النهار
"خميس الغضب" الذي سيشهده لبنان اليوم يبدو انعكاسا حتميا للتدهور المتدحرج على نحو خطير على المستويات المالية والاقتصادية والاجتماعية اذ ستنفذ حركة احتجاجات وقطع للطرق في كل المناطق من الخامسة صباحا حتى الخامسة مساء بما يشل الحركة تماما تلبية لدعوة اتحاد النقل البري والاتحاد العمالي العام. وتختلط في المشهد الداخلي العوامل الاحتجاجية الصرفة مع العوامل السياسية اذ بدأت تتصاعد في الساعات الأخيرة مسألة التضييق على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعدما أصدرت القاضية غادة عون مذكرة منعته بموجبها من السفر فيما سربت “شائعات” تتحدث عن استهداف احد الزعماء السياسيين في ملف تهريب أموال إلى الخارج ، الامر الذي أضفى خطورة عالية على المناخ الذي يواكب انزلاق البلاد إلى متاهات انهيارية جديدة مع الارتفاع المحموم لسعر الدولار والاضطرابات الاجتماعية الواسعة والتي كان من مظاهرها مساء امس التظاهرة التي حصلت امام مصرف لبنان وشهدت إشكالات وصدامات بين المتظاهرين وقوى الامن الداخلي بعد محاولات لاقتحام المصرف من الجهة الخلفية.
ويجري ذلك فيما واكبت “انتكاسة” العهد في خطوته المتعلقة بالدعوة إلى الحوار مناخات متوترة ترجم بعض جوانبها رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل أمس عقب انتهاء جولة اللقاءات التي اجراها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع كتل 8 آذار بعدما قاطعت الكتل الأخرى وخصوصا “المستقبل” و”#القوات اللبنانية” و”اللقاءالديموقراطي ” هذه الحركة انطلاقا من رفض زعمائها الرئيس #سعد الحريري وسمير جعجع ووليد جنبلاط تلبية الدعوة إلى الحوار في هذا التوقيت وفي هذه الظروف. وبات في حكم المؤكد ان يصرف الرئيس عون النظر عن مبادرته اما بإعلان عن طيها وتبرير ذلك برفض القوى التي لم توافق على الدعوة وتحميلها مسؤولية عدم انعقاد الحوار، واما بإعلان تأجيل الدعوة إلى موعد آخر، وسيجري اعلان موقف عون اليوم بعدما ذكر انه انصرف أمس إلى جوجلة نتائج اللقاءات التي اجراها في اليومين الأخيرين حول هذه الدعوة.
وأكدت مصادر بعبدا ان رئيس الجمهورية سيتريث بحسم موقفه من الدعوة إلى حوار وطني موسع او بالعدول عن هذه الرغبة وسيعلن اليوم، وبعد يومين من المشاورات الثنائية التمهيدية، عدم دعوته إلى الحوار رغم اقتناعه بأنه طريق الخلاص من الازمة التي يعيشها لبنان.
وبنتيجة المشاورات تبيّن ان ثمانية أطراف وافقوا على المشاركة في الحوار، وهم:
الرئيس نبيه بري رغم عدم حضوره إلى اللقاءات الثنائية، والرئيس #نجيب ميقاتي
وحزب الله ورئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل والطاشناق والقومي والنائب طلال ارسلان، اضافة إلى اللقاء التشاوري الذي ابلغ عون موافقته على المشاركة حتى وان أعلن انه يحدد موقفه لاحقاً.
واعتذر اربعة من المدعوين إلى الحوار عن المشاركة وهم: الرئيس سعد الحريري
ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس تيار المردة سليمان فرنجيه.
اما “القوات اللبنانية ” فلم تجب على الدعوة من الاساس ورد رئيسها ببيان انتقد فيه الدعوة شكلاً ومضموناً.
وفق مصادر بعبدا، فان الرئيس عون عمل بعد ظهر أمس على تقييم ما سمعه ممن التقاهم من رؤساء الكتل من اجابات محددة على اسئلته المحددة. وقالت ان الحوار سيبقى من اولوياته ويعتبره طريقاً للخلاص من الازمة بعناوينها الكبرى
وابلغ عون التقاهم ان الحوار مفتوح على اي طرح يقترحون اضافته على البنود الثلاثة. وهناك أطراف قدموا اقتراحات وتم تدوينها في محاضر اللقاءات التشاورية.
“ملهاة مأساة”
وفي موقف انتقادي حاد من حركة عون اعتبر أمس رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع “انّها فعلاً ملهاةٌ مأساة أن يرى الشعب اللبناني رئيس بلاده يضيّع وقتاً ثميناً جداً والشعب في قعر جهنّم يكتوي يومياً بنار الأزمات المتناسخة. فمن يصدّق أنّ رئيس البلاد قد دعا إلى حوار في خضمّ هذه الأزمات المعيشية والاقتصادية والمالية كلها، حول مواضيع يعرف القاصي والداني أنّها لا تمتّ إلى واقع اللبنانيين الحالي بأي صلة، وبأنّه من رابع المستحيلات التفاهم حولها في الأيام الطبيعية، فكم بالحري في المناخات الحالية التي يعيشها اللبنانيون؟”
ولفت إلى ان “اللبنانيين خاضوا منذ العام 2005 وحتى هذه اللحظة عشرات جلسات الحوار والتي استهلكت آلاف الساعات، فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة الواقع الذي نعيش حالياً. وآخر ما نتذكّره على هذا الصعيد، جلسات الحوار التي عقدت في بعبدا أواخر ولاية الرئيس ميشال سليمان حيث تمخّضت بعد جهد جهيد عن “إعلان بعبدا”، والذي فور الاتفاق عليه تم التنصّل منه وما زال التنصل قائما حتى اليوم. وقبل التفكير في جلسات حوار عقيمة اعتدناها مع الفريق الحاكم، فليلتئم مجلس الوزراء وليتّخذ القرارات التي ينبغي اتخاذها للتخفيف ولو قليلاً عن الشعب اللبناني ريثما نكون قد وصلنا إلى الانتخابات النيابية وتاليا التغيير الجدي، وهو وحده الكفيل بإطلاق عملية إنقاذ حقيقية”.
ميقاتي والامارات
وليس بعيدا من هذه الأجواء جدد رئيس الوزراء نجيب ميقاتي من السرايا السعي إلى “عودة الحكومة سريعا إلى الاجتماع حتى تنتظم أمور البلد والناس، ونتابع مسيرة الإنقاذ قبل ان يغدرنا الوقت ونصبح ضحايا أنفسنا”. وشدد على وجوب “وقف التعطيل والعودة إلى طاولة مجلس الوزراء لانجاز ما هو مطلوب”. ومن الجهة القضائية المتصلة باجراءات تتناول حاكم مصرف لبنان وشقيقه قال ميقاتي “لا بدّ من توضيح ما استجد بالامس من امور لها علاقة بالقضاء، وفي هذا السياق اقول ليس صحيحا أننا تدخلنا في عمل القضاء او في شأن اي قرار يتخذه القضاء، وجل ما شددنا عليه، ليس الدفاع عن أشخاص بل الحفاظ على المؤسسات، واتباع الاصول في التعاطي مع اي مسألة تتعلق باي امر قضائي، ومنها ما يتعلق بواقع المصارف انطلاقا من أولوية الحفاظ على حقوق المودعين وفي الوقت نفسه عدم ضرب ما تبقى من مقومات اقتصادية ومالية تبقي هذا الوطن واقفا على قدميه بالحد الادنى”.
… والحريري قريبا
افتتح ميقاتي أمس “مركز الشيخ محمد بن زايد الإماراتي- اللبناني الاستشفائي لمعالجة مرضى كورونا” عند واجهة بيروت البحرية، الذي تبرعت به دولة الإمارات العربية المتحدة يرافقه وزير الصحة فراس الأبيض، والوزير السابق غطاس خوري . ووجه ميقاتي:”الشكر الكبير لدولة الإمارات العربية وللشيخ محمد بن زايد شخصيا على هذا العطاء، وعلى اهتمامه الدائم بلبنان، ولبنان لا يمكن ان ينسى ان الإمارات تحسن العطاء وتزرع المحبة من دون أي مقابل”. وقال “الشكر الكبير للشيخ محمد وطبعا لا يمكن ان ننسى ان هذا المستشفى بالذات كان بمسعى حميد وطيب من دولة الرئيس سعد الحريري الذي أوجه له تحية من هذا المكان، وليته كان معنا، ولكن بإذن الله سيكون قريبا بيننا في بيروت.”
