يمنى المقداد - الديار
مهما تعدّدت القراءات و التوقّعات الإقتصادية، يمكن الجزم بأنّ ما من توقّع يستطيع أن يحدّد بدقّة عدّاد الدولار في لبنان صعودا أو هبوطا، طالما لم تبصر النور أيّ خطة إقتصادية إنقاذية بعد.
في المقابل، فتح هذا التأرجح في عدّاد الدولار والأسعار، النقاش واسعا بين الإقتصاديين حول خياري "الدولرة" الشاملة للبلد، أو دولرة الرواتب أو جزء منها، نظرا للإنهيار المستمر في سعر صرف الليرة أمام الدولار، وبالتالي تلاشي القدرة الشرائية للمواطن في لبنان.
بغضّ النظرعن خلفياته وتداعياته، شكّل التعميم 161 في شهره الأول متنفّسا لكلّ موظف يتقاضى راتبه من المصرف بالليرة اللبنانية، فيما لم يكن كذلك في شهره الثاني (شباط الحالي) نظرا لهبوط سعر صرف الدولار في السوق السوداء، ليصبح أقلّ من سعر منصة "صيرفة".
فهل طرح دولرة الرواتب إجراء قابل للتنفيذ على مستوى القطاعين العام والخاص، وهل يحسّن فعلا قدرة المواطن الشرائية ويعيد تحريك العجلة الإقتصادية؟
الأسمر: جاهزون للحوار
رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، قال لـ "الديار" أنّ الدولرة الشاملة هي طرح وهمي وغير قابل للتنفيذ، أولا على الصعيد العملاني لأنّه يفترض كتلة نقدية هائلة بالدولار، قد تكون غير متوفرة، وثانيا على الصعيد الوطني فهو مبدأ مرفوض لأنّ الليرة اللبنانيّة هي عملتنا الوطنية، وهي رمز وطني أساسي.
وإذ أيّد الأسمر دولرة جزء من الرواتب في القطاع الخاص (المؤسسات الخاصة والمصانع والمعامل)، والذي يمكن أن يوازي الحد الأدنى للأجور أو قسم من الراتب، لفت إلى أنّ هذا الإجراء لا يمكن أن يكون إلزاميا لأنّ هناك مؤسسات قادرة على ذلك، وباشرت فعليا بإعطاء موظفيها جزءا من رواتبهم بالدولار الأميركي، فيما لا قدرة لمؤسسات أخرى، مع تأكيده أنّه يساهم بتعويض الموظف والعامل والأجير في هذه المؤسسات عن الإنهيار الكبير بقيمة سعر صرف الليرة اللبنانية.
أمّا فيما يخصّ إمكانية تطبيق الدولرة في القطاع العام، لفت إلى أنّ هذا الإجراء غير قابل للتنفيذ في مؤسسات الدولة، وإن كان ممكنا، فقد يشمل جزءا من الراتب و"نحن جاهزون للحوار بهذا الإطار"، موضحا في المقابل أنّ وزارة المالية تعتمد الليرة اللبنانية، ما يعني أنّه يجب الإستعانة بمصرف لبنان لتأمين السيولة، وسأل: هل المصرف المركزي قادر على تأمين هذه السيولة لكلّ القطاع العام من مدنيين وعسكريين ومتقاعدين؟ اوهل لدى الدولة القدرة على ضخ هذه السيولة الهائلة من الدولار شهريا لتأمين رواتب هذه القطاعات؟ وأردف:"أشك بذلك، فهو نوع من الطروحات الغير قابلة للتنفيذ".
