رنى سعرتي
هل نجح مصرف لبنان في خطته، من خلال ضَخ الليرات التي امتصّها من السوق مقابل استعادة الدولارات التي ضخها على مدار الاسبوعين الماضيين، في التحكّم بسعر الصرف واعتماد «صيرفة» كمنصة رسمية وحيدة لتحديد الاسعار؟
نجح مصرف لبنان، عبر ضَخ ملايين الدولارات من السيولة النقدية في السوق في غضون أسبوعين، بخفض سعر صرف الدولار من 33 الف ليرة في منتصف كانون الثاني الى حوالى 20 الف ليرة حاليا. كما نجح من خلال خطته التي تعتمد على امتصاص اكبر قدر ممكن من السيولة النقدية بالليرة اللبنانية الموجودة في السوق، في جعل سعر صرف منصة صيرفة يتحكّم منفردا في السوق، وليس سعر الصرف في السوق السوداء وعلى المنصات الالكترونية، بحيث تخطى سعر صرف الدولار على منصة صيرفة مؤخراً، السعر في السوق السوداء. وبعد ان تهافت المواطنون والمودعون على «جمع» الليرات من السوق لاستبدالها بالدولارات من المصارف على سعر صرف صيرفة، مساهمين في نجاح هدف مصرف لبنان، امتصاص الليرة من السوق، اصبح شراء وبيع الدولارات محصورا الى حدّ ما بالمصارف وليس بالصيارفة التي لم تعد تتوفّر لديهم السيولة بالليرة، لأن المصارف توزّع الدولارات على الجميع وتسدد الرواتب والاجور بالدولار، كما وتبيع الدولارات على سعر «صيرفة»، وتتشدّد مع اصحاب الحسابات بالليرة، او بالدولار والمستفيدين من التعميم 151 الذي يُجيز لهم السحب على سعر صرف الـ8000 ليرة، من خلال خفض سقوف السحوبات بالليرة والاجازة لهم باستهلاك السقوف المحددة ولكن عبر استخدام بطاقات الدفع في نقاط البيع.
أدّت هذه الاجراءات مجتمعة الى فقدان السيولة بالليرة من السوق في اليومين الماضيين، والى تعذّر سحب الموظفين لرواتبهم بالليرة لأنّ معظم ماكينات الصراف الآلي التابعة للمصارف «فارغة» من الليرات. وعلى عكس ما كان سائداً منذ اندلاع الأزمة، وبصورة لم يتوقعها احد، أصبحت الليرة مفقودة والدولار متوفراً! وفي هذا السياق، أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بيانا اوائل الاسبوع، اعلن فيه انه يمكن للمصارف التي بحاجة الى سيولة نقدية بالليرة اللبنانية ان تحصل عليها مقابل بيع دولاراتها الورقية على سعر منصة Sayrafa وذلك عبر هذه المنصة. وبالتالي، يكون مصرف لبنان قد أعاد ضخ الليرات التي امتصّها من السوق مقابل استعادة الدولارات التي ضخها على مدار الاسبوعين الماضيين، مُحققا بذلك الهدف المرجو من خطته: التحكم من قبله بسعر الصرف واعتماد «صيرفة» كمنصة رسمية وحيدة لتحديد الاسعار!
في هذا الاطار، اعتبر مصدر مصرفي لـ«الجمهورية» ان مصرف لبنان يعمل منذ اندلاع الأزمة وانهيار الليرة على ابتكار معالجات على «طريقة التجربة والخطأ» وليس ضمن سياسة مالية نقدية، حيث حاول في البداية لجم الانهيار من خلال التعميم 151 ومن ثم التعميم 158 ومؤخرا التعميم 161 الذي عاد وطوّره. ولم ينجح سوى من خلال التعميم 161، في خفض سعر صرف الدولار، حيث تمكّن من المساواة بين سعر صرف منصة صيرفة وبين سعر الصرف في السوق السوداء. «ولكن يبقى السؤال: الى متى سيستمرّ في ضبط السوق؟ هذا الجواب لا يملكه أحد. ولا أحد يعلم بحجم تدخل مصرف لبنان في السوق. يقال انه استخدم لغاية الآن 400 مليون دولار، في حين يقول سلامة انه استخدم فقط 150 مليون دولار وانه يستخدم اموال التحويلات الواردة من الخارج عبر شركات تحويل الاموال لتمويل خطة ضبط سعر الصرف».
واضاف المصدر: في ظلّ عدم وجود اتفاق مع صندوق النقد الدولي وعدم وجود سياسة مالية نقدية للدولة، وعدم توفّر حلّ سياسي بعد، يحاول مصرف لبنان تمرير المرحلة والحدّ من انهيار الليرة بشكل أكبر، «إلا ان الدولار سيعود الى التحليق من دون سقف، في حال لم يستفد السياسيون من مرحلة التهدئة التي منحهم ايّاها مصرف لبنان ولم يفلحوا في وضع خطة نهوض اقتصادي واقرار الموازنة والاتفاق مع صندوق النقد الدولي».
وذكّر المصدر المصرفي انه عندما بدأ مصرف لبنان في العام 2016 بالهندسات المالية، اوضح للسلطة الحاكمة ان تلك الهندسات ستخدم في تهدئة الوضع حوالى عام او عام ونصف العام الى حين التوصل الى توافق سياسي، وهذا ما لم يحصل وانفجر الوضع.
وقال: نجح مصرف لبنان في امتصاص نسبة كبيرة من الليرة الموجودة في السوق من خلال ضمّ حوالى 80 في المئة من المتداولين الى منصة صيرفة، وضبط السوق. ولكن لا تزال هناك سيولة بالليرة موجودة في السوق.