ايفا ابي حيدر
واصَل الدولار الاسود تراجعه خلال نهاية الاسبوع خارقاً بذلك سعر صيرفة الذي اقفل يوم الجمعة على معدل 24 الفا و400 ليرة، ليحقق الهدف من الخطة التي حاكها رئيس الوزراء نجيب ميقاتي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في حضور وزير المال يوسف الخليل خلال اللقاء الذي جمعهم يوم الثلاثاء الماضي والتي تقضي برفع الكوتا التي تحق للمصارف شهرياً من الليرة واصبحت تأخذها بالدولار الورقي لتعطيها لعملائها من دون سقف محدد. الا انّ الأسئلة هي: كم ستدوم مفاعيل هذه الخطة؟ ما ستكون كلفتها النهائية من الاحتياطي الالزامي؟ وكم ستحتاج الاسواق من الوقت لتلحق بسعر الدولار الذي يتراجع؟
يَعي غالبية المودعين ان محاولة المصرف المركزي خفض سعر الدولار في السوق الموازي من خلال ضخ الدولار للمصارف وعبرها للمودعين لن تدوم طويلا، لأنها ليست المحاولة الاولى التي يسعى فيها المركزي لتهدئة سعر الدولار الاسود وتبوء بالفشل، وبالتالي من تسرّع للتخلص من الدولار لدى تراجعه في السابق ولا سيما ابّان تشكيل الحكومة من 24 الفا الى 13 الفا يخشى ان يقع في الفخ مجددا، لذا هو في موقع المتفرّج اليوم على التحسن المصطنع لليرة ويسأل في الوقت عينه كم سيدوم هذا التراجع هذه المرة؟ وما سيكون سقفه قبل ان يعاود الارتفاع مجددا؟ خصوصا ان ما يعزّز هذه المخاوف الاستمرار في تقديم حلول فردية أحادية آنية من دون ان تترافق مع خطة تَعاف اقتصادية متكاملة.
في هذا السياق، يشرح الخبير الاقتصادي باتريك مارديني انه بعدما وصلت الاموال التي في حوزة المصرف المركزي الى حدود الاحتياطي الالزامي، اصدر حاكم مصرف لبنان قرارا يقضي برفع سعر سحوبات الودائع الدولارية بالليرة من 3900 الى 8000 ليرة ما حَثّ المودعين على استئناف سحب اموالهم من المصارف، وقد ادّت هذه الخطوة الى تراجع حجم الودائع الدولارية ما خلق فائضا في الاحتياطي، يضاف اليها لجوء المركزي الى سحب الدولارات التي ترد من الخارج عبر شركات تحويل الاموال من خلال شرائها وفق سعر السوق السوداء وكذلك شراء الدولارات من الصرافين.
وعن حجم الفائض المحقق من هذه التدابير يقول مارديني: لا ارقام محددة انما مجرد تقديرات تستند الى تصاريح سابقة لحاكم مصرف لبنان يقول فيها ان لديه بحدود 14 مليار دولار احتياطي، منها حوالى 12 مليار دولار احتياطي الزامي، بما يعني ان لديه على الاقل نحو مليار ونصف المليار دولار كفائض، لكن بالطبع هو لن يضخ كل هذا الفائض في السوق، فالمعلومات تشير الى انه سيضخ نحو 200 مليون دولار فقط كدفعة اولى، على ان يضخّ المزيد اذا ما احتاجتها السوق.
واوضح ان المصرف المركزي يشتري، من خلال التعميم 161، الليرة من السوق ويعمل على تجفيف السوق منها اي تقليص عرض الليرة وفي المقابل رفعَ من عرض الدولار الامر الذي سينعكس انخفاضا في الطلب على الدولار ويؤدي الى تراجع سعره مقابل الليرة.
