رحلت منذ اسابيع قليلة المطربة المعتزلة نورهان (1922-2022) في منزلها في بيروت عن مئة عام أمضت بعضًا منها في عالم الغناء والسينما.

خيرية جركس، وهو الاسم الحقيقي للفنانة نورهان، مطربة سورية-لبنانية من أصول شركسية.

وُلدت في دمشق عام 1922 وعاشت منذ عمر السبع سنوات طفلة يتيمة الوالدين بعد وفاتهما.

بدأت الغناء في سن مبكرة، ورددت الأغاني التي كانت تسمعها في الراديو في التجمّعات الموسيقية التقليدية للنساء، أو الاستقبالات كما كانت تسمى، والتي نظمتها والدتها وصديقاتها.

تزوجت وكان عمرها 14 سنة من اللبناني قاسم قاسم وكان استاذًا للأدب ومترجمًا. معًا سافرا الى القاهرة حيث تابع قاسم دراسته ونال الدكتورا في الادب الانكليزي.

شاركت نورهان في القاهرة في ادوار هامشية في الافلام السينمائية،  وذلك رغبة منها في مساعدة زوجها في تأمين مدخولها الشهري وإعالة طفلهما، زياد. من أشهر الأفلام الذي شاركت فيها نورهان ككومبارس، فيلم "شهر العسل" من بطولة فريد الأطرش.    

فتحت القاهرة أبواب الشهرة امام مواهب خيرية في الغناء والتمثيل. ومن دمج اسميْ المطربتين الناجحتين آنذاك في القاهرة، نور الهدى وأسمهان، تحوّلت خيريّة الى نورهان. تعرفت الى الوسط الفني، وما لبثت أن احترفت الغناء والتمثيل. مثلت في ثلاثة أفلام هي "الخير والشر" (1946)، و"ابن الشرق" (1946)، و"ليلى في العراق" (1949).

كان قاسم قاسم رجلاً مثقفًا و منفتحًا، و لم يمانع أن تشارك زوجته في الافلام و الفن عامةً، لكنه بدأ يتوتر من تأخرها في ستديو التصوير، و لم تتحمل خيرية هذه الضغوطات على حريتها، فأخدت طفلها زياد وغادرت المنزل العائلي، ومن ثم تطلقت. خلال تصوير أول فيلم "الخير والشر"، تعرفت نورهان بالممثل، المطرب، والمخرج اللبناني محمد سلمان الذي سوف يكون زوجها الثاني وشريك حياتها الفنية والشخصية مدى خمسة سنوات سعيدة.       

من القاهرة سافرت نورهان الى دول عربية عدّة حيث كانت تغنّي على مسارحها وفي أنديتها الليلية. وفي بيروت أو دمشق كان لديها مواعيد أسبوعية في إذاعة دمشق، والإذاعة اللبنانية، حيث غنت من ألحان حليم الرومي وفيلمون وهبي وسامي الصيداوي، ولحّن لها محمد محسن حوالى مئة أغنية.

في مطلع ستينيّات القرن العشرين، اعتزلت  نورهان الفن فجأةً ولأسباب عديدة، و هي في ذروة النجاح، وافتتحت صالونًا نسائيًا لتصفيف الشعر في دمشق وصارت من سيدات المجتمع الراقي، وتركّز اهتمامها على متابعة حياة ابنها ومواكبته في تحصيل تعليمه الجامعي.

لاحقًا عادت الى بيروت حيث عاشت في منزل ابنها الوحيد وعائلته وفيه انطفأت بعد عقود بسلام.

المخرجة مي قاسم حقّقت منذ سنوات فيلمًا وثائقيًا عن جدّتها نورهان حمل عنوان "نورهان، حلم طفلة" عُرض في مهرجانات كبرى ونال جوائز عدة، وفيه روت نورهان سيرتها الشخصية والفنية. قاسم التي تحدّثت الى الاعلامي زافين قيومجيان ضمن برنامج "بونجورين مع زافين" عبر إذاعة صوت كل لبنان، روت كيف اكتشفت بالصدفة أنّ جدتها كانت مطربة معروفة وكيف أقنعتها بتصوير سيرتها الفنية والذاتية في فيلم عام 2016. وأشارت قاسم الى أنّ نورهان نقلت اليها كما الى شقيقتها هنا وشقيقها رمزي الشغف بالفن رغم أنّ جدّتها كانت صامتة عن هذا الماضي. ورأت قاسم أنّ جدّتها اعتزلت أيضاً لأن عالم الفن لم يكن بنقائها. وبتأثر ختمت مي قاسم مداخلتها متحدّثةً عن المشهد الأخير في حياة نورهان والتي ختمتها وهي تستمع الى كوكب الشرق ام كلثوم تؤدي اغنية "فات الميعاد" قبل ان تنطفئ وترحل عن عالمنا محاطةً بحفيدتها و كنّتها فاطمة، أرملة ابنها الوحيد زياد.

يمكن الاستماع الى المقابلة مع المخرجة مع مي قاسم من خلال هذا الرابط: