طوني كرم
فرضت المرأة اللبنانية مكانتها في العديد من الميادين، ما خلا السياسيّة منها، التي دخلتها عن طريق الوراثة العائليّة، ما عدا استثناءات قليلة، تجلّت في الإنتخابات البرلمانية السابقة. فهل تفرض المرأة نفسها في الإنتخابات النيابيّة المقبلة بعد أن شكلّ وجودها في الصفوف الأمامية لإنتفاضة 17 تشرين ثورة بحد ذاتها؟ وهل تقدم «الأحزاب» والتيارات على ترشيح نساء فاعلات على لوائحها لهن حظّ كبير في الفوز ولا يكنّ تكملة عدد؟
تتميّز النساء بقدرتهنَّ على إعادة بناء العلاقات وإصلاح النزاعات، من خلال مخاطبة مخاوف النساء الأخريات ومظالمهنّ، ووجودهن في صلب العمل السياسي يعزز ثقافة المساواة بين الجنسين ويؤهلهنّ للتميز كصانعات سلام جديرات بالثقة، كما قد يسهمن في تغيير الخطاب السياسي السائد، وترجمة الحقوق القانونيّة إلى حقوق فعليّة.
مبادرات حثيثة تقوم بها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بما ينسجم وقرار مجلس الأمن الدولي 1325 الداعي إلى تعزيز تمثيل المرأة في الحياة السياسية، ترافقت مع تطوّر في ذهنية «الأحزاب» وأدائها إذ عززت دور المرأة في صفوفها وإشراكها في العمل السياسي، داخل المؤسسات الحزبية وخارجها، على الرغم من إسقاط صفة العجلة عن مشروع قانون «الكوتا النسائيّة» في المجلس النيابي، في تشرين الأول الماضي، لـ»ضيق الوقت» وترحيل البتّ به ما أثار سخط النائبة عناية عز الدين فانسحبت من جلسة خُصصت لمناقشة تعديلات على قانون الإنتخاب.
تشكل «الكوتا» تمييزاً إيجابياً «موقتاً» للمرأة، لكنها قد تتحول إلى خطر عليها في ظلّ هذا النظام الطائفي «القبلي» وغياب الأحزاب الديمقراطية وتعلقها المطلق بشخص القائد «الملهم»، الذي قد يعمد إلى اختيار مرشحات لا يتمتعن بالمؤهلات الكافية لإضفاء التحوّل المطلوب في المشهدية السياسيّة القاتمة، وبهدف ملء النسبة المطلوبة في «الكوتا». من هنا تبرز أهمية العمل على تمكين رجال السياسة وإقرارهم بدور المرأة في الشأن العام، وتحريرها من القيود التي تفرضها القوانين (الأحوال الشخصيّة) عليها في العائلة الصغيرة، والتي تحدّ من دورها في عائلتها الكبيرة واستطراداً في الشأن العام وداخل الأحزاب قبل مخاطبة المؤيدين أو الناخبين.
وإن كان إشراك المرأة في صنع الإستقرار عاملاً أساسياً، إلّا أنّ التمييز ضدها هو نتيجة تراكمات مجتمعيّة آلت دون تخطي خصوصيّة النظام اللبناني والدور الكبير للعائلات السياسيّة والأحزاب، التي أرفقت دور المرأة في الحياة السياسيّة بـ»الوراثة»، في حين برز تطوّر هام خلال السنوات السابقة مع تسجيل أعلى نسبة من المرشحات إلى الإنتخابات النيابية الأخيرة مع ترشّح 113 سيدة في العام 2018، لتتمكن من بينهنّ 86 سيدة من الإنضواء في قوائم إنتخابية أسهمت في فوز كلٍ من النواب بهيّة الحريري، عناية عز الدين، ستريدا جعجع، رولا الطبش، ديما جمالي وبوليت سيراغان ياغوبيان (بولا يعقوبيان).
شكلّ فوز النائبة يعقوبيان مفارقة في المشهد السياسي. امرأة من خارج العائلات السياسية ولا تحظى بدعم مباشر من الأحزاب التقليدية كزميلاتها الفائزات، استطاعت أن تشكل حافزاً للمرأة في الحياة السياسية، ما دفع الأحزاب «الذكورية» إلى تعزيز دور المرأة وإشراكها أكثر وبشكل متوازٍ مع الرجال، في مراكز إتخاذ القرار وبشكل خاص بعد «إنتفاضة 17 تشرين».
