رنى سعرتي - الجمهورية
يبدو انّه، وعلى حدّ تعبير أمين الصندوق السابق في جمعية المصارف تنال الصباح في تصريحه الأخير، «أنّ الطريقة التي يُعامل بها القطاع المصرفي هي لإنهائه»، وليس لإعادة هيكلته كما يفترض ان تكون مهمّة الفريق اللبناني الذي يتفاوض مع صندوق النقد الدولي .
يبدو انّ الأزمة القضائية المصرفية المستجدّة، بغض النظر عن أحقّيتها، بالإضافة الى تصويب كل السهام السياسية نحو المصارف بهدف تحريض المودعين عليها فقط لدوافع انتخابية، لن يصبّ في مصلحة حماية اموال المودعين، وهو الشعار الذي تحمله كافة الأطراف المشاركة في تبخّر اموالهم، بدءاً من الدولة، فالمصرف المركزي وصولاً الى المصارف نفسها.
في هذا الإطار، أوضح مكتب نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي في بيان امس، انّه تمّ «خلال الأسبوع الفائت عقد عدد من الاجتماعات مع صندوق النقد الدولي تركّزت على المواضيع التالية:
- مشروع قانون «الكابيتال كونترول» وملاحظات الصندوق عليه، وذلك بعدما طلب أعضاء مجلس النواب أن يتمّ التوصل إلى اتفاق مع الصندوق على هذا القانون قبل عرضه على مجلس النواب.
- موضوع السرّية المصرفية وضرورة تعديل بعض المواد في القانون الحالي، بما يسمح بتسهيل مكافحة التهرّب الضريبي والفساد بشكل عام.
- إستكمال البحث في موضوع القطاع المصرفي بهدف حماية المودعين قدر الإمكان، ولا سيما الصغار منهم، وإعادة تفعيل دور القطاع المصرفي بشكل يخدم الاقتصاد، من خلال تمويل القطاع الخاص، وذلك لتحفيز النمو وخلق فرص عمل. كما تناول البحث مساهمة الجميع في تحمّل المسؤولية للتعامل مع خسائر القطاع المصرفي، مع ضرورة الالتزام بالمعايير الدولية لحلّ هذه الأزمة. ولهذه الغاية، تمّ الاتفاق على تحضير مشروع قانون للتعامل مع إعادة هيكلة القطاع المصرفي، بعد الاتفاق على استراتيجية التصحيح المالي.
وتستمر هذه الاجتماعات خلال الأسبوع الجاري تحضيراً لزيارة بعثة الصندوق إلى لبنان الأسبوع المقبل لاستكمال المفاوضات».
بعد مرور حوالى 3 اعوام على تحوّل المصارف اللبنانية الى «zombie banks»، لا تملك أي وظيفة او دوراً فعلياً، لا يزال الحديث يجري حول وضع استراتيجية للتصحيح المالي، تتضمّن إعادة هيكلة القطاع المصرفي. رغم انّه لم يتمّ أيضاً، وبعد مرور 3 اعوام على اندلاع الأزمة، التوصّل الى توافق حول الحجم الفعلي لخسائر القطاع المصرفي وكيفية توزيعها، وهو الامر (استراتيجية التصحيح المالي) الذي يشكّل عائقاً رئيساً لانطلاق عملية إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
عازار
في هذا الإطار، شرح المستشار المالي وأستاذ الاقتصاد السابق في جامعة «جون هوبكنز» مايك عازار، انّ المطلوب أوّلاً الاتفاق على استراتيجية التصحيح المالي والاعلان عنها، «وهو الأمر غير المحقق لغاية الآن». موضحاً لـ»الجمهورية»، انّ عملية إعادة هيكلة القطاع المصرفي، تنطلق بعد أن تقرّر أو تتفق الحكومة حول كيفية التعامل مع الودائع وخسائر مصرف لبنان، حيث تقوم بتشكيل لجنة مهمّتها تسوية أوضاع المصارف أي لجنة فنية (يمكن ان تتألف من ممثلين عن مصرف لبنان، لجنة الرقابة على المصارف، ووزارة المالية) تملك سلطة تنفيذ عملية إعادة الهيكلة بكافة الأدوات المتاحة لذلك، حيث تبدأ عملها بدراسة وضع كل مصرف على حدّة، ومن ثم تنفيذ عملية الإنقاذ وعملية الهيكلة وفقاً لإطار إعادة الهيكلة المعتمد من الحكومة. كما من مهمّة تلك اللجنة اتخاذ قرار تصفية بعض البنوك إذا لزم الأمر، ودمج بعضها الآخر او إصلاح ميزانياتها من خلال عمليات bail in، الاقتطاع من القروض وعمليات إنقاذ...
