إيفا أبي حيدر
عادة ما يسبق القطاع الخاص بإعطاء زيادات على الرواتب وبرفع تعرفة بدل النقل، القطاع العام. الّا انّ الامور اختلفت اليوم. فبعدما تكثّفت الاجتماعات في لجنة المؤشر للنظر في معالجة رواتب وأجور العاملين في القطاع الخاص، خلال شهري تشرين الاول والثاني، ومع قرب الإعلان عن التوصل الى اتفاق بين ممثلي أطراف الإنتاج الثلاثة، طُوي هذا الملف فجأة، لتتقدّم المساعدات المالية للقطاع العام. أين اصبحت المفاوضات، وماذا عن حقوق موظفي القطاع الخاص؟
أقرّت الحكومة خلال درسها مشروع موازنة 2022 صرف مساعدات اجتماعية لموظفي القطاع العام كافة، وبعد تبديل بالصياغات، يبدو انّ هناك توجّهاً لإجراء تعديل على ما تمّ الترويج له الاسبوع الماضي، حيث اعلن وزير التربية خلال تلاوة مقرّرات مجلس الوزراء، انّه بوشر بدراسة المادة 135 المتصلة بالمنحة الاجتماعية المنوي منحها للعاملين والمتقاعدين في القطاع العام، والملحوظة في مشروع الموازنة، فتقرّر إعطاء العاملين في القطاع العام والمتقاعدين، مساهمة اجتماعية تحدّدت براتب شهر على ألّا تقل عن مليوني ليرة لبنانية ولا تزيد عن 6 ملايين للعاملين، أما بالنسبة الى المتقاعدين فلن تقلّ عن مليون ليرة شهرياً.
وكان أعلن الاسبوع الماضي انّ المساعدة الاجتماعية حُدّدت بـ75% من قيمة أساس الراتب، على أن لا تقل عن مليوني ليرة ولا تزيد عن 4 ملايين. أما المتقاعدون فسيتمّ اعطاؤهم زيادة مقطوعة بنسبة 75% من أصل الراتب التقاعدي.
بات مؤكّداً انّ هذه المساعدة ستشمل العاملين في الإدارات العامة والبلديات واتحاد البلديات والأسلاك العسكرية والضمان الاجتماعي والمستشفيات الحكومية والجامعة اللبنانية وكل من يتقاضى راتباً او أجراً او مخصّصات من الأموال العمومية. وسيتمّ العمل بها لمدة عام ، وهي لا تُعدّ تصحيحاً للأجور ولا سلفة على غلاء المعيشة، ولن يكون لها أي انعكاس على تعويضات نهاية الخدمة ولا على الراتب التقاعدي.
وريثما يتمّ التوصل الى اتفاق نهائي في هذا الموضوع الذي لن يصل الى خواتيمة قبل إقرار موازنة 2022 في المجلس النيابي، فإنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقّع الاسبوع الماضي على مرسوم يقضي بإعطاء مساعدة اجتماعية موقتة لجميع العاملين في القطاع العام، مهما كانت مسمّياتهم الوظيفية، والمتقاعدين الذين يستفيدون من معاش تقاعد، وإعطاء وزارة المالية سلفة خزينة بقيمة 810 مليار ليرة من اجل تمكينها من سداد هذه المساعدة. على ان يبدأ تنفيذه فور صدوره بالجريدة الرسمية. وحدّد المرسوم قيمة المساعدة بنصف راتب عن شهر تشرين الثاني ونصف راتب عن شهر كانون الأول 2021، تُحتسب على أساس الراتب او الأجر او المعاش التقاعدي، من دون أي زيادة مهما كان نوعها او تسميتها، وتُسدّد على دفعتين متساويتين، على ان لا تقلّ الدفعة الواحدة عن /1,500,000/ ليرة لبنانية ولا تزيد عن /3,000,000/ ليرة لبنانية. كما وقّع على رفع تعرفة بدل النقل الى 64 الفاً للقطاع العام، ووقّع مرسوماً يقضي بإعطاء مِنح تعليم بصورة موقتة للمستخدمين والعمال عن العام الدراسي 2021-2022 حُدّدت بمليون ليرة لبنانية للطالب المنتسب الى المدارس الرسمية او المجانية او المؤسسات المجانية الخاصة بذوي الاحتياجات الإضافية او الجامعة اللبنانية، ومليوني ليرة لبنانية للطالب المنتسب الى المدارس او الجامعات الخاصة.