وعن السقف الذي يمكن ان يسجله تراجع الدولار بنتيجة ضخ الـ 200 مليون دولار يقول: حتى اليوم بدا واضحا انه تمكّن من خفض الدولار من 33 الفا الى حدود 24 الفا، وهو تمكّن بذلك من تحقيق الهدف من هذه الخطة والتي تقضي بتقارب سعر السوق من سعر صيرفة الذي سجل يوم الجمعة 24 الفا و400 ليرة.
اضاف: لا يمكن التكهن بالسعر الذي سيبلغه تراجع الدولار لكن لا شك انه لن يتراجع اقل من سعر صيرفة. وقال: ليس التحدّي اليوم هو الى اي حد سيتراجع سعر الدولار في السوق الموازي انما كم من الوقت سيتمكّن المصرف المركزي من المحافظة على هذا التراجع؟ والجواب عن هذا السؤال يرتبط بالمبلغ الذي قرر المصرف المركزي ان يخسره من احتياطاته. كما لا يجب ان نتناسى ان المصرف المركزي يضع قيودا على سحوبات الليرة وهذا الامر يساهم في تخفيف التداول بالليرة الكاش ويؤدي في الوقت عينه الى تراجع الطلب على الدولار. وعليه، باتت الليرة في البنك مقيّدة. ومن مخاطر هذا الامر اذا طال، انه سيتسبّب بمشكلة أكبر تشبه أزمة الدولارات العالقة في المصارف بحيث اذا ما احتاج اي مواطن الى مبلغ من الليرة نقدا سيضطر للذهاب الى الصراف لبيعه شيكا مصرفيا بالليرة اللبنانية ليحصل على النقدي والصراف سيشتري هذا الشيك مقابل حسومات تتراوح حالياًَ ما بين 5 الى 10 %، لكن كلما طالت القيود على الليرة كلما زادت نسبة الحسومات، لذا نتخوّف في المستقبل من ان يصبح لدينا مشكلة في الحصول على الليرة اللبنانية تماما كما الحال للحصول على الدولار المصرفي لأن تعاميم المصرف المركزي تشبه «من يدوس على البنزين والفرام» في الوقت عينه، فهو من جهة يضخ ليرة ومن جهة اخرى يضع عليها قيودا.
متى تتراجع اسعار السلع؟
من جهة أخرى، ومع تراجع سعر الدولار يعيش المستهلك في حالة ترقب لتراجع اسعار السلع الاستهلاكية التي، وكما بات معروفا، ترتفع توازيا مع ارتفاع الدولار في حين ان تراجعها يستغرق وقتا اطول. وفي هذا الاطار، شرح مارديني ان التسعير يرتبط باستقرار سعر الصرف وتقلباته الحادة تؤذيه. فالتاجر يتخوف من خفض الاسعار لأنه يخشى ان يعاود الدولار الارتفاع فيسجل خسارة، وبالتالي، ان عدم اليقين بالنسبة الى اتجاهات سعر الصرف صعودا او نزولا يدفعه الى التمهل بخفض الاسعار. وتابع: لو ان هناك مصداقية بتخفيض سعر الصرف بما معناه انه لو ان سعر الدولار تراجع الى 25 الفا وهناك ثقة بأن هذا التراجع سيكون مستداما عندها بالتأكيد تتراجع الاسعار فورا، لكن بما ان الكل يعتقد بأن هذا التراجع لن يكون مستداما لا بل سيكون مؤقتا فالاسعار لن تتراجع بسرعة، والتجار يتركون هامشا في حال عاوَد الدولار ارتفاعه، ولعلّ هذا احد ابرز مضار تقلبات سعر الصرف.
وتابع: ان التقلبات الحادة بسعر الصرف تؤذي قطاع الاعمال كثيرا من زراعة الى تجارة الى صناعة... لأنها تضيّع الشركات في طريقة التسعير، ولا تعرف على اي اساس تدفع الرواتب، كما يتأثر التصدير والاستيراد فتضيع البوصلة على اي سعر صرف يجب الاحتساب، وبهذه الحالة يفضلون توحيد سعر الصرف أيّاً كان الرقم الذي سيعتمد شرط ان يتأمّن الاستقرار.