محمد وهبة - الأخبار
فاز يوم السبت الماضي، سليم الزعني رئيساً لجمعية الصناعيين و23 عضواً لمجلس إدارتها، بالتزكية بعد اتفاقٍ سياسي قضى بتوزيع كلاسيكي للمقاعد على الطوائف والأحزاب. بمعنى آخر، ستواصل جمعية الصناعيين تمثيل هذه الاتجاهات بدلاً من أن تمثّل مصالح المنتسبين إليها وستبقى ذائبة في عباءة الريع بدل الانتقال إلى عباءة الإنتاج
بالتزكية فاز رئيس غرفة التجارة اللبنانية - الأميركية، سليم الزعنّي، في رئاسة جمعية الصناعيين وإلى جانبه 23 عضواً. هذه التزكية أتت في إطار التركيبة السابقة نفسها. فالجمعية لا تنفرد بتركيبة خاصة ضمن بنية منظومة الاقتصاد السياسي في لبنان، بل تطبّق عُرفاً يقضي بانتخاب رئيس مسيحي ومجلس إدارة يتوزّع مناصفة بين المسيحيين والمسلمين ويضمن مشاركة كل المذاهب. هذا العُرف جرى تركيبه أيام المرحوم الرئيس رفيق الحريري، وبموافقة وإشراف الرئيس نبيه بري، على يد الرئيس السابق للجمعية جاك صرّاف. توافق بري - الحريري على هذه التركيبة سببه حصّة وازنة للمسيحيين من عدد المنتسبين بنسبة تفوق 65%، بالتالي فإن حصول المسلمين على نصف عدد المقاعد بشكل ثابت ومضمون، يعدّ انتصاراً لهما. لكن لم يكن هذا هو الهدف الوحيد المحقّق بهذه التركيبة الهجينة، إذ كان الأمر يتعلق بالسيطرة على الجمعية التي كانت تقود أصحاب العمل. أيام بطرس الخوري كانت جمعية الصناعيين تقود ما يسمّى حالياً «الهيئات الاقتصادية» التي ينضوي فيها أصحاب العمل والرساميل، وكان لها نفوذ قوي في مواجهة «لوبيات» أصحاب العمل والرساميل، إنما بهذا العُرف أصبحت الجمعية تكتّلاً منضوياً في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، وهذه الأخيرة تسيطر على «الهيئات» وتذوّبها في عباءة الريع والتمويل. هكذا أصبحت الجمعية عبارة عن تجمّع للصناعيين الخاضعين للمصارف.
مع انهيار المصارف، ظنّ كثيرون أن نفوذ الريع سيضعف مقابل صعود نفوذ الإنتاج الذي يفترض أن تمثّله جمعية الصناعيين داخل تركيبة «الهيئات». لكن ما حصل كان مفاجئاً. فعلى مدى السنتين الماضيتين، شارك ممثلو جمعية الصناعيين في اجتماعات «الهيئات» ولاموا المصرفيين على نتائج الانهيار انطلاقاً من جفاف التمويل وتداعياته على عمليات الإنتاج. غير أن ردود المصرفيين أحرجت الجميع، لأنها ذكّرت بالتمويل المدعوم للصناعيين والذي استعمل قسماً منه في مآرب خاصة لا تتعلق بتوسيع الاستثمار وخطوط الإنتاج، أو بحصول الصناعيين على تسليفات عقارية مدعومة، أو سداد قروضهم على سعر صرف يبلغ 1500 ليرة خلافاً للسعر الرائج في السوق، أو حتى سداد القروض بشيكات مصرفية... في المحصّلة أُحرج الصناعيون وأُسكتوا «لأن المصرفيين يعلمون عنهم كل شيء».
صحيح أن إفلاس المصارف غير المعلن خلق تباعداً في المصالح والأولويات مع الصناعيين، إلا أنه لم يُبلور مشروعٌ واضح في هذا الاتجاه بعد. فبحسب الزعنّي «ليس هناك مشروع حالياً بل ننتظر انتهاء الانتخابات حتى يعقد مجلس إدارة الجمعية جلسة تحدّد هذا المشروع». سريعاً يستدرك الزعنّي أن «أوجاع الصناعيين معروفة من كلفة الإنتاج وفتح الأسواق... هناك الكثير من المشاريع وسنكملها لأن الحكم استمرارية».
بكلامه عن الاستمرارية يوحي الزعنّي بأنه لن تكون هناك عملية ثورية في الجمعية، ولا في موقعها بين بقية تكتلات أصحاب العمل. وهذا الأمر، يتعزّز في اتفاق التزكية الذي أتى بالزعنّي مع برنار تنوري. كان الأخير مرشحاً للرئاسة، لكنه وافق على الانخراط في عضوية المجلس بشرط أن يُنتخب رئيساً في المرة المقبلة، وأن يسمّي اثنين هما داني عبود وبول أبي النصر (حالياً هما عضوان في مجلس الإدارة المنتهية ولايته). شروط تنوري كادت أن تمنح أفضلية قواتية في المقاعد المسيحية، على التيار الوطني الحرّ الذي بات مهدداً بخسارة إبراهيم الملاح. لكن حُلّت العقدة بخروج موريس زيدان بدلاً من الملاح، وحصول التيار على مقعد مسيحي آخر غير ماروني وزيادة الحصّة المسيحية في التوزيعة الطائفية والمذهبية لمجلس إدارة الجمعية. طبعاً جرى تركيب اللائحة من المذاهب الأخرى وفق العرف المطبّق.
إذاً، العقل نفسه والآلية نفسها لا يزالان يسيطران على الجمعية. بمعنى آخر، أن الانهيار المصرفي لن يُترجم في العقل الجماعي للصناعيين بانتفاضة ضدّ المصارف رغم الضرر اللاحق بهم. وهذا يعني أن الأفضلية ستبقى للريع المصرفي والعقاري الذي تمثّله غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان. إنما بحسب الرئيس السابق للجمعية فادي عبود، فإن «جمعية المصارف صارت وحدها ومصالحها تختلف عن الآخرين، لذا يجب إعادة تنظيم شاملة للهيئات ونزع هيمنة الغرف عنها». وعبود لا يعتقد أن هناك مشروعاً أو برنامجاً للصناعيين أفضل من فصل المصالح السائدة بعضها عن بعض شكلاً، بما أنها أصبحت منفصلة مضموناً. «يجب أن يقرّر كل فريق مصالحه على حدة» يقول عبّود. فلنأخذ مثلاً إيرادات غرف التجارة ونفقاتها: «90% من الإيرادات متأتّية من تصديق الفواتير الناتجة من الصناعة، بالتالي يجب أن يُصرف القسم الأكبر على تنمية الصادرات، لكن تركّز الإنفاق يقع في اتجاه مختلف كلياً».
لا يُتوقع أن تتغيّر التبعية للتمويل مع الزعنّي ومع مجلس إدارته، بل يعني استمرار كل المشكلات الناتجة من التركيبة السابقة. أبرز مثال على ذلك، أن الفوائد المفروضة على قروض المواد الخام المخصّصة للصناعيين عبر صندوق سيدر أوكسيجين تبلغ 9.75% كمعدل سنوي. فالانهيار لم يغيّر طريقة عمل المؤسّسات المالية، سواء كانت مصارف أو صناديق، أو أي نوع آخر من هذه المؤسّسات. فالوجه المعروف لتبعية التمويل هو المصارف، إنما هناك أوجه أخرى تعمل بالنمط نفسه.