نقولا ناصيف
مهما يكن جواب لبنان الى الكويت وتبريراته، إلا أن ما يتجاوز سجال المبادرة الكويتية والردّ عليها، هو الخطوة التالية. لمّحت المبادرة الى «دولتين» في لبنان لا يسعها سوى الاعتراف بالدولة الرسمية ومواجهة الأخرى بمَن فيها وأمامها ووراءها
يحمل لبنان الى مجلس وزراء الخارجية العرب، في الكويت غداً، ورقة جوابية على المبادرة التي حملها وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح الى بيروت نهاية الأسبوع المنصرم، معوّلاً على أن تحمل عناصر إقناع لإعادة فتح الحوار المغلق بين لبنان ومجلس التعاون الخليجي وخصوصاً السعودية.
ليس لاجتماع الوزراء العرب علاقة بالمبادرة، كما بالجواب عنها. لن يطرحا في الجلسة، ولا المبادرة في جدول الأعمال. هي آخر جلسات ترؤس الكويت مجلس وزراء الخارجية العرب قبل انتقال الرئاسة الى لبنان. لا يعدو توقيت الجلسة سوى مناسبة كي يناقشها على حدة، وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب ونظيره الكويتي. من ثمّ، في ضوء ما تتضمّنه، تمسي بين يدَي الصباح لنقلها الى الجانب السعودي.
أولى مسوّدات الجواب اللبناني عن المبادرة الكويتية، أعدّها المستشار الدبلوماسي لرئيس الحكومة السفير بطرس عساكر. انتقلت من ثمّ الى قصر بعبدا، فأعدّت مسوّدة ثانية عدّلت ما ورد في المسوّدة الأولى قبل أن تعود الى السرايا. في الوقت نفسه، أعدّت الخارجية اللبنانية ملاحظاتها. في نهاية المطاف، يحمل بوحبيب معه الى الكويت الجواب المستطاع الذي يسع لبنان عرض وجهة نظره فيه حيال مبادرة تحمل مطالب أكثر ممّا في إمكانه تحمّل وزر تطبيقها.
لم يجد الوزير الكويتي لدى مقابلته رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تعليقاً على اعتراف محدّثه يقول له إنه ليس في وسع لبنان تجريد حزب الله من سلاحه، سوى التعقيب بكلمة: «أتفهّم». هذا الجواب كان كفيلاً للزائر العربي كي يتوقّع سلفاً النطاق والحدود القصوى التي يمكن لبنان الوصول إليها في ردّه. وعلى طرف نقيض من الورقة التي كان يحمل، لم يظهر الوزير الكويتي بتشدّد مماثل للسعودية، وحاول تمييز موقف الإمارة عن المملكة عندما اكتفت بإبعاد القائم بالأعمال اللبناني في الكويت دونما إقفال أبواب السفارة، التي لا يزال فيها موظف واحد فقط يسيّر أعمالها. وهي إشارة أبرزت عدم رغبة الكويت في قطع العلاقات مع لبنان.
يطلب لبنان في جوابه وقف حملات الشتائم المتبادلة
من دون مبالغة المسؤولين اللبنانيين في وهم تلقّف مجلس التعاون الخليجي الجواب اللبناني بترحيب، إلا أنه يرمي الى إحداث ثغرة في انقطاع التواصل مع دول مجلس التعاون، وخصوصاً الرياض. رغم أن الوزير الكويتي قال في بيروت إن المبادرة كويتية ــــ خليجية ــــ عربية ــــ دولية، بيد أن المسؤولين اللبنانيين لمسوا أنها أقرب ما تكون الى موقف الرياض التي سبق أن أبلغت شروطها المطابقة لمحتوى المبادرة الى السلطة اللبنانية. كذلك عكست البنود الـ 12 روحية، إن لم يكن أكثر، البيان الفرنسي ــــ السعودي على أثر لقاء الرئيس إيمانويل ماكرون بوليّ العهد محمد بن سلمان في 4 كانون الأول المنصرم، والمكالمة العابرة بميقاتي، ما يشير حكماً الى تبنّي باريس المبادرة الكويتية ودعمها وجهة النظر السعودية. لم يفصح الدبلوماسيون الأميركيون في بيروت عن معرفة إدارتهم المسبقة بها، بيد أنهم أكدوا لمحدّثيهم اللبنانيين أنهم الى يمينها ولا يقفون حتماً في طريقها.
مع ذلك، فإن البندين الأساسيين المنطوية عليهما المبادرة على نحو أساسي، يصعب توقّع إجابة لبنان عنهما على نحو صريح: القرار 1559 وتجريد حزب الله من سلاحه، وتدخّل الحزب في اليمن. في البند الأول، لا يحمل الجواب اللبناني، خلافاً للمبادرة الكويتية، أي إشارة مباشرة الى القرارات الدولية الثلاثة 1559 و1860 و1701، مكتفياً بالإعلان أنه يحترم القرارات الدولية في معرض تحدّثه ضمناً ــــ وخصوصاً ــــ عن القرار 1559، بيد أنه يؤكد احترامه له، دونما أن يعرّج على سلاح حزب الله، ويردّ بالتفصيل على ما أوردته المبادرة في كل ما اتهمته به.
موقف كهذا هو اليوم أكثر تقهقراً من ذاك الذي اتّخذه لبنان على إثر صدور القرار 1559، في أيلول 2004، وإعلانه من على منبر الأمم المتحدة في ذلك الشهر بلسان نائب رئيس الحكومة عصام فارس وقتذاك، أن لبنان يلتزم القرار، لكن لا يسعه تطبيقه نظراً الى صعوبة الظروف المحيطة به، ويحتاج الى وقت، فضلاً عن تداعياته على الداخل. مذذاك، لا يزال القرار نفسه بمضمونه وحبره، بيد أن حزب الله لم يعد كما كان في ذلك الحين، ميليشيا لمّا تزل وحدها مسلحة قد أضحت قوة إقليمية ذات ترسانة ضخمة تتدخّل في أكثر من مكان في المنطقة.
أما البند الآخر المعلّق الوضوح في الجواب اللبناني، فيرتبط بالحملات الإعلامية المتبادلة بين المملكة وحزب الله على خلفية حرب اليمن. وهو الشق الذي يملك أن يجيب لبنان عنه، من غير أن يمتلك ناصية التحكّم بمسار تدخّل حزب الله في اليمن كجزء لا يتجزّأ من المعضلة التي يمثّلها الحزب للدولة اللبنانية برمّتها، بسلاحه كما بحجمه الإقليمي المتنامي. ما يملك لبنان أن يطلبه ــــ وهو ما يحمله الجواب أيضاً ــــ سبل الوصول الى وقف الحملات الإعلامية المتبادلة بين الطرفين. إذ بات كلاهما يستدرج الآخر الى التصعيد، ويتناوبان الأدوار. كلاهما يشتم الآخر، ويخوض معركة إعلامية ضدّه أكثر منها مواجهة مباشرة على الأرض. ولذا، في أكثر من مكان في جوابه، يطلب لبنان مساعدة بلدان المبادرة على التوصل الى قواسم مشتركة ترتبط بتفهّم مشاكله، والوقوف الى جانبه في حلّها، وبعضها أضحى في صلب الأزمات الإقليمية والتسويات الجاري الخوض فيها. يؤكد لبنان أيضاً التزامه قوانينه وتعهّداته والسياسة الخارجية التي تتبعها حكومته.