راكيل عتيِّق
حسم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد استقباله مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، أمس، كلّ ما يُحكى عن مقاطعة سُنّية للانتخابات النيابية المقبلة، بعد قرار رئيس الحكومة الأسبق رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري تعليق عمله السياسي وعدم خوض الانتخابات. وأكّد ميقاتي أن لا دعوة للسُّنة الى مقاطعة الانتخابات، فهذا الاستحقاق الدستوري حاصل في موعده والطائفة السُّنية ستشارك فيه. هذا الموقف المهم قطع الطريق باكراً أمام من يمنّون النفس في تطيير الانتخابات من باب الميثاقية إذا قاطعتها طائفة أساسية. الى ذلك سيتبلور قريباً موقف سنّي وطني وسياسي جامع، بعد مشاورات محلّية وعربية.
منذ لحظة إعلان الحريري تعليق عمله السياسي، بدأت الاتصالات بين دريان ورؤساء الحكومة السابقين وقوى سياسية أخرى محلياً، إضافةً الى اتصالات ومشاورات مع دول القرار العربي، والتي ما زالت مستمرّة، للانتقال الى المرحلة المقبلة. لكن هذه المرحلة المقبلة، لا تعني بحسب مصادر معنيّة مطّلعة، أنّها «مرحلة ما بعد الحريري»، بل هي متعلّقة بما يجري على الساحة الداخلية، خصوصاً أنّ الحريري لم يخرج نهائياً من الحياة السياسية، إنّما علّق دوره السياسي في الوقت المنظور، وبرّر هذا التعليق لأسباب محلّية وعربية ودولية، وفي مقدّمة هذه التحدّيات والمبرّرات، «استمرار النفوذ المتنامي لإيران وتراخي المجتمع الدولي حيال هذا الدور واستقواء «حزب الله» على الدولة ومؤسساتها، بحيث أبقت الدويلة أقوى من الدولة». وانطلاقاً من هذه الأسباب والوقائع يجري درس الخطوة والموقف الذي سيُتخذ سنّياً ويُعلن في الوقت المناسب، على ضوء المشاورات محلياً وعربياً.
وأي خطوة أو موقف يُتخذ سيكون منطلقاً من «الحرص على وحدة الصف الإسلامي والوطني، وسيادة لبنان وحريته وعروبته وإخراجه من الجاذبية الإيرانية»، بحسب المصادر نفسها. أمّا بالنسبة الى موقف دار الفتوى من الانتخابات لجهة التوجُّه الى الناخبين السُّنة بدعوةٍ ما، فهو سابق لأوانه، وسيتبلور مع الخطوة التي قد تُقدم عليها القيادات السياسية والدينية السُّنية في المرحلة المقبلة.
وفي حين يرى البعض أنّ هناك تخلّياً عربياً وخليجياً تحديداً عن الحريري، وهو العامل الأساس الذي دفعه الى اتخاذ قراره الأخير، ترى المصادر إيّاها أنّ «ليس هناك تخلٍّ عن الحريري بل هناك حرص عليه وعلى دوره السياسي، لأنّ مستقبل البلد في حال لم يلتزم لبنان ميثاق جامعة الدول العربية وإيقاف تدخُّل بعض الأفرقاء اللبنانيين بالشأن اليمني والعراقي والسوري، وأن يكون السلاح في يد الدولة، إضافةً الى الإصلاحات، سيختلف ما بعد ورقة الأفكار العربية (المبادرة الكويتية) عمّا قبلها».
إنطلاقاً من ذلك، لا تركيز سنّياً على مسألة الميثاقية المرتبطة بالمشاركة في الانتخابات في حدّ ذاتها، بمقدار ما هناك تشديد على أنّ «طبيعة الميثاقية وقضية الدور اللبناني، سواء حصلت الانتخابات أم لم تحصل، لا معنى لهما إذا لم ينهض لبنان الدولة والسيادة والقانون. فدور الدولة واللادولة يجب أن يتوقف. ونحن نعيش مرحلة الدولة المخطوفة، وسواء كانت هناك مشاركة في الانتخابات أم لا، هناك خلل ليس فقط في التوازن الطائفي بل وجودي».