واكّد عازار انّه لا يوجد في الوقت الحالي قانون يرعى عملية اعادة هيكلة القطاع المصرفي، ولا تملك أي جهة الصلاحية القانونية للقيام بذلك، وبالتالي أي قرار تعتمده الحكومة ضمن استراتيجيتها للتصحيح المالي، كتوزيع الخسائر على سبيل المثال من خلال عملية bail in او غيرها، لا يمكن ان تتحقق حالياً من دون وجود قانون إعادة الهيكلة واللجنة المختصة بذلك، لأنّ قوانين الإفلاس العادية القائمة، لا تتلاءم مع موضوع إصلاح المصارف ومواصلة عملها، خصوصاً البنوك الكبرى التي يجب تجنّب إفلاسها او تصفيتها، مما يشكّل ضرراً اضافياً اكبر على الاقتصاد. وأشار الى انّ هذا النموذج لإعادة هيكلة القطاع المصرفي تمّ اعتماده في الولايات المتحدة واوروبا لإعادة هيكلة البنوك الكبرى، وهو ما تمّ اعتماده ايضاً في اليونان وقبرص على سبيل المثال.
وشرح عازار، انّ قانون اعادة هيكلة القطاع المصرفي وتعيين لجنة متخصّصة ذات سلطة قانونية، يسرّعان عملية اصلاح أو إنقاذ أو تصفية المصارف، ويضمن في غضون ذلك مواصلة عملها. كما من مهمة اللجنة تغيير إدارات المصارف، مما يصبّ في مصلحة المودعين ويضاعف احتمالات التعافي. ويحق للجنة إلزام إدارات المصارف بإعادة الرسملة بالسيولة النقدية بالدولار، لافتاً في المقابل، الى انّ الاعتماد على قوانين الإفلاس القائمة، يستغرق اشهراً وسنوات، بين اعلان الإفلاس وتصفية الموجودات والتفاوض لدى محكمة الافلاس مع الدائنين، يتوقف خلالها المصرف عن العمل، «وهذا ما لا يمكن ان تتحمّله المصارف، خصوصاً الكبرى منها، والتي تملك حجماً كبيراً من العمليات المصرفية، وبالتالي يؤثر فشلها على الدورة الاقتصادية والنمو، وهو الامر الذي يحصل منذ عامين، وكان يمكن تجنّبه لو تمّ تشكيل هذه اللجنة في وقت سابق».
وأشار الى انّ وجود سلطة ذات صلاحية بتصفية المصارف قبل إفلاسها، «كان ليجنّبنا التعامل منذ 3 سنوات مع مصارف «زومبي» كما هو الحال اليوم، وكان ليجنّبها تدمير سمعتها وعملياتها المصرفية كما يحدث الآن».
ولفت عازار في الختام الى معضلة ستواجهها الحكومة خلال عملية اعادة الهيكلة، تتمثل بتحديد إجمالي حجم خسائر القطاع المالي (70 مليار دولار) وكيفية توزيعها بين الـbail in او تحويلها الى الليرة وغيره...، كما لو انّها تتعامل مع مصرف واحد، علماً انّه عندما يتمّ درس وضع كلّ مصرف على حدة، قد لا تنطبق عملية توزيع الخسائر المعتمدة من قِبل الحكومة على كافة المصارف، وبالتالي لا يمكن تعميمها عليها كافة، لأنّ وضع بعض البنوك قد يكون أفضل من غيرها.