خاضت النائبة السابقة بولا يعقوبيان الإنتخابات النيابية عن دائرة بيروت الأولى في العام 2018، من ضمن لائحة «تحالف وطني» في مواجهة القوى التقليدية. لتتمكن من نيل ثقة ابناء بيروت وعائلاتها الذين أعطوها الكثير، حسب تعبيرها، في صناديق الإقتراع، مستفيدةً من القانون النسبي الذي الغى «المحادل» الإنتخابية ومكّنها من الفوز بعيداً عن «التركيبة» القائمة.
وتوضح يعقوبيان أن خوض الإنتخابات من خارج الأحزاب يشكل تحدياً كبيراً للمرأة كما للرجل، (لكن لا شيء يمنع من ذلك)، داحضةً التصوّر المتداول حول إحجام النساء عن تقديم الدعم والتصويت للمرأة في الإنتخابات، وذلك مع تبيان أن 58 في المئة من الأصوات التي حصلت عليها في الإنتخابات السابقة (2500 صوت تفضيلي)، هي من النساء، لتشدد في حديثها لـ»نداء الوطن» على أنّ الأشرفيّة غير، «غير من البداية»! وذلك بعد النتيجة التي حصدتها والتي تتوقع أن تشكل مدخلاً للتغيير في العديد من الدوائر.
وعلى عتبة الإستحقاق المرتقب في أيار المقبل، تقول يعقوبيان إنها تسعى إلى أن تكون القوائم الإنتخابية التي سوف تشكّل بين كلٍ من «تحالف وطني» والمجموعات المنضوية ضمن جبهة 13 نيسان وآخرين، مناصفةً بين النساء والرجال، على أن يكون ترشيح النساء أساسياً عن المقاعد التي توفر لها حظوظ الفوز نفسها أو أكثر من الرجال، وتتمكن بذلك المرأة من الوصول بكفاءتها وليس بالوراثة أو من خلال تزكيتها صورياً من الزعيم لإطفاء طابعٍ حضاريٍ إلى جانبه.
وإذ لفتت يعقوبيان إلى أنّ الحالة التغييرية والأحزاب التي نشأت بعد «17 تشرين» قائمة على مساواة طبيعيّة وغير مفتعلة ما بين النساء والرجال في مراكز القرار، أشارت إلى أنّ النساء اللواتي برزن في الصفوف الأماميّة لساحات «17 تشرين» إنخرطن أكثر في العمل السياسي، ما قد ينعكس على الترشّح إلى الإنتخابات وصولاً إلى القيام بدورهن الرقابي والتشريعي المطلوب في المجلس النيابي.
وإذ تخوفت يعقوبيان من أن يشكل العامل المادي تحدياً أمام جميع المرشحين وليس حصراً النساء، أشارت إلى أنه من الصعوبة في مكان، أن يتخلّى المرشح عن عمله والتفرّغ إلى العمل في الشأن العام، ما قد يساهم اليوم في إقتصار المرشحين على المقتدرين لتمويل حملاتهم الإنتخابية، ويشكل ضرباً لأسس الحياة الديمقراطية.
وعلى الرغم من التحديات الجمّة التي تحول دون قدرة النساء على الترشح إلى الإنتخابات، أوضحت أن خوض الإنتخابات من ضمن تحالفات قد تساهم في توفير الدعم للمرشحين غير المقتدرين مادياً من أجل الإستمرار في حملاتهم، والقول إن الإنتخابات هي لجميع الناس، وليست حكراً على الطبقة الميسورة فقط.
وتمنت يعقوبيان أن تكون تجربتها السياسية محفزاً للنساء من أجل كسر حاجز الخوف وتخطي الحملات التي قد يتعرضن لها، والإصرار على النجاح والعمل والبقاء في الحياة السياسية رغم كل «التفاهات» والحملات السخيفة التي قد يتعرضن لها.
