باتريسيا جلاد
يتخبّط الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في حزمة من «المشاكل»، في طليعتها مسألة عدم سداد الدولة متوجباتها البالغة 4992 مليار ليرة، انهيار سعر صرف العملة الوطنية الذي أدّى الى فقدان القدرة الشرائية لتعويضات نهاية الخدمة والى انخفاض مساهمة الضمان بالاستشفاء والطبابة والدواء بنسبة كبيرة. وبالتالي اصبح المضمون يتحمل نسبة 90% والضمان يغطي نسبة 10% من فاتورة الاستشفاء. نقاط عدة طرحت من مجلس إدارة «الصندوق» لحلّ تلك المعوّقات، في زمن الإنهيار المالي والإقتصادي في البلاد، لزيادة قيمة التعويضات والتغطية الإستشفائية والطبابية للمضونين فيه. حول ذلك الموضوع، وكيفية زيادة الحدّ الأدنى للرواتب كان حوار «نداء الوطن» مع مدير عام الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي محمد كركي.
على وقع انهيار الليرة ومعها قيمة الرواتب وانعدام القدرة الشرائية، عمد بعض أرباب العمل الى اللجوء الى آليات "تعويضية" رمزية على الموظفين من خلال منحهم تقديمات متفاوتة رافضين إضافتها على أساس الراتب تفادياً لزيادة قيمة الإشتراكات الشهرية التي يسددها ربّ العمل والموظف الى الضمان الإجتماعي. ما أدى الى تراجع قيمة تعويض نهاية الخدمة. ووصف كركي رفض أرباب العمل زيادة الرواتب، بالهمّ الأساسي لديهم بغية عدم تحميلهم اعباء مبالغ تسوية اضافية. من هنا تمّ البحث مع الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام لإيجاد صيغة توافقية خلصت الى زيادة غلاء معيشة بقيمة 1.325.000 ل.ل. على أن تدخل تلك الزيادة في اساس الراتب الخاضع للاشتراكات". وفي هذه الحالة، يضيف كركي: "يتمّ تقاضي الإشتراك الذي كان يترتب على الأجير الذي يحصل على راتب 675 ألف ليرة، على مبلغ المليوني ليرة وبالتالي سيزداد عائد الاشتراكات المحصلة من الدولة واصحاب العمل والعمال".
الحلول المطروحة
ماذا عن الحلول المطروحة أو التوجه المرتقب لتلقف تلك المشكلات؟ حول ذلك يقول كركي: "هناك عدة مبادرات لايجاد الحلول المناسبة وهي:
السعي بالتعاون مع حاكم مصرف لبنان لدفع تعويضات نهاية الخدمة على سعر المنصة الذي كان 3900 ل.ل. واصبح اليوم 8000 ل.ل. وعقدنا ثلاثة اجتماعات في هذا الاطار مع الحاكم رياض سلامة وننتظر صدور قرار بهذا الخصوص بعدما أبدى تجاوباً ملحوظاً مع هذه المبادرة.
يعمل وزير العمل مصطفى بيرم لتأمين جزء من حقوق السحب الخاصة المتأتية من صندوق النقد الدولي وتخصيصه لرفع القدرة الشرائية لتعويضات نهاية الخدمة.
معالجة تعرفات المستشفيات والاطباء والادوية.
تمكنا وكما ذكرت سابقاً، من خلال إجتماعين مع الهيئات الاقتصادية ولقاءات جرت مع لجنة المؤشر الى التوافق على اعطاء سلفة غلاء معيشة تضاف الى الراتب، مما يرفد الصندوق بمداخيل اضافية تساعد على امكانية زيادة التعرفات الاستشفائية والطبية والدوائية، إضافة الى رفع الحد الاقصى للكسب الخاضع للاشتراكات في فرع ضمان المرض والامومة من 2.5 مليون ليرة الى 4.5 ملايين ليرة".
نسب الإشتراكات والتعويضات
وبالنسبة الى إشتراكات المرض والأمومة أوضح كركي أنه "يتمّ عادة تقاضي نسبة 12% ( 8% من صاحب العمل و3% من الأجير و1% من الدولة) لسقف 2.5 مليون ليرة، الآن ستطبق تلك النسبة على 4.5 ملايين ليرة أو 5 ملايين ليرة.
وحول اشتراكات نهاية الخدمة فتبلع 8.5% من كامل الأجر مهما كان. والتعويضات العائلية 6% لسقف المليون ونصف المليون ليرة". لافتاً الى أن "مجمل هذه المبادرات لايجاد الحلول يمكن ان تؤدي الى نتائج عملية في حال التوافق عليها بين وزير العمل والهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام وتقر حكومياً بالسرعة اللازمة".