وجزم الاسمر أنّ توحيد أو تثبيت سعر الصرف، رهن بالأجواء السياسية، تساءل عن المبرر الذي رفع سعر صرف الدولار بظرف شهر أو شهرين، فيما الوضع الإقتصادي لا يزال على حاله، مستذكرا لحظة انخفاض الدولار لحدود 14 ألف ليرة، عشية تكليف الرئيس ميقاتي تأليف الحكومة، ومستغربا في الوقت عينه تحليقه بعد 3 أو 4 أشهر من التشكيل لما يقارب 35 ألف ليرة، ليعود ويهبط بفترة قياسية إلى حدود 20 ألف ليرة، عازيا ذلك إلى المنصات والتطبيقات والغرف السوداء التي تتواجد غالبيتها في الخارج والتي تتحكم بمصير الشعب اللبناني.
راتب الموظف بين 60 و120 دولاراً
الخبير الإقتصادي الدكتور نبيل سرور، أشار لـ "الديار" إلى أنّ تدني القدرة الشرائية عند المواطن اللبناني هي ظاهرة أساسية رافقت تراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي خلال السنتين الماضيتين، حيث تضاعفت الأسعار بنسبة تجاوزت 300% في الكثير من السلع والمواد الأساسية، فأصبح الموظف سواء في القطاع العام أو الخاص يعاني من غلاء الأسعار والإحتكار، وسط تراجع الراتب الشهري بنسبة كبيرة، ليبلغ متوسط رواتب الموظفين ما بين 60 و120 دولارا أميركيا على أساس سعر الصرف (22 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد بحسب منصة صيرفة). كما تراجعت بدلات النقل، وأصبح تنقّل الموظف من والى مركز عمله يشكل عبئا كبيرا بسبب تضاعف سعر صفيحة البنزين نحو 11 مرّة، ما أثّر على دوام الموظفين في المؤسسات العامة والخاصة، وتراجعت بالتالي إنتاجيتها.
ولفت إلى إنّ عدد الموظفين بالقطاع العام بين عسكريين ومدنيين بحسب الإحصائيات المتداولة (غير النهائية) يزيد على 200 ألف موظف، فيما لا يقلّ عن 360 ألف موظف ومستخدم وأجير وعامل ومياوم في القطاع الخاص، ويكلّف إعطاء الرواتب والمخصصات بالدولار الأميركي حوالي 60 مليون دولار شهريا، وشدّد على أنّ الدولة التي تحترم شعبها تستعمل العملة الوطنية لموظفيها بالقطاع الخاص أو العام ، معتبرا أنّ دفع الراوتب بالدولار لا يجب أن يكون دائما، ولا بدّ من التراجع عنه لصالح الدفع بالليرة اللبنانية على قاعدة إعادة الاعتبار للعملة الوطنية ودعمها بعد أن فقدت كثيرا من قيمتها.
ورأى سرور في دولرة الرواتب خطوة تهدف لمواكبة الإنخفاض الكبير الحاصل بسعر صرف الليرة مقابل الدولار، مضيفا أنّ ضخّ العملة الصعبة في الاسواق لن يساهم بعلاج المشكلة التي تؤثر على الواقع الإقتصادي برمّته، والحل يكون فقط من خلال تفعيل الإقتصاد المنتج وليس الريعي الذي يعتمد على الإيداعات المصرفية والإقتراض الوهمي وتداول الأوراق المالية وسندات الخزينة دون القيام بمشاريع منتجة تصب في خانة بناء إقتصاد وطني سليم.
صحيح أنّ دولرة الرواتب حصلت مؤخرا في القطاعين والخاص من خلال التعميم رقم 161، إلّا أنّها اقتصرت على بعض الناس ولمدّة شهرين فقط، ولم تسلم من الإنتقادات التي طالت المصارف من خلل اعتماد تسعيرة للدولار مختلفة عن سعر منصة "صيرفة"، ما ينبىء بضرورة دراسة معمّقة لهذه الخطوة قبل الشروع بها، إلّا أنّها خطوة أصبحت اليوم مطلبا تنشده شريحة واسعة من اللبنانيين، نظرا للإستنزاف الحاصل بقيمة الليرة اللبنانية، ومنعا لانهيار دخل الفرد بشكل كامل.