وتوجهت في الختام إلى اللبنانيين بالقول: «إنّ الثورة والتغيير يجب أن يبدآ من الصناديق، من أجل تغيير مصير بلدنا، وهذا طبعاً لا يمكن أن يتحقق في حال العودة والتصويت إلى أحزاب التركيبة الحاكمة والقول إن الإنتخابات لن تغيّر شيئًا».
وإن كانت النائبة السابقة بولا يعقوبيان دخلت المعترك السياسي والمجلس النيابي من خارج التركيبة النمطيّة والأحزاب التقليدية، فإن «التيّار الوطني الحر»، وقبل استكمال الإستطلاعات الداخلية، رشّح الوزيرة السابقة ندى البستاني عن أحد المقاعد في دائرة كسروان/جبيل كما أن «الحزب التقدمي الإشتراكي»، وهو من أعرق الأحزاب في لبنان، قدّم كلّاً من الدكتورة حبّوبة عون والسيدة عفراء عيد لخوض غمار المعركة الإنتخابية المقبلة.
الدكتورة حبّوبة عون وهي المتمرسة في العمل الإجتماعي والمتخصصة في التنميّة المجتمعية توضح لـ»نداء الوطن» أنّ ما قام به الحزب هو عمليّة تطوير داخلية تتلاءم مع حداثة الأحزاب السياسيّة بما يتناغم وتطلعات الجيل الصاعد. لتشدد على أن إلتزامها الحزبي وقربها من رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط لا يغيّران من نشاطها ومثابرتها على العمل في الشأن العام.
وإذ لفتت عون إلى أن القانون الإنتخابي يقيّد تصرّف المرشحين من النساء والرجال على حدٍ سواء، أشارت إلى أنّ العمل من خلال الأطر التنظيمية «الحزبيّة» يساهم في تفعيل دور المرأة وإشراكها بشكل أكبر في مراكز القرار، ما يعكس التقدم والأخذ في الإعتبار بحقوق النساء في المشاركة السياسيّة، وبأهمية الدور الذي تلعبه المرأة من أجل تحقيق التغيير وإتخاذ القرارات الصائبة بما يتلاءم والمتطلبات الوطنية.
وعن استعداداتها لتلطّف الحملات التي قد تواجهها خلال حملتها الإنتخابيّة، توقعت أن تكون الحملات الإنتخابيّة حامية على جميع المرشحين، لتؤكد أن المواجهة الحقيقية بالنسبة لها لا يمكن أن تحصل إلا من خلال إثبات الذات والعمل على ترجمة المبادئ والأفكار التي تحملها إلى خطط عملانية على الأرض. عون التي لم يعلن الحزب ترشيحها الرسمي بعد، تسعى إلى تقديم برنامج وفق مؤشرات ذكية قابلة للتحقيق والنجاح، بعيداً عن الشعارات الرنانة والطنانة، حسب تعبيرها، مرتكزةً بذلك على دراسات واقعية وميدانية لهموم الناس تحديداً في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الجميع، والتي ستنعكس بطبيعة الحال على جميع المرشحين. وإذ لفتت عون الى أن مشاركتها في العمل السياسي لن تقف عند الإنتخابات، شددت على وجود توجه في «الحزب التقدمي الإشتراكي» من أجل تعزيز دور المرأة ومشاركتها في مراكز القرار، لتكون الإنتخابات محطّة لن تغيّر الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها في الشأن العام.
وفي الختام، توجهت عون برسالة إلى جميع المواطنين والنساء بشكل خاص، تحديداً مع بروز وجه نسائي للمرة الأولى في الشوف على لائحة «اللقاء الديمقراطي»، بالقول: «إذا أردنا أن نحقق ما نريد، علينا إنتخاب الشخص المناسب في المكان المناسب، وأنا أعتبر نفسي في المكان المناسب».
اليوم، وعلى أبواب الإنتخابات النيابية في أيار المقبل، هل ستتمكن المرأة من إنتزاع مكانتها السياسيّة، أم أنّ الأحزاب ستعمد إلى تقديم ترشيحات صوريّة لا تراعي تحقيق المساواة الجندرية في الوصول إلى مراكز القرار في السلطة؟