها وزارة الصناعة. وعليه توقفت كل الشحنات التي تتضمن مواد زراعية على الرغم من إعفائها من الموافقة المسبقة بقرار من وزير الصناعة.
الخسائر هائلة
إنعدام التنسيق والفوضى التي تحكم علاقة الإدارات الرسمية والمعنيين بتطبيق القرار بين بعضهم البعض «تلحق خسائر لا تعد ولا تحصى بالمنتجين وشركات الشحن»، بحسب صاحب شركة عيتاني للشحن والتخليص محمد عيتاني. وقد تخطت نسبتها 70 في المئة. فالكثير من شركات الشحن كانت تعتمد في ما مضى على صغار المنتجين في مجال الغذاء وتصنيع المأكولات الذين يسوقون منتجاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ويصدرون بضائعهم بكميات صغيرة إلى الخارج عبر شركات الشحن. «كل هذا توقف اليوم»، يقول عيتاني. فـ»هذه المحترفات الصغيرة لا تستطيع التقدم بطلب الإجازة المسبقة للتصدير لعدم امتلاكها رخصة صناعية أو شركة مسجلة بحسب الأصول. ومعظم أصحابها عاجزون عن الاستحصال على الرخص المطلوبة نظراً لكلفتها ولكمية المعاملات والشروط الكمية والنوعية التي تتطلبها، والتي تصل إلى حدود 25 معاملة مستند. وبالتالي توقف عمل هذه المحترفات وتوقف عملنا معها، وخسر البلد كميات كبيرة من الفريش دولار التي كانت تدخل عليه نتيجة هذا النوع من التجارة»، يقول عيتاني.
المبالغة اللبنانية
«في الوقت الذي اقتصرت فيه لوائح منع التصدير في أكثرية الدول على بعض السلع والمواد الأولية مثل الحبوب والطحين والزيوت النباتية، شملت اللائحة اللبنانية مختلف السلع الغذائية المصنعة. الامر الذي يتعارض مع المعايير العالمية للحفاظ على الامن الغذائي»، بحسب البساط، «والقرار ترك مفتوحاً وساري المفعول حتى إشعار آخر، أي أنه لم يتم ربطه بمهلة زمنية كما فعلت الدول الأجنبية». وبحسب البساط، فـ»اننا ولو كنا نعارض القرار كصناعيين إلا أننا مضطرون للتعامل معه».
المبالغة اللبنانية في التماثل بالخارج من دون النظر إلى الواقع المحلي لا تتناقض فقط مع المعايير الدولية المعتمدة، إنما أيضاً مع دعوات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة FAO. «فالمنظمة دعت الدول إلى إبقاء التدفقات التجارية مفتوحة»، محذّرة من أن «سياسة الحماية يمكن أن تدفع الأسعار صعوداً، وتؤدي إلى إفراغ الرفوف في البلدان التي تعتمد على الواردات». أكثر من ذلك صرح الباحث في «المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في واشنطن»، جوزيف غلوبر بأن «أي استقرار تحصل عليه في البلد الذي يطرح حظر التصدير، هو عدم استقرار يُصدّر إلى بقية العالم؛ وبالتالي له تأثير متتال».
لبنان كبلد مستورد لأكثر من ثلثي حاجاته الغذائية ومواد التصنيع الأولية، «لا يواجه مشكلة في توفر الغذاء، إنما في قدرة المواطن على تحمل ثمنه»، من وجهة نظر البساط، و»ما يسوق من أخبار وصور عن المجاعة مبالغ بها». في المقابل فان القدرة على تمويل المشتريات والحفاظ على الأمن الغذائي مرتبطة بكمية النقد الصعب المتأتي بجزء كبير منه من عوائد الصادرات. وعليه فان فقدان القدرة على التصدير سترتد سلباً على سعر الصرف، وستنعكس ارتفاعاً كبيراً في الاسعار. وسيعجز معظم المواطنين على شراء حاجاتهم، حتى لو كانت موجودة على رفوف المتاجر. هذا إذا سلمنا جدلاً أن المحتكرين ومنتهزي الفرص، لن يعمدوا إلى تخزين ما استطاعوا من سلع بانتظار ارتفاع أسعارها، إنما هم مستفيدون من ضعف الرقابة وحالة الفوضى التي تسود في السوق.
مرة جديدة تثبت الحلول «على القطعة» عدم نجاحها. ففي بلد «بيضهّر جمل» من المعابر الشرعية، ويوجد فيه 136 معبراً غير شرعي وآلاف المخزنين والمحتكرين، يصبح تطبيق القواعد العالمية ضرباً من الجنون لا يؤذي إلا المؤسسات الشرعية ويدفعها إلى الإقفال والرحيل بعيداً عن الوطن.