رمال جوني
الايجارات تكسر ظهر المواطن، وقد بات عاجزاً عن دفعها على السعر الجديد في ظل تهاوي العملة الوطنية. كثر مهددون بخسارة مأواهم الوحيد، وسط تلويح أصحاب الشقق بضرورة الدفع إما بالدولار او بزيادة 40 بالمئة، الامر الذي يرفضه المستأجر الذي يجد صعوبة في الدفع في ظل الغلاء الفاحش الذي طال كل مقدرات الحياة الاساسية من المياه الى الكهرباء والغذاء والمحروقات، فأين يقف قطاع الإيجارات اليوم، وهل ما زال مزدهراً كالسابق؟
تراجعت قيمة الإيجارات هذه الأيام، بلغت مستوى متدنّياً جداً لم تشهده سابقاً. فبعدما نشطت تجارة الإيجارات إبان النزوح السوري الى لبنان، حيث تحولت مصدر رزق اساسياً لكثير من الأهالي، باتت اليوم في مأزق خطير، على خلفية تراجع قيمة العملة اللبنانية مقابل الدولار، فالشقة التي كانت تؤجر بـ300 دولار أضحت اليوم بـ450 الف ليرة أي بـ20 دولاراً، إنخفضت قيمتها بما يوازي 90 بالمئة، ما دفع بالمؤجر ليرفع الصوت، مطالباً بتعديل قيمة الإيجارات بما يتماشى مع سعر صرف الدولار، على اعتبار أن قيمة الايجار باتت «خسارة بخسارة» وفق ما يصف الحال محمد صاحب بناية يؤجرها كمورد رزق. قبل الازمة كانت البناية المكونة من 6 شقق تدرّ عليه 1800 دولار، أضحت اليوم لا تساوي 100 دولار، ما دفع به للطلب من المستأجرين دفع مليون ليرة بدل الايجار الشهري، معللاً الامر بأن «كلفة إصلاح الشقة وصيانتها مكلفة جداً، فدهانها يكلف 15 مليون ليرة، خلاط المياه يوازي 200 دولار، أي أن كلفة الصيانة توازي معاش سنة من الايجار الحالي».
لا يخفي محمد «أن الوضع الاقتصادي للناس صعب جدا، ولكن ايضا الحياة المعيشية كلها تقاس اليوم عالدولار».
رغبة المؤجر برفع بدل الايجار دفعت بكثر لاخلاء الشقق والبحث عن الارخص، ما انعكس على قطاع الايجارات بشكل كبير، اذ تشكل الشقق الفارغة هذه الايام ما يقارب الـ60 بالمئة تقريباً، في وقت كان من الصعب إيجاد شقة للايجار قبل عام تقريباً، في ظل عجز المستأجر عن دفع ايجار مرتفع.
ام يوسف كانت تستأجر شقة في محلة تول بـ250 دولارا أي 375 الف ليرة، ولديها امكانية تسديد المبلغ حينها، مقارنة بمعاشها الذي كان ٧٠٠ دولار سابقاً، غير انها اليوم وجدت صعوبة في دفع الايجار بـ950 الف ليرة، المبلغ الذي طلبه صاحب الشقة لانه وفق قولها «الوضع ما بيحمل، معاشي اليوم لا يتجاوز المليون ونصف المليون، فكيف سأدفع ايجار قيمته 950 الف ليرة، وإشتراكاً بـ950 الف ليرة، من دون أن ننسى فاتورة الكهرباء والمياه المضاعفة للشرب والاستهلاك، والاكل والبنزين، ما اضطرني لترك الشقة والبحث عن منزل ارخص». لا تنكر ام يوسف «أن الليرة تهاوت كثيراً أمام الدولار، ولكن معاشاتنا بقيت على حالها ولم تشهد ارتفاعاً يوازي السوق السوداء». يعيش سوق إيجارات الشقق نكسة كبرى الحقت الضرر بأصحابها الذين خسروا عصرهم الذهبي بعدما عاد عليهم بأرباح طائلة، غير ان السحر إنقلب على الساحر، فقلة فقط تملك القدرة على دفع الايجار الجديد، فيما الغلبة تعجز عن الأمر، رغم أن بعض المؤجرين لم يرفع الايجار كثيراً كما الحاج هشام الذي رفع الايجارات الى 600 الف للشقة التي كانت بـ100 دولار، و800 الف للشقة ذات الايجار 200 دولار، ومع ذلك جوبه بالرفض من قبل المستأجر، في حين فرض البعض الدفع بالدولار 100 دولار، الامر التي رفضته مريم وهي تقطن في شقة صغيرة في كفرجوز، ووجدت نفسها عاجزة عن تسديد الايجار منذ 5 اشهر، وتحاول ايجاد شقة بديلة من دون جدوى، فكل المؤجرين رفعوا بدلات الايجار، الامر الذي أصابها بنكبة «اين سأجد مأوى»؟
وفق مريم فإنه «بالكاد نقدر ان نؤمن لقمة العيش في ظل تهاوي المعاشات، واضيف اليها المازوت في عز البرد حيث يسجل فقدانه من معظم المحطات، وطالعني صاحب الشقة بزيادة الايجار، كيف سنتدبر الامر، ومن يحمينا من هذه الكوارث التي تهبط علينا؟ فعلا نريد حلا لانه تعبنا».
أفرزت الازمة الجديدة كوارث مختلفة على المواطن، الذي يضرس منها من دون ان يجد مخارج لها، وكأن المآسي كتبت عليه، وإذا كانت الضرائب تلوح في الافق لتضيف النكسة المعيشية، فإن كثراً يعيشون حال عصيبة وسط سؤال «هل رح تفرج قريباً ونخرج من حلق الضيق الى الحل، ام الى مزيد من التأزيم»؟