لذلك إنّ التشاور سنّياً مستمرّ الآن مع جميع المعنيين بعيداً من الأضواء، لبلورة موقف يصدر في الوقت المناسب. وهذا الموقف غير متعلّق بقرار الحريري في حدّ ذاته فقط، بل بما يجري في الساحة اللبنانية، حيث أنّ «الدولة ومؤسساتها في حالة اختطاف، وليس هذا لبنان الذي يريده اللبنانيون، فالآن نعيش في مرحلة لبنان الآخر وليس لبنان الوطن والسيادة والاستقلال والحرية والبحبوحة»، بحسب المصادر نفسها.
على مستوى ميقاتي، لا شك في أنّه بات يتحمّل مسؤوليات إضافية سنّياً، ما قد يدفعه الى خوض الانتخابات شخصياً، وذلك انطلاقاً من أنّه يمثّل أيضاً الاعتدال السنّي ومركز ثقله الانتخابي في الشمال، وفي طرابلس تحديداً، حيث هناك تخوّف من إخلاء «المُعتدلين» الساحة، ما قد يترك فراغاً يُمكن أن تملؤه شخصيات ومجموعات متطرّفة أو موالية لـ»حزب الله». كذلك بعد عزوف كلّ من الحريري ورئيس الحكومة الأسبق تمام سلام عن الترشح للانتخابات، هناك تخوُّف من غياب المرجعيات السنّية عن مجلس النواب، فيما أنّ ميقاتي لديه حضوره السياسي والشعبي، الى جانب كونه رئيساً للحكومة، وحقّق رقماً انتخابياً كبيراً في انتخابات 2018، كذلك تواظب جميعة «العزم» الاجتماعية التي يرأسها، على مساعدة أهل الشمال والطرابلسيين تحديداً، ما يساهم في اجتذابه واللوائح التي يدعمها شمالاً، إذا خاض الانتخابات، أصواتاً إضافية.
وفي حين لم يحسم ميقاتي قراره بعد لجهة خوض الانتخابات، انطلاقاً من المتغيّرات في بلد نعيش فيه «كلّ يوم بيومه»، بحسب مصادر قريبة من رئيس الحكومة، الّا أنّ من المُرجّح أن يخوض ميقاتي الانتخابات عبر لوائح يدعمها في الشمال، بمعزل عمّا إذا ترشّح شخصياً أم عزف عن الترشُّح. وتقرّ المصادر نفسها، أنّ انسحاب الحريري من الحياة السياسية الآن، يضغط في اتجاه ضرورة حضور المرجعيات السُّنية الوطنية وعدم انكفائها، لكي يكون لدى الناخبين خيارات عدة، وميقاتي أحدها.
ويعمل ميقاتي إنطلاقاً من أنّ الانتخابات حاصلة، ويتابع مع وزير الداخلية والبلديات التحضيرات لهذا الاستحقاق الدستوري، ويحرص على اتخاذ كلّ القرارات والقيام بكلّ ما هو مطلوب لوجستياً لإجراء الانتخابات. كذلك يستمرّ في محاولة الاستفادة من أي دعم خارجي للبنان، وسيغادر بيروت في الثلاثين من الجاري الى تركيا على رأس وفد وزاري، بناءً على دعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لبحث المواضيع الاقتصادية والوضع في المنطقة، وطلب مساعدات معيّنة خلال هذه المرحلة، إنطلاقاً من أنّ هناك تبادلاً اقتصادياً كبيراً بين لبنان وتركيا يُمكن تعزيزه، كذلك يُمكن لتركيا كدولة إقليمية كبيرة لها وضعها ورؤيتها في المنطقة، أن تساعد لبنان على غيرِ صعيد.