ماذا عن القطاع الخاص؟
هذا وضع القطاع العام، فيما يبدو انّ ملف اجور القطاع الخاص والزيادات للعاملين فيه موضوعة جانباً، مع العلم انّ غالبية دوائر الدولة مقفلة وموظفوها لا يداومون، على عكس موظفي القطاع الخاص الذين استفادوا فقط من رفع تعرفة بدل النقل الى 65 الفاً. ماذا عن تحسين الاجور؟ ماذا عن المساعدات؟ ماذا عن تقديمات الضمان الاجتماعي؟ وهل لا يزال هذا الملف قيد الاهتمام؟
في هذا السياق، يقول رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق محمد شقير، انّ الهيئات الاقتصادية كانت باشرت بدرس تحسين الأجور حتى قبل القطاع العام، لكننا لا نعلم إذا كانت هناك قطبة مخفية في السياسة فرملت هذا الموضوع. وقال لـ«الجمهورية»: «خلال اجتماعات لجنة المؤشر، طالبت الهيئات بألاّ تخضع الزيادة التي ستُعطى على الاجور من 675 الفاً (الحدّ الأدنى للاجور) الى مليوني ليرة للضمان، لكننا عدنا ووافقنا على ضرورة التصريح عن هذه الزيادة للضمان انطلاقاً من قناعتنا بضرورة حماية الضمان من الانهيار، خصوصاً انّ الخطوة ستؤمّن الفاً و800 مليار ليرة للضمان. كذلك تساهلنا مع كل مطالب لجنة المؤشر. وصراحة لا نملك الجواب عن السبب الكامن وراء توقّف البت بهذا الموضوع». وتوقّع شقير إعادة انتعاش اجتماعات لجنة المؤشر بحضور وزير العمل مصطفى بيرم، بعد انتهاء مجلس الوزراء من درس مشروع قانون الموازنة، لافتاً الى انّ الوزير بيرم كان متساهلاً ومتعاوناً جداً.
وكان تمّ التوصّل خلال اجتماعات لجنة المؤشر الى اتفاق يقضي بإعطاء مساعدة مالية قدرها مليوناً و325 ألف ليرة للعمال، وتكون هذه المساعدة بكامل المبلغ لمن يتقاضى راتباً يقل عن مليونين و675 ألف ليرة، على ان يتناقص المبلغ لمن يتقاضى راتباً يزيد على مليونين و675 ألف ليرة وصولاً لأربعة ملايين ليرة، على ان يتمّ إخضاع قيمة المساعدة لإشتراكات الضمان الإجتماعي.
وأكّد شقير انّه كان أول من اقترح رفع بدل تعرفة النقل اليومي الى 65 الف ليرة، ورفع قيمة منح التعليم على الشكل الآتي:
- الى مليوني ليرة عن كل طالب في المدارس الخاصة، على ان يستفيد منها ولدان بمبلغ إجمالي وقدره 4 ملايين ليرة.
- الى 750 ألفاً عن كل طالب في المدارس الرسمية، على أن يستفيد منها ثلاثة أولاد بمبلغ إجمالي مليونين و250 ألف ليرة.
- الى مليون ليرة عن كل طالب في الجامعة اللبنانية، على أن يستفيد منها ثلاثة أولاد بمبلغ إجمالي يصل الى ثلاثة ملايين ليرة.
- الى مليوني ليرة عن كل طالب في الجامعات الخاصة، على ان يستفيد منها ولدان بمبلغ إجمالي يصل الى أربعة ملايين ليرة.
وانطلق شقير في اقتراحه هذا انطلاقاً من قناعته بأنّ مصيبة انهيار القطاع التربوي لا يمكن تعويضها، مؤكّداً انّها متى حصلت ستكون أكبر مصيبة قد تحلّ على لبنان.
واعتبر رداً على سؤال، انّه «في ظلّ التقّلبات الحادة بسعر الصرف، فإنّ كل هذه الزيادات ليست ذات قيمة، انما «الكحل افضل من العمى». وأكّد انّ «غالبية الشركات العاملة في العاصمة ومحافظة جبل لبنان ما عادت تعترف بـ 675 الفاً كحدّ أدنى للاجور، وأعطت موظفيها زيادات، لكن المشكلة في القرى والمناطق النائية، وهذا ما نسعى الى تحسينه».
وعن موعد رفع الحدّ الأدنى للاجور يقول شقير: «انّ المشكلة الأساسية هي في الدولة غير القادرة على تحمّل الزيادات التي ستنتج من هذا التعديل".