النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
عزف عزوفاً أي عاف الشيء وكرهه، وعزف عزفاً أي لعب على آلة موسيقية، وعزف عزيفاً وهذا من أفعال الجن.
كان الأسبوع المنصرم مسرحاً للعزوف والعزف والعزيف معاً، إذ وجد الجمهور نفسه وجهاً لوجه مع أمر واقع سياسي هو عزوف تنوعت أسبابه واتّحدت نتيجته مَثَلُ ذلك كمثل السفينة الملأى بالركاب الذين تأكدوا من وجود طاقم الربابنة في غرفة القيادة، فما أن أقلعت وهبّت عليها العواصف حتى خلا البرج من القابودان، واعتذر الضباط مع دمعة وابتسامة، وأوعزوا إلينا أن نستكمل الإبحار بمجاذيف متكسرة.
هم أربعة لهم رسوخهم السياسي، تزامن عزوفهم كأنه العزف الموسيقي، بحيث راح الناس يتكهنون حول شخصية المايسترو الذي قاد هذه السيمفونية التي تذكرنا بخامسة بيتهوفن، (القدر يدق الباب).
يقول بدوي الجبل:
"المغاوير مثخن أو قتيل"، ونحن نعلم انهم مثخنون نازفون، تراوحت ظروفهم بين حرية القرار والقرار الإكراهي، وبين المجابهة وإيثار الراحة، ولكنهم كلهم وفي لحظة واحدة عزفوا موسيقا حزينة ثم أطفأوا أضواء المسرح إلا من بصيص خافت ووتر حافظ على نبضه وحيداً كما نبض الفؤاد الواجف.
ليس لي أن أعاتب أحداً منهم ولكنني أسأل الرئيس ميقاتي لماذا سعى إذن أن يكون رئيساً لحكومة مشلولة بحكم الولادة، فشهد على الفوضى العارمة لا سيما عملية التمثيل بجثة العدالة، ثم أعلن في النهاية انه لن يترشح معتبراً نفسه من رعيل طوته الظروف فآثر أن يفتح الباب للقيادات الشابة؟ لم تكن دبياجته ناجحة ولا تعليله موفقاً، كما أنّ مبرر الحيادية الذي أعلنه يدفعني لتذكيره بالمثل القريب وهو أن الرئيس الحريري خسر جزءاً كبيراً من كتلته النيابية في انتخابات جرت تحت إشراف حكومته وبقانون شارك في تأليفه وتلحينه، وتحدّدت فيه النتائج قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وألفت إلى أن فترة الـ 24 ساعة الفاصلة بين عزوف الرئيس ميقاتي وإقفال باب الترشيح لم تكن كافية على الاطلاق لتفقيس القيادات الشابة التي أخلى لها المكان والمكانة.
بكل الأحوال، لم يعد مفيداً البكاء على الحليب المسكوب ، فلقد وقعت الطامة بين عزوف نشاز وعزف مرتبك ولم يتبق إلا الفريق الذي ملأ الشاشات مطلقاً أسماء المرشحين المصفوفين على الكراسي كبدل عن البضائع المفقودة في الرفوف الخالية، ليكون بعدها ظهور القادة وهم يغرّدون كالحساسين ويرفرفون كالملائكة الأبرياء، ويكرّسون أوقاتهم الثمينة لإملاء الدورس المبسّطة على الجمهور الساذج، حيث عاد أحدهم إلى كليلة ودمنة فتمثل أمامنا عبدالله بن المقنع بشراً سوياً، يحدثنا عن الحرباء المتلوّنة، ويشفع الدرس النظري بالتطبيقات العملية إذ خلع عن المهرجان ثوبه البرتقالي التقليدي - ربما تنصلأ من ثورة البرتقال الأوكرانية - ولبس الأزرق السماوي الحريري مذكّراً إياناً بنظرية الحلول، فلقد ظنّ كثيرون أن الاحتفال الازرق المعتكف قد ترك مستقبله بيد صديق قديم وحليف وفي. كما شرح لنا الفارق الجوهري بين ثورة 2005 المزيّفة وبين الأصليّة، فظننا لوهلة أن الرئيس رفيق الحريري لم يتم اغتياله وانه لم يزل حياً يرزق، ومن يدري فلعلّه سوف يستدعى من قبل القضاء العادل لملاحقته بجرم تزوير الثورات بإدعائه الاستشهاد، لأن ثورة 2005 الحقيقية انطلقت شرارتها يوم انطلقت سفينة العماد عون الفرنسية، إنفاذاً لقانون سيّء الصيت، هو قانون إبعاده ونفيه. ولكنني اظن أن القاضي الذي سيستدعي رفيق الحريري سيصاب بصدمة شديدة لأنه سيجبه بالدفع بقوة القضية المحكمة، وذلك بإبراز حكم دولي مبرم قضى بإدانة القتلة، فتسقط بذلك تهمة التزوير وتحق الملاحقة بجرم الافتراء الجنائي السياسي والإخلاقي على كل من يظهره التحقيق فاعلاً أو متدخلاً أو شريكاً.