باتريسيا جلاد
في العام 1971 قرّر الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلغاء ربط الدولار بالذهب وبالتالي انتهاء تغطية المعدن الأصفر للعملة الخضراء، ما أدى الى سقوط إتفاقية «بريتون وودز» الموقعة في العام 1944.
وقع هذا الخبر كالصاعقة على رأس الياس سركيس الذي كان وقتها حاكماً لمصرف لبنان قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية، والذي صنّف بـ»الدقة القديمة» في نظريته القائمة على تجميع المعدن الأصفر، اذ عمد الى زيادة إحتياطي الذهب في مصرف لبنان من 1.5 طن الى 286.5 طناً، أي ما يعادل نحو 9.504 ملايين أونصة. هذا الإجراء تحول الى إنجاز على مرّ السنين وجعل من لبنان اليوم وسط كل تلك الإنهيارات التي يشهدها، الثاني عربياً بعد المملكة العربية السعودية في كمية مخزون الذهب كما أعلن مجلس الذهب العالمي في تقريره السنوي الأخير للعام 2021.
فمنذ عامين ونصف العام، يوم اندلعت الأزمة في 17 تشرين 2019، والأنظار شاخصة على احتياطي الذهب الذي تبلغ قيمته اليوم اذا ما احتسبنا أونصة الذهب على سعر 1800 دولار أميركي 17,107 مليارات دولار. يومها انطلق «الجدل البيزنطي» بين المسؤولين اللبنانيين حول كيفية الإستفادة منه أو بالأحرى كيفية هدره، تماماً كما أهدر احتياطي المركزي من العملات على الدعم.
فالمسّ بالمعدن الأصفر ليس بالأمر السهل كما بات معلوماً، إذ يتطلب تعديل قانون منع التصرف بالذهب الذي أصدره رئيس مجلس النواب اللبناني الاسبق حسين الحسيني في العام 1986 لشعوره بوجود نية وضع اليد عليه «كي يساهم بسد عجز الموازنة».
يذكر أن ثلث الذهب هو خارج لبنان وتحديداً في الولايات المتحدة، ونحو الثلثين في مصرف لبنان مبدئياً.
وتطّل علينا بين الفينة والأخرى، مع استفحال الأزمة في لبنان وتأخر، أو تعثر، الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، إشكالية استخدام إحتياطي الذهب البالغة قيمته أكثر من 17 مليار دولار (286.5 مليون طن) "المخبّأ" لوقت الأزمات والطوارئ، خصوصاً وأن قيمته تتصاعد مع ارتفاع سعر الأونصة اليوم الى نحو 1800 دولار.
حمود: المسّ بالذهب في حالتين فقط
وفي هذا السياق، يعتبر رئيس لجنة الرقابة السابق على المصارف سمير حمود في حديث الى "نداء الوطن" أن الذهب يستعمل في حالتين لا ثالث لهما:
- استمرار الازمة وصرف كامل مخزون احتياطي العملات، ومد اليد الى الذهب جزئياً او كلياً بالبيع أو الرهن.
- انتهاء الازمة السياسية وبداية بناء الدولة، عندها يستعمل الذهب جزئياً او كلياً بالرهن أو التأجير في خطة نهوض لا فساد فيها.
وأكد أن "الكلام عن الذهب، ببيعه او تأجيره او رهنه في ظل الغموض السياسي والفساد الاداري وغياب الدولة، هو الاسراع في هدم الهيكل. وأنصح الابتعاد عن اي مشروع لاستخدام الذهب في الوقت الحاضر".
وعن اعتماد الحكومة على قيمة الذهب لخفض قيمة الخسائر التي حددت بـ69 مليار دولار، أكّد حمود أن "العملية الحسابية صحيحة، وهو تدبير طبيعي في تخفيض القيمة الدفترية للخسارة، فالذهب يدخل ضمن الموجودات مقابل مطلوبات الودائع العائدة للمصارف في مصرف لبنان. لكن لن يمس الذهب في خطّة الحكومة غير المكتملة بعد".
حداد: الحفاظ على الذهب.. والأغنياء يدفعون
وزير الإقتصاد السابق سامي حداد اوضح لـ"نداء الوطن" أن "احتياطي الذهب يرتفع سعره وتزيد قيمته ولكن لا نستطيع الإستفادة منه بالشكل الذي يتم التداول به". واضاف: "كلما زاد سعر الذهب وارتفعت قيمته، يخفض خسائر مصرف لبنان الإسمية، لكن لا يمكن من خلاله حلّ الأزمة ". وبرأيه "التركيز على تنفيذ خطة متكاملة شاملة واصلاحية أفضل بكثير من التطلع الى الإستفادة من الذهب". مشدّداً على أنه "حان الوقت ليدفع الأغنياء الكلفة الأعلى من الضرائب ومنها ضرائب الأملاك المبنية الخجولة، وإعداد خطة اصلاحية لقطاع الكهرباء ووقف اللجوء الى السلف...".
شماس: المعدن الأصفر ضمانة لليرة
أما المستشار المالي غسان شمّاس فأكّد أن "الذهب لا يستطيع تغطية الخسائر الكبيرة المحققة ولكنه يشكّل ضمانة، بل صلابة لليرة ويحول دون انهيارها أكثر، وسأل اذا فقدنا الذهب، فعلى ماذا ستبنى عملتنا، على السيّاح غير الموجودين أو على الناتج المحلي المتدني؟
غبريل: "ليس للفرجة ولاخراجه من "المحرّمات"
بدوره قال الإقتصادي نسيب غبريل أن "احتياطي الذهب وجد لدعم الإقتصاد وتعزيز الثقة وليس لـ"الفرجة" فقط والإستفادة منه نظرياً. ففي ظلّ الفرصة المتاحة للتوصّل الى اتفاق مع صندوق النقد الذي يفرض الإصلاحات، ندرس احتمالات استخدام الذهب بأفضل طريقة مستدامة لدعم الإقتصاد من دون تسييله، ضمن خطة التعافي، وإبعاده عن خانة المحرمات". وبالنسبة الى استخدامه في الفجوة المالية، اكّد أن الحكومة لم توضح كيفية التوصّل الى رقم الـ69 مليار دولار للخسائر.