ايفا أبي حيدر - الجمهورية
أثقلَ تحديد سقوف لسحب الرواتب كاهل الموظفين والعمال خلال الفترة الماضية. وقد زاد الطين بلة توقف محطات المحروقات كلياً واصحاب السوبرماركت جزئيا عن قبول الدفع بواسطة البطاقات المصرفية، مع العلم انه حتى لو تمّ تسديد الراتب كاملا فلا يمكن ان يكفي لتغطية الحد الأدنى من تكاليف المعيشة والنفقات المطلوبة. فهل من حلول يمكن اللجوء اليها لإنصاف العامل؟ ومن يتحمل المسؤولية المصارف او مصرف لبنان الذي حدد في تعميم دفع 60% من المساعدة للقطاع العام نقدا و40% بواسطة البطاقة المصرفية؟
بعد مرور فترة على تحديد المصارف سقوفاً لسحب رواتب الموظفين، بدأ هذا الملف أخيرا يستحوذ على اهتمام المسؤولين، بحيث كشف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، عن تكليف وزير المالية اتخاذ الإجراءات اللازمة بعدم وضع أيّ سقوف على سحب الرواتب من قبل المصارف. كذلك شَكا وزير العمل من تعسّف المصارف في وضعها لقيود وسقوف على الرواتب والمعاشات والمساعدات الممنوحة للموظفين والمتقاعدين، معتبرا ان الاعذار والمبررات لاقتطاع قسم من الراتب غير مقبولة ملوّحاً بإبلاغ المنظمات الدولية لاختصام المصارف أمام الجهات الدولية المعنية، بالإضافة إلى التحرك أمام القضاء الداخلي، وقال انه سيمنح المصارف فرصة لحل المسألة الادارية قبل اللجوء إلى التدابير التي يتيحها القانون لوزير العمل.
لكن مهلاً، هل ان المصارف من يحدّد سقوف السحوبات ام مصرف لبنان، أليس هو مَن حدّد في تعميم اصدره أنه سيغطي فقط 60% من الزيادة المقرّة على رواتب القطاع العام نقدا على ان تخصص القيمة المتبقية اي نسبة الـ 40% للشراء عبر البطاقات المصرفية، أو التسديد بواسطة الشيكات، ولاحقاً اعلنت المصارف انها ستلتزم قرار المركزي. هذا في ما خصّ القطاع العام، هل الامر سيان بالنسبة الى القطاع الخاص، اي هل ان مصرف لبنان هو من حدّد كوتا رواتب القطاع الخاص ام المصارف؟ هل المقاضاة تتشابَه في الحالتين مع العلم ان المركزي حدد تقسيم المساعدات للقطاع العام في تعميم ولم يحددها للخاص؟
في السياق، شرح المتخصص في الشؤون المصرفية المالية المحامي مروان صقر لـ«الجمهورية»، انه يحق لمصرف لبنان بموجب قانون النقد والتسليف ان يصدر تعاميم للمصارف تكون ملزمة لها إنما لا يمكن لهذه التعاميم ان تعدل من العلاقة التعاقدية القائمة بين المصرف وزبائنه، لذلك اذا كان هذا التعميم سيؤثر على حقوق العميل وعلاقته بالمصرف (المرتبطين اصلا بموجب عقد) يمكن للعميل ان يعترض عليه من خلال الطعن بقرار مصرف لبنان ومقاضاته امام مجلس شورى الدولة انما عملياً هذه الخطوة صعبة جدا ومسارها طويل وهذا ما يفسّر انّ احداً لم يتقدم منذ عامين الى اليوم بأي خطوة مماثلة رغم كل الشوائب التي طالت تعاميم مصرف لبنان خلال هذه الفترة لأنها في النهاية لا تؤدي الى نتيجة سريعة. امّا المصارف في هذه الحالة فتكون «بين شاقوفين» فمن جهة لديها موجبات العقد الذي ينظم علاقتها بزبائنها، ومن جهة أخرى التعليمات التي تتلقاها من هيئة الرقابة عليه والتي هي مصرف لبنان.
وبالتالي فإنّ كل الدعوات والمواقف التي صدرت وتصدر عن المسؤولين التي تلوح فيها بمحاكمة المصارف او مقاضاتها هي مجرد مواقف شعبوية وتهدف الى شد العصب فالقرار النهائي يكمن عند المصرف المركزي وحده وغالباً ما يعالج بالسياسة.
وقال صقر: لا شك انه تمّت مفاتحة مصرف لبنان بهذا الموضوع وبالتأكيد هو يرى ان هذا كل ما يستطيع ان يقدمه، فالمطلوب حل كامل متكامل يبدأ من انفراج سياسي الى الاتفاق على خطة تعاف الى التوقيع مع صندوق النقد.
وعن الخطوات القانونية التي يمكن لوزير العمل ان يتخذها في هذا الخصوص قال: يمكن لوزير العمل ان يطعن بقرار مصرف لبنان انما لا احد يعلم كم من الوقت سيستغرق قبل ان يحصل على نتيجة. اما عن اللجوء الى منظمات دولية فقال: لا جهات دولية مختصة يمكنها ان تقاضي المصارف اللبنانية وكوزير لا يمكنه ان يقاضي المصارف اللبنانية في الخارج. وحده المودع يمكنه ان يقاضي مصرفه امام المحاكم اللبنانية او في الخارج اذا كان يحمل جنسية اجنبية وفي هذه الحالة يقاضيها في البلد الذي يحمل جنسيته وليس امام محاكم دولية.
رواتب القطاع الخاص
وإذا كان تقسيم الراتب بين نقدي وبطاقات مصرفية صدر بموجب تعميم من المركزي ماذا عن حال رواتب القطاع الخاص؟ هل يمكن التحرك قانوناً ضد المصارف كونها قررت الاستنسابية من دون اي مسوغ قانوني؟ يقول صقر: بما انه لم يصدر اي تعميم من المصرف المركزي يحدد سقفا للسحوبات في القطاع الخاص فيمكن للمودع المتضرر ان يقاضي المصرف لأنه في هذه الحالة المصرف غير محمي، موضحا ان تعاميم المصرف المركزي تشكل نوعا من الحماية للمصارف التي يمكنها ان تتذرع بأنها مُلزمة تنفيذ قرارات المركزي، ولطالما طالبت به المصارف لتحمي نفسها من المودعين. واشار الى ان مقاضاة القطاع الخاص للمصارف على خلفية سحب كامل الراتب اسهل من القطاع العام لأن المصارف تلتزم بقرار صادر عن جمعية المصارف.