يبقى انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية وإمكانية تحويل التعويضات الى دولار في المصارف معضلة إضافية يواجهها الموظفون الذين يصرفون أو يتركون عملهم. عن تلك الجدلية، يقول كركي إن "الصندوق يتقاضى الاشتراكات بالليرة اللبنانية ويدفع تعويضات نهاية الخدمة بالليرة اللبنانية، وبالتالي لا يتحمل مسؤولية انهيار قيمة العملة الوطنية الناتجة عن السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية التي اتّبعتها الدولة اللبنانية خلال العقود الماضية". و"يتم البحث في مجموعة من المبادرات مع مصرف لبنان ووزير العمل من شأنها زيادة القوة الشرائية لتعويضات نهاية الخدمة".
متوجبات الدولة للضمان
لكن كم تبلغ متوجبات الدولة لصالح الصندوق الوطني للضمان؟ أكّد كركي أن "تلك المتوجبات سجّلت في نهاية العام 2021 نحو خمسة آلاف مليار ليرة. وتسديدها للضمان سيغيّر حتماً المعادلة بشكل كبير في أداء الصندوق". مضيفاً أنه "للأسف رغم الجهود التي قام بها وزير المالية السابق غازي وزني ووزير المالية الحالي يوسف الخليل اللذان بادرا الى تسديد قسم كبير من الموازنات المرصودة للضمان في الاعوام 2020 و2021، الا ان اجمالي الديون المستحقة على الدولة ما زال في تصاعد مستمرّ كون ما يُسدّد سنوياً من قبل وزارة المالية هو أقل مما هو مرصود في الموازنات السنوية للضمان".
المرض والأمومة
وعن تسديدات فرع المرض والأمومة، اكّد أنه "في حال دفعت الدولة الموازنات المرصودة سنوياً للصندوق في الموازنة العامة، فلا توجد لدينا مشكلة في الدفع على اساس التعرفة الحالية. ولكن للقيام برفع تعرفة الضمان اسوة بما فعلته وزارة الصحة (3.5 مرات) او الطبابة العسكرية (4 مرات)، نحتاج على الاقل الى نحو 3 او 4 آلاف مليار ليرة سنوياً، ونأمل أن تؤدي المبادرات مع مصرف لبنان والهيئات الإقتصادية المذكورة آنفاً الى تأمين قسم كبير مما هو مطلوب".
نهاية الخدمة
يبقى واقع صندوق نهاية الخدمة حالياً، وقيمة الموظف منه في سندات، محطّ تساؤل. حول ذلك وإستناداً الى نتائج فرع نهاية الخدمة يشير كركي الى أن "هناك فائضاً بلغ في 31/12/2020 حوالى 16.6 ألف مليار ليرة تحسم منه سلفات المستشفيات غير المسددة بقيمة 2100 مليار ليرة إضافة الى السحوبات لفرع ضمان المرض والامومة التي بلغت نحو 2100 مليار، وبلغت القيمة الموظفة منها في سندات الخزينة اكثر من 6000 مليار ليرة".
وهنا يلفت الى ان "الاستدامة المالية لفرع تعويض نهاية الخدمة مؤمنة، اذ إن ادارة الصندوق أجرت دراستين داخليتين من قبل المستشار المالي والخبير الاكتواري في الصندوق، خلصتا الى ان جميع حقوق الناس وتعويضاتهم مؤمنة من خلال الاموال المجمعة في صندوق نهاية الخدمة. ولمزيد من الشفافية كلف مدير عام الصندوق "مؤسسة مهنا" المتخصصة في الدراسات الاكتوارية لاجراء تقييم للوضع المالي لهذا الفرع. وخلصت الدراسة الى ان نسبة التمويل (الملاءة) بلغت نحو 211% حتى نهاية العام 2020 وأن الاستدامة المالية لفرع نهاية الخدمة مؤمنة لغاية العام 2065 على الاقل".
تلاعب القطاع الخاص
الى كل ذلك، يواجه الضمان أساليب تلاعب يعتمدها بعض شركات القطاع الخاص، الأمر الذي استدعى من صندوق الضمان، كما كشف كركي، الى "اعتماد آلية التفتيش الدوري القطاعي على القطاعات المهمة، كالمصارف والمؤسسات المالية ومؤسسات استيراد وتصدير الادوية واستيراد المشتقات النفطية". وهذا الأمر أعطى ثماره، اذ أوضح "حصول الضمان منذ البدء بخطة التفتيش هذه في ايلول العام 2021 على نحو 23 مليار ليرة لبنانية، اضافة الى التفتيش الدوري الذي تقوم به ادارة الصندوق، حيث تم تكليف المؤسسات بمبالغ مالية تجاوزت الـ100 مليار في كامل العام 2021.
إرتفاع المنتسبين للضمان الإختياري
في ما يتعلق بالضمان الإختياري والذي يحقّ للذين يتركون عملهم، يلفت محمد كركي الى أن "قيمة الإشتراك تبلغ 90 ألف ليرة شهرياً على ان ينتسب الراغب في الدخول الى "الإختياري"خلال فترة 3 أشهر بعد تركه العمل. ونظراً الى تكاثر عمليات الصرف من العمل منذ اندلاع الازمة المالية وترك نحو 60 ألف اجير منتسب الى الضمان عمله ارتفع عدد المشتركين في "الإختياري" من 10 آلاف الى 18 ألفاً.