وفي هذه المناسبة، غرّد الرئيس سعد الحريري عبر حسابه على “تويتر” كاتبا “شكرًا دولة الإمارات العربية المتحدة قيادة وشعباً. شكرا سمو الشيخ محمد بن زايد، ليس فقط على التبرع بإنشاء مركز الشيخ محمد بن زايد الإماراتي – اللبناني الاستشفائي لمعالجة مرضى كورونا عند واجهة بيروت البحرية، بل على الوقوف الدائم إلى جانب لبنان وشعبه في كل الاستحقاقات والمحطات. إنّ هذه الوقفة ستبقى دائماً محطة تقدير في قلوبنا، كما أننا نحفظ لأشقائنا العرب احتضانهم الدائم للبنان الذي لن يخرج عن عروبته المنصوص عليها في دستوره”.
منتدى الضاحية
ولعل اللافت في هذا السياق ان افتتاح المركز تزامن مع الخطوة التصعيدية الجديدة ل”حزب الله ” ضد المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي من خلال تنظيمه امس في الضاحية الجنوبية منتدى خطابي لمعارضين خليجيين شن فيه المتحدثون هجمات على السعودية ودول خليجية. ومثل الحزب في المنتدى رئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين الذي شن هجوما عنيفا على السعودية ودعا “الحريصين على العلاقة مع السعودية إلى ان توقف السعودية سياسة التنمر على الشعوب”. واعتبر ان “السعودية تتدخل بشكل سافر في بلدنا ونطلب منها عدم تحريض اللبنانيين على بعضهم البعض، المطلوب أن تكف السعودية أذاها عن بلدنا” واضاف: “أقول لصيصان أميركا إن هذه المقاومة هي قادرة على إنجاز وطن حر وشريف دون ارتهان للخارج، نريد أن يعرف العالم كله أن من يستهدف المقاومة بكلمة عليه أن يسمع الرد”…
ورد سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد بخاري بتغريدة عبر حسابه على “تويتر”، قائلاً: “القَفزُ فوقَ آلامِ وآمالِ الشّعبِ اللُّبنانيِّ الشّقيقِ ما هو إلَّا تَغاضٍ عنِ الحقيقةِ السّاطِعَةِ أمامَ أَعيُنِ اللُّبنانيّين أَنفُسِهم وإنكارٌ مقصودٌ لِحقيقةٍ مُؤْلِمَةٍ سببُها لَوْثَةُ استِعْلاءِ حزب الله الإرهابيِّ على مَنطِقِ الدّولةِ وَفشلِ خَياراتهِ السّياسيّة”.
لودريان
يشار في هذا السياق إلى ما كان أعلنه وزير الخارجية الفرنسي #جان إيف لودريان، مساء الثلثاء من أنّ الإمارات العربية المتّحدة ستنضمّ إلى صندوق قرّرت فرنسا والسعودية إنشاءه لمساعدة الشعب اللبناني. وقال لودريان أمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية: “خلال زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون السابقة إلى الخليج، تمكنّا من تجديد هذه الروابط” بين لبنان والدول الخليجية أن هذا التطوّر سيسمح بتأسيس صندوق فرنسي-سعودي لمساعدة اللبنانيين ودعمهم، وسيترافق بمساهمة الإمارات”. ولم يأت لودريان على ذكر كيفية عمل الصندوق أو حجم التعهدات به.
وفي الشأن الحكومي، أشار لودريان إلى ان “الحكومة اللبنانية لم تنجح حتى اليوم بأن تجتمع بسبب اعتراض أحد الاطراف السياسية فيها على المشاركة بسبب التحقيقات القضائية المتعلقة بانفجار مرفأ بيروت”، وقال “هذا يشكّل اعاقة غير مقبولة للتحقيق ومن حق اللبنانيين ان يكتشفوا الحقيقة”. وتابع “لدى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي نية للعمل لكنها لم تترجم بعد على الأرض، ولا بدّ من انتظار الانتخابات النيابية والتي نأمل أن تكون شفافة وأن تؤدي إلى نتيجة وإلا نحن أمام خطر غرق البلد بالصعوبات”.
إلى ذلك وزعت مساء أمس معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي عن عقوبات فرضتها فرنسا على شخصيات لبنانية، لكن معلومات من باريس نفت ذلك.