دوللي بشعلاني - الديار
نجح المعرقلون للعهد في إفشال مؤتمر الحوار الوطني الذي أراد منه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون جمع كلّ الأطراف السياسية إلى طاولة حوار في قصر بعبدا لمناقشة ثلاثة عناوين خلافية بهدف إيجاد الحلول المناسبة لها ولإنقاذ البلد من الأزمة الإقتصادية والمالية غير المسبوقة التي يتخبّط بها، غير أنّهم قد يكونوا فشلوا في ثني الرئيس عون عن المضي في الدعوة الى عقد هذه الطاولة "بمَن حَضر"، كون الميثاقية الطائفية مؤمّنة فيها، وإن كان اعتذار كلّ من الحريري وجعجع وجنبلاط وفرنجية عن المشاركة فيها، باستثناء أنّ رئيس "تيّار المردة" أعلن موافقته عن كلّ ما يصدر عنها من قبل فريقه، متمنياً له التوفيق، يُعتبر نقصاً كبيراً في مبدأ جمع جميع القوى السياسية، لا سيما المتخاصمين والمختلفين في وجهات النظر عن بعضهم البعض.فهل يتخذ الرئيس عون اليوم القرار النهائي حول دعوة الراغبين بالحوار الى الطاولة، أو يعدّل عن هذه المبادرة بعد اطلاعه على مواقف الأطراف كافة، والخشية من ألّا يؤدّي الحوار الى النتيجة المرجوّة منه؟!
تقول مصادر سياسية مواكبة بأنّ محاولة تعطيل طاولة الحوار من قبل القوى التي رفضت تلبية دعوة رئيس الجمهورية،والتي كان مجرّد انعقادها بحضور الجميع سيؤدّي فوراً الى هبوط سعر الدولار الأميركي في السوق السوداء، ما ينعكس إيجاباً على حياة المواطن اللبناني، أظهر أنّه ليس من رجالات دولة فعليين في البلد، مع الأسف، يتحمّلون مسؤولية ما وصل إليه البلد جرّاء السياسات الحكومية المتعاقبة. علماً بأنّ الإنهيار الذي يعيشه لبنان،لا سيما مع الإرتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار الأميركي بسرعة قياسية مقابل انهيار القيمة الشرائية لليرة اللبنانية وانعكاس ذلك على ارتفاع أسعار المحروقات وجميع السلع والحاجيات اليومية، من دون وجود أي مخرج له، حتى الساعة، يستدعي انعقاد الحوار بين المسؤولين المختلفين فيما بينهم، سياسياً وانتخابياً. وعلى هذا الحوار أن لا يُعقد لمرّة واحدة فقط أو لجولات معدودة إنّما يجب أن يبقى قائماً ومفتوحاً من أجل إيجاد الحلول الناجعة للأزمات التي يتخبّط بها المواطنون. فهؤلاء ينتمون الى جميع الطوائف والأحزاب والإنتماءات وليس من خيمة فوق رأس أحد، والجميع افتقر في لبنان وبات غير قادر على تأمين حاجيات عائلته اليومية والمعيشية، وينتظر مرساة النجاة من الغرق.
أمّا الذرائع التي أعطيت لعدم تلبية هذه الدعوة من قبل المعترضين على التوقيت والبرنامج، فتطال أيضاً النيّة غير المعلنة من عقد الحوار، من وجهة نظرهم، والتي يُعلّلونها بتعويم العهد والصهر سياسياً وانتخابياً في الاشهر المقبلة، رغم تأكيد الرئيس عون على أنّ هذا الأمر غير صحيح، وأنّ الحوار يهدف الى تعويم لبنان واستعادة ثقة الشعب بالدولة، كما المجتمع الدولي به، ولهذا رفضوا تلبية الدعوة كونهم لا يريدون منحه جوائز مجانية في نهايته قد يستخدمها أو قد يُجيّرها لصهره أو لحزب "التيّار الوطني الحرّ"،على ما يقولون، سيما وأنّ البلاد على مشارف الإنتخابات النيابية المقبلة. غير أنّه كان بالإمكان تلبية الدعوة من أجل إراحة البلاد، وشرح مواقفهم على الطاولة من خلال المصارحة والمناقشة والتحاور.
من هنا، لا تتوقّع المصادر عينها أن يعدل الرئيس عون عن الدعوة الى عقد الطاولة، بعد جوجلة المواقف والملاحظات التي اطلع عليها من قبل القوى السياسية التي التقاها، أو التي أبلغته ردّها هاتفياً، أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي، بل ربّما يتخذ اليوم القرار بالدعوة الى مؤتمر الحوار "بمَن حضَر"، لا سيما وأنّ البلد بحاجة الى اجتماع المسؤولين والى إيجاد الحلول للأزمة الإقتصادية والمالية على وجه السرعة. ويُمكن القول على ضوء الردود على الدعوة بأنّ الميثاقية السنيّة مؤمّنة بمشاركة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وكذلك الميثاقية الشيعية بتلبية الثنائي الشيعي للدعوة، لا سيما رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، كما أنّ الميثاقية المسيحية، وإن كانت ناقصة، غير أنّها موجودة كون رئيس "تكتّل لبنان القوي" النائب جبران باسيل لا يزال يمثّل الأكثرية المسيحية في البرلمان حتى الآن رغم استقالة عدد من نوّابه. فيما عدم مشاركة رئيس "تيّار المردة" سليمان فرنجية لعدم جدوى الحوار بين الفريق الواحد، على ما أعلن، أعقبها بتأكيده الموافقة على كلّ ما سيصدر عن المجتمعين حول الطاولة،فضلاً عن مشاركة الأرمن ممثلين بالطاشناق، والقومي، و "اللقاء التشاوري" الذي فُهم منه أنّه يحضر متى تمّت الدعوة للحوار.
وذكرت المصادر عينها بأنّ المعتذرين من الأحزاب، لا سيما "المستقبل" و "القوّات" و "الكتائب" و "الإشتراكي" و "المردة"، كما "اللقاء التشاوري" الذي أبدى بعض التحفّظ، و"القومي" الذي أصرّ على مناقشة بند خطة التعافي الإقتصادي في الوقت الراهن دون سواها من العناوين المقترحة أي اللامركزية الإدارية والاستراتيجية الدفاعية، أعلنوا أنّهم مع "إنقاذ البلاد". غير أنّ كلّ من هذه الأحزاب، يريد إنقاذ البلد وفق وجهة نظره ومشروعه السياسي، من دون تلبية الدعوة للحوار الوطني لكي لا يظهر في نهاية الأمر أنّ الرئيس عون قام بعملية الإنقاذ هذه بمفرده أو حتى بادر إليها. وهذا يعني بأنّ المصالح السياسية والشخصية لا تزال تتحكّم بمواقف غالبية القوى السياسية، لا سيما منها المعترضة على طاولة الحوار، وليس المصلحة الوطنية التي لا بدّ وأن تعلو على جميع المصالح، على ما نصحت دول الخارج المسؤولين اللبنانيين لإخراج بلدهم من أزمته الضخمة. علماً بأنّ لبنان وصل الى هذا الإنهيار غير المسبوق على جميع الصعد بسبب عدم تعاون القوى السياسية فيما بينها لإخراجه من النفق المُظلم، إنّما بسبب المناكفات والمشاحنات وسط الأزمات، ورمي الإتهامات المتبادلة.
وفيما يتعلّق بخطّة التعافي الإقتصادي التي تُعتبر أولوية حاليّاً لعقد لبنان الإتفاق مع صندوق النقد الدولي، تجد المصادر أنّه لا بدّ من مناقشتها في مجلس الوزراء في أسرع وقت ممكن، وأفادت بأنّ الصندوق لم يُرسل موفديه المقرّرين الى لبنان، إنّما ممثلين عنهم، وذلك بهدف إعطاء المسؤولين المزيد من الوقت لإجراء الحسابات وإقرار الموازنة العامّة العامّة لعامي 2021 و2022. وأوضحت المصادر أنّ خطوتهم هذه، لم تأتِ بهدف وقف التفاوض مع لبنان، إنّما لأنّهم يتابعون التفاصيل السياسية، وهم على عِلم بأنّ الحكومة لا تجتمع منذ منتصف تشرين الأول الماضي. علماً بأنّ اللجنة المختصة تعمل على هذه الخطة، غير أنّها لم تتوصّل بعد الى إعطاء أرقام الخسائر النهائية كون الأمور لا تزال غير شفّافة بين الدولة والمصارف، الأمر الذي يُعيق التوصّل الى صيغة نهائية لهذه الخطّة التي ينتظرها الصندوق..
ورأت المصادر بأنّ الإنهيار الذي وصلت اليه البلاد، لا بدّ وأن يدفع الشعب اللبناني الى الإستنكار والى العودة الى الشارع، أو الى اتخاذ قرار محاسبة المسؤولين في الإنتخابات النيابية المقبلة، وفق شعار "كلّن يعني كلّن" من دون استثناء أي حزب أو اي جهة، لا سيما تلك التي تُحاول دمج نفسها مع "القوى التغييرية" في البلد، وكأنّها لم تكن مشاركة في الحكم منذ ما بعد اتفاق الطائف (في العام 1989) وحتى يومنا هذا، ولم يكن لديها أي علاقة بالفساد وهدر أموال الشعب. وكان حذّر النائب هاكوب بقرادونيان بعد لقائه الرئيس عون أنّه "إمّا الحوار أو الإقتتال"، ما يعني بأنّ الحوار يستطيع منع تفاقم الأمور ووصولها الى حدّ الإنفلات والفتنة، كما من شأنه التمهيد لعودة مجلس الوزراء الى الإجتماع، على ما يُطالب صندوق النقد.
وتقول المصادر نفسها بأنّ عدم انعقاد مجلس الوزراء يُعرقل إقرار الخطة الإقتصادية، ولهذا يسعى ميقاتي الى إقناع الثنائي الشيعي بضرورة العودة الى اجتماعات الحكومة خصوصاً وأنّ إقرار الموازنة هي شرط أساسي للإتفاق مع صندوق النقد. وكلّما تمكّن من إعادة الجميع الى الجلسات الحكومية، كلّما أصبح الإتفاق مع الصندوق أسرع، ولا بدّ من حصول هذا الأمر قبل موعد الإنتخابات النيابية